الدكتور: جمال مسرحي أستاذ التاريخ القديم جامعة باتنه1 من أبرزها سجن "جويران"ومخيم "الهول"في الحسكة الأحداث الجارية في سوريا حاليا أوجدت حالة من الفراغ متعدد الأوجه غير مسبوقة في المنطقة، فناهيك عن الفراغ السياسي الذي خلفه سقوط النظام وفرار الرئيس، لا يمكن التغاضي عن الفراغ الأمني الرهيب الذي نتج عن زوال النظام السابق والكل يدرك مدى خطورة ذلك ليس فقط على البلاد السورية، بل على المنطقة برمتها، ومن بين الملفات العويصة التي قد لا ينتبه إليها الكثير من الملاحظين نجد ملف السجون والمعتقلات والمحتشدات، وكذا المخيمات التي تأوي مآت الألاف من النزلاء من مختلف الجنسيات. وربما يعتبر سجن "جويران"ومخيم "الهول"في الحسكة شمال شرقي سوريا من أهم وأخطر هذه الملفات جميعها لأسباب عده منها: ما يرتبط بتاريخ إنشاء المخيم والمقيمين به من السوريين ومن مختلف الجنسيات، وكذا هذا السجن، والعدد الهائل من المحبوسين به، ناهيك عن التكوين الفكري لهؤلاء وظروف احتجازهم التي حتما ستأثر عليهم لاحقا.. ومن المؤكد أنه بعد سقوط النظام وحالة الفوضى التي تعيشها وستعيشها البلاد، من ذلك فتح السجون والمعتقلات وإخراج آلاف المعتقلين وخروج محبوسي سجن جويران يندرج في هذا السياق لكن السؤال المطروح ما تأثير ذلك على سوريا وعلى المنطقة؟ نعم السؤال مهم، والاجابة عنه تقتضي طرح تساؤلات عدة مهننا: 1- ما مصير عشرات الالاف من الأطفال الذين تمت تربيتهم، بل تدريبهم بهذا المعتقل؟ 2- ما خطورة الأيديولوجيا التي تم تلقينها لهؤلاء الأطفال؟ 3- ما خطورة الانعكاسات النفسية لهؤلاء على سلوكياتهم إن خرجوا؟ دون شك ما عاشه هؤلاء في السجن أو في المخيم من وضعية صنعت منهم أناسا موجهين فكرين بل يمكن أن نقول قنابل موقوته تنفجر حال يراد لها أن تنفجر والضحية دون شك الشعب السوري، والدولة السوريه.. وسنرى ذلك في القريب العاجل، وما سيزيد الأمر تعقيدا هو تعدد جنسيات هؤلاء فالتقديرات تشير إلى أنهم ينتمون إلى أكثر من 50 دولة، توافدوا على المنطقة في إطار تجنيدهم بطرق مختلفة وملتويه: بعضهم جاؤوا كمرتزقة بعد اندلاع حركات الاحتجاج ضد نظام الأسد في عدد من المدن السورية، في إطار ما سمي بالربيع العربي. ورغم محاولات بعض الدول التي لها تأثير على أحداث المنطقة كالولايات المتحدة وبريطانيا، ثم تركيا إعادة ترحيل هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية بتقديم مساعدات مادية وتسهيلات كثيرة للبلدان التي ترغب في استقبالهم، إلا أن تلك المحاولات بائت بالفشل، لأنه من غير الممكن أن تقبل أي دولة استقبالهم نظرا للخطر المتنقل الذي يحمله هؤلاء في أفكارهم، وهذا ما سيشكل لا محالة عبئا إضافيا على السلطة القائمة في سوريا لأنه من المتوقع أن ينشؤوا خلايا نائمة قد ينظمون أنفسهم ليكونوا قوة ضغط على السلطة، أو يتم استغلالهم كمرتزقة من جديد لأي حركة معارضة قد تنشأ سواء في سوريا أو حتى في دول الجوار، خصوصا في ظل الانفلات الأمني ورواج تجارة السلاح بشكل فضيع، ولنا في ما حدث في ليبيا والعراق أحسن النماذج عن ذلك، لا سيما وأن الحركات الإرهابية التي تتخذ من الدين وسيلة للتجنيد والتعبئة تجد نفسها في أريحية من أمرها في ظل المجتمعات المنغلقة، والتي تعاني ظروفا اجتماعية مزرية .. فالأطفال الذين تمت تنشئتهم وفق إيديولوجية تتخذ من الدافع الديني أو "المقدس" أداة للتلقين، وبالتالي تمت برمجتهم وفق الهدف الذي سطره التنظيم الذي أشرف عليهم، ويتضح ذلك من خلال التسمية التي أطلقها على عملية تكوين هؤلاء الأطفال وهي: "أشبال الخلافة" ذلك ما يجعل حلم الخلافة الإسلامية المزعومة يكبر مع الطفل، ومن السهولة بما كان أن يفجر نفسه أو يقتل الاخرين معتقدا أنه يسير في طريق تحقيق حلمه وحلم أترابه، والمتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية. وعليه فأن هذا الخطر سيظل قائما،وهو بمثابة قنابل موقوتة ما لم يتم التعامل معه بالطريقة الأنسب، وهي أنه على السلطة القائمة في سوريا أن تعمل على الدمج التدريجي لهؤلاء في الحياة الاجتماعية كمواطنين سوريين أو كأجانب مقيمين وذلك بتسوية وضعيتهم القانونية سواء في سوريا أو مع بلدانهم الأصلية، وهذا لن يتأتى إلا باستتباب الأمن وعودة الحيالة السياسية إلى مجراها الطبيعي وفقا لما يقرره الشعب السوري صاحب الكلمة العليا في هذا الامر. وكل ذلك لن يتم إلا في ظل الشرعية التي يجب أن يتم بها تثبيت السلطة في الدولة السورية، تلك الشرعية التي ينبغي أن تنبثق عن إرادة الشعب السوري وفقا للإجراءات المتعارف عليها دوليا، دون تجاوز حق الشعب السوري في اختيار من سيحكمه، وطبيعة النظام الذي يروق له، ويحفظ وحدته ووحدة أراضي دولته دون تدخل من الأطراف الأجنبية، والإقليمية أيا كان دورها في نشوب الأزمة السورية.