الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت وقف ذات يوم ليلقي خطبة في حشد من أنصاره الجمهوريين، وعلى حين غرة رفع رجل عقيرته محتجا على لغة الحوار ليقول: «أنا ديمقراطي» عندها كثر الهرج واللغط وتعالت الأصوات المنددة بعبارة لا تنتمي إلى فواصل الخطاب، لكن روزفلت المعروف برزانته وثباته الانفعالي الشديد طلب من أعضاء حزبه الثائرين العودة إلى مقاعدهم، ووجه حديثه مخاطبا الرجل: «ولماذا أنت ديمقراطي؟» فأجاب الرجل: «ورثت الديمقراطية كابرا عن كابر، فقد كان جدي ديمقراطيا وكذلك أبي.» فرد عليه الزعيم الأمريكي المحنك: «لا أرى جوابك مقنعا يا سيدي، لنفترض مثلا أن أباك كان مجرما وكذلك جدك، فهل هذا مبرر كاف لتصبح مجرما مثلهم؟» فرد الرجل في هدوء: «لو كان جدي وأبي مجرمين لأصبحت جمهوريا.».؟ اليوم أصبح الكثير منا بعيدا عن الديمقراطية وحتى الجمهورية ،يدعو دعوى الجاهلية فينادي الواحد منا حزبه ورهطه وجماعته كما نادي في الجاهلية أقوام أقوامهم فانتهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منددا بجاهلية ورثوها من قلوب لم تعرف اعتصام بأي حبل غير حبل الهوى، وصرخ فيهم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟ دعوها فإنها منتنة.». ! أنظروا كم هي منتنة ومخزية تلك النعرات التي ترتفع بين الحين والحين لتفرق جمعا أو جماعة ، فهي جاهلية وضبابية ونرجسية لا تبني وطنا ولا ترفع راية. ومخطئون أولئك الذين يرفعون لواء الفرقة باسم الحريات، لأن حرية البلاد أقدس من حرية الأفراد مهما ارتفعت أقدارهم في دنيا الناس..؟ ومهما يكن فإنه ليست من الديمقراطية أن يرفع المرء عقيرته معترضا ، ذلك لأن ليس من الديمقراطية شغبا كرويا قد يرتفع فيه لهيب الألعاب النارية فوق المآذن ووالمدارس والجامعات. إنما الديمقراطية كلمة حق عند سلطان جائر، وكلمة صدق في مجلس الأفاقين ،الذين لا يؤمنون إلا بالدينار ولا يعبدون إ لا ما يرون ،وكأنهم خلقوا لحياة أبدية وهم في الحقيقة أموات أبناء أموات ،لا يصح في هذه الفانية إلا الصحيح..؟ !