قبل أقل من ثلاثة أشهر على انطلاق السباق الانتخابي إلى الاليزيه فى الثانى والعشرين من إبريل القادم، ظهر للنور مؤخرا كتاب جديد يحمل عنوان "أموال الدولة" يكشف فيه مؤلفه مصروفات الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى وخلطه بين أمواله الخاصة وأموال الدولة. توقيت إصدار الكتاب لا يتزامن فقط مع الانتخابات، بل مع الأزمة الاقتصادية والمالية التى تشهدها فرنسا كما عدد كبير من البلدان الأوروبية ومنطقة اليورو بشكل عام والاجراءات التقشفية التى تفرضها حكومة باريس على الشعب الذى بات يعانى عدد كبير منه من تدهور الأوضاع الاقتصادية وهو الأمر الذى يعكسه تراجع شعبية سيد الاليزيه وفقا لاستطلاعات الرأى المتوالية . فساركوزى وأعضاء حكومته وعلى رأسهم رئيس الوزراء فرانسوا فيون يدعون دوما الشعب الفرنسى إلى تقليل النفقات و"شد الأحزمة" لمواجهة الأزمة المالية الحالية لتفادي المزيد من تراجع معدلات النمو. ولكن يبدو أن هذه الدعوات تقف فقط على الشعب ولا تشمل الرئاسة ولا الحكومة. ويشير الكتاب الجديد الذى يثير جدلا كبيرا فى الشارع الفرنسي وأيضا على الساحة السياسية خاصة من جانب اليسار الفرنسي وأحزاب المعارضة، إلى أن زمن الشدة الاقتصادية ينال الجميع، إلا قصر الإليزيه وسيده ساركوزي الذى اتضح أنه ينفق نحو 115 مليون يورو سنويا على أمور تشمل الصحف وأطباق اللحم والسمك النيىء على طريقة "كارباتشو" الإيطالية والنبيذ الأحمر الخاص . واتهم مؤلف الكتاب وهو النائب البرلمانى رينيه دوزيير الذى ينتمى إلى الحزب الاشتراكى (اليسار الفرنسى) ساركوزي بأنه يعيش في قصر الإليزيه "مثل أحد شيوخ النفط " فى إشارة إلى حياة البذخ التي يعيشها الرئيس الفرنسي . وأشار المؤلف الى أن "سيد الاليزيه" بحسب "أموال الدولة" - ينفق 12 ألف يورو على الطعام يوميا ويضع 121 سيارة تحت تصرفه، لأن ميزانية الإليزيه التي اقتطعها لنفسه تفوق تلك المخصصة لقصر باكينجهام الملكي البريطاني ذاته . ويوضح المؤلف ، أن الرئيس الفرنسى ألغى "حفل الحديقة" السنوية في الإليزيه، التي تكلف الخزانة العامة نحو 600 ألف يورو، لكنه يقول إن الرئيس - بخلاف هذا - لم يحرك ساكنا في إتجاه الادخار خلال هذا الزمن الصعب . ويسرد مؤلف الكتاب ، أن ساركوزي أمر منذ أسابيع قليلة بإرسال فريق طبي على متن طائرة خاصة الى أوكرانيا للعناية بإبنه " بيير" الموجود هناك والعودة به سالما إلى باريس في عملية كلفت الدولة قرابة 27 ألف يورو . ويكشف دوزيير عن أن أسطول ساركوزي من السيارات يبلغ ضعف العدد الذي كان مخصصا للرئيس السابق جاك شيراك ، ويوضح أن تكاليف التأمين على هذا الاسطول تزيد عن 120 ألف يورو في العام، إضافة الى نحو 350 ألف يورو لوقودها. وأن الرئيس الفرنسى يقضى حوالى 24 ساعة أسبوعيا على متن طائرته الخاصة فى جولات داخلية أكثر منها خارجية تصب أغلبيتها مؤخرا فى صالح جولاته الانتخابية قبل الانتخابات التى لم يعلن ساركوزى بعد رسميا خوضه إياها. وعلق المؤلف قائلا " بالطبع فإن هذا كله يقع خارج إطار ميزانية مختلف وسائل "المواصلات" المتوفرة للاليزيه وطاقم العاملين به ". وتابع الكتاب إن ساركوزي يخصص لنفسه طائرة "بوينج 330" اشتريت له، وفقا لمواصفاته ومتطلباته، بمبلغ 260 مليون يورو، وهو يستخدمها عادة مصطحبا معه نحو 300 شخص (وتكاليفهم تتحملها الدولة) في رحلاته الخارجية التي كسر عددها الرقم القياسي لأي رئيس فرنسي سابق. ويضيف مؤلف الكتاب دوزيير ، أن دافع الضرائب الفرنسى يغطي فواتير طائلة تصل الى آلاف اليوروهات للصحف والمجلات فقط التى تصل إلى الاليزيه بصفة سنوية. أما أطايب الأكل والشرب فتشمل 200 يورو لكل قنينة من نبيذه الأحمر المفضل من نوع "كروز - إيرميتاج" مع أطباق اللحم والسمك النيىء على الطريقة الإيطالية . ولم يكتف مؤلف كتاب "أموال الدولة" بسرد الأموال التى ينفقها ساركوزى بل ذهب إلى نفقات الحكومة الفرنسية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر قام وزير التربية والتعليم الفرنسى السابق أكسافيه داركوس فى عام 2009 فقط ب 158 رحلة خارجية فى ستة أشهر فقط . مشيرا إلى أن نفقات الحكومة الفرنسية تبلغ 17 مليون يورو سنويا وأن رواتب وزارة الدفاع أرتفعت بمقدار 24 % فى عام 2011 ووزارة الخارجية والشئون الأوروبية ب55%. الكتاب الجديد المطروح بالأسواق يثير جدلا كبيرا بين الفرنسيين ، ولكن يصفه البعض بأنه يأتى فى وقت للتأثير على الناخبين الفرنسيين وتشويه صورة ساركوزى قبيل الانتخابات لصالح المرشح الاشتراكى " فرانسوا هولاند" الذى يتقدم بحسب استطلاعات الرأى على منافسه (ساركوزى) الذى ينتمى لليمين الفرنسى . عقبات عدة تقف فى طريق ساركوزى نحو الفوز بولاية ثانية فى الرئاسة الفرنسية؛ تراجع معدلات النمو، والارتفاع غير المسبوق منذ 11 عاما فى معدلات البطالة، تخفيض التصنيف الائتمانى لفرنسا، وإنخفاض فى مستوى المعيشة للشعب، تضاف إليها الاتهامات التى أوردها كتاب "أموال الدولة".