» الوساطة كنز لا يفنى« هي جملة شائعة بين الكثير من الشباب، خاصة الذين مروا بتجارب قاسية حرمتهم من فرص كانوا يتمنون الحصول عليها، والسبب هو المحسوبية التي يتعامل بها الكثيرون مهما كان منصبهم. كثيرا ما تترك المعاملة السيئة والتهميش آثارا سيئة في نفسية متلقيها، والسبب استخدام بعض الأشخاص أساليب غير شرعية وسيئة في التعامل، وهذا ما جعلنا نقترب من بعض الذين تعرضوا لمثل هذه التجارب لمعرفة وجهة نظرهم حول هذه الظاهرة ومدى تأثرهم بها، وأول من التقينا به هو «جمال» الحاصل على شهادة ماجستير في الإعلام، تخصص سمعي بصري، والذي أبدى استياءه من انتشار الوساطة حتى في الحصول على منصب عمل، وهذا ما مر به خلال تجربته عندما قرر وضع سيرته الذاتية في إحدى المؤسسات والتي منع من الدخول إليها، بينما سمح لقريب أحد الموظفين بالمؤسسة من الدخول بكل سهولة، وما تمكن منه فقط هو وضع سيرته الذاتية في مكتب الاستقبال، وهنا يقول «والغريب أنني عندما أصريت على مقابلة المسؤول في هذه المؤسسة لتقديم سيرتي الذاتية عنده كحق طبيعي، تعامل موظف الاستقبال معي بأسلوب سيء، في حين غير موقفه مع شخص آخر بمجرد أن أعلمه أنه من أقارب مسؤول بالمؤسسة، وهو ما جعلني أدخل في مناوشات معه لانزعاجي»، ويضيف «لقد علمت من أحد أصدقائي الذين لديهم وساطة في هذه المؤسسة أنه وظف فيها بالرغم من أنه متحصل على شهادة البكالوريا فقط، والفضل يعود إلى أحد أقاربه الذي يعمل هناك». ويتعامل بعض الموظفين في إدارات بعض المؤسسات بأسلوب فظ مع الأشخاص الراغبين في الحصول على أوراق رسمية، وهذا ما حدث مع «ليلى» التي أكدت أنها تعرضت للشتم من طرف موظف بالدائرة، حيث تقول «عندما طالت مدة انتظاري للحصول على جواز سفري إلى شهرين مما أدى إلى تعطلي عن أشغالي وهذا ما أزعجني، والغريب في الأمر أنني عندما سألت عن سبب تعطل حصولي على جواز سفري، عاملني الموظف بأسلوب سيء وشتمني، بينما غير أسلوبه في التعامل مع امرأة أخرى أخبرته أنها صديقة زوجته، وهذا ما جعله يبحث لها عن جوازها بسرعة». ولا تقتصر هذه المعاملة على المؤسسات الإدارية، بل امتدت إلى بعض مراكز الخدمات الاجتماعية والصحية، وهذا ما حدثتنا عنه «منال» التي تقول أنها تعرضت لمعاملة سيئة من قبل ممرضة في أحد المستشفيات تقول «بالرغم من أنني كنت على وشك الولادة وفي حالة حرجة، إلا أن الممرضة منعتني من الدخول وأخبرتني أنه لا يتوفر مكان لي في الوقت الحالي، بينما سمحت لحالة أخرى بالدخول بمجرد أن أخبرتها أنها من أحد معارف زوجها، وهذا ما أثار غضب زوجي الذي أصر على دخولي، لأنه حق شرعي لي، ما جعل الممرضة توجه له كلاما قبيحا وتطرده من المستشفى، ولم تضع أي اعتبار لحالتي المستعجلة». وهو نفس ما حدث مع «كريمة» التي أخبرتها إحدى الممرضات أن المستشفى لا يتوفر على لقاح الكبد الفيروسي لابنها الرضيع بالرغم من أنه قد تأخر عن موعده الطبيعي «لقد منحت الممرضة اللقاح لإحدى قريباتها، في الوقت الذي أخبرتني فيه أنه غير متوفر وهذا ما جعلني أصر على حصولي عليه، ولكنها رفضت طلبي وعاملتني بسوء كما طلبت مني المغادرة». في حين تؤكد السيدة «جميلة» أنها اضطرت إلى استعمال الوساطة لتلقي العلاج في المستشفى بعد إصابتها بمرض خطير، حيث تقول: «عند ذهابي للعلاج في مشفى عام، امتنعوا عن علاجي وتطلب إجرائي للتحاليل شهورا طويلة بسبب طول المواعيد، ولم أتمكن من إجراء التحاليل بعيادات خاصة، كوني محدودة الدخل، وهو ما جعلني أطلب الوساطة من إحدى جاراتي التي يعمل زوجها كطبيب بالمشفى وهو ما سهل إجراءات علاجي من هذا المرض». ومن جهة أخرى، هناك من الموظفين من يتقاضون مقابلا ماديا لقضاء خدمتهم وهذا ما حدث مع السيدة «نبيلة» التي طلبت منها إحدى الموظفات أن تلبي لها طلبها المتمثل في إعطائها مبلغا ماليا لتقدم لها خدمة إدارية متمثلة في إتمام إجراءات الحصول على بعض الوثائق وهو ما جعلها تقبل عرضها لإتمام إجراءاتها بسرعة. سوء المعاملة يترك آثارا نفسية سيئة وقد أصبح سوء المعاملة ينتهج حتى في بعض حافلات النقل العمومي من طرف العاملين بها، حيث تشتكي السيدة «فايزة» من سوء المعاملة الذي تعرضت له داخل الحافلة بعد أن وصل الأمر بسائق الحافلة إلى شتمها وضربها بعد أن طلبت منه أن يتوقف، خاصة أنها كانت مريضة، وهذا ما جعله يتضايق من طلبها ويشتمها بعد أن صعدت إلى الحافلة مما أثار غضبها وعندما دخلت معه في مناوشات وصل به الأمر إلى ضربها دون أن يضع أي اعتبار أنها في مقام والدته أو أنها مريضة مما جعل الجالسين يتدخلون ويوقفونه عند حده. وهو نفس ما حدث للسيدة «زهرة» التي تقول «وجه لي قابض النقود في إحدى الحافلات كلاما قبيحا لسبب تافه، وهو أنني طلبت منه أن يفتح لي الباب بعد أن صعدت في الحافلة، ونسيت شيئا مهما في البيت مما جعلني مضطرة للنزول ما جعله يستاء من طلبي ويوجه لي كلاما قبيحا». وينتهج مديرو بعض المؤسسات أساليب خاطئة في التعامل مع الموظفين مبنية على سوء التعامل مما يترك آثارا نفسية سيئة على الموظف، وهذا ما حدث مع السيد «مراد» الذي يقول: «كنت من الموظفين الذين يتمتعون بكفاءة عالية في العمل وبالرغم من ذلك فإن مدير الشركة كان يتعامل معي بأسلوب سيء ويستفزني ويخاطبني بطريقة غير لائقة ما جعلني أشعر بالإهانة، وبالرغم من حاجتي للعمل، إلا أني اضطررت لترك منصبي حفاظا على كرامتي». غياب ثقافة المخاطبة والتعامل في المجتمع تقول الدكتور ة»جميلة مالكي» مختصة في التنمية البشرية: «إن الكثير من الموظفين في المؤسسات لا يملكون قدرات المخاطبة أو سياسة التعامل مع الأشخاص المتصلين بهم ويتصرفون بطريقة غير لائقة معهم خصوصا إذا كانوا سريعي الانفعال ويصبون ضغطهم في العمل على المتصلين بهم فيستخدمون أسلوبا استفزازيا في الكلام مع الشخص الذي يتصل بهم أو يمتنعون عن تقديم الخدمة له مما يترك لديه انطباعا سلبيا ويترك آثارا نفسية سيئة، فيشعر الشخص بالاحتقار والإهانة، وأن حقه الطبيعي في الحصول على الخدمات من بعض المؤسسات مسلوب، ويستخدم بعض الموظفين أساليب غير لائقة، ولا تجعلهم محل احترام من قبل المتصلين بهم متمثلة في استعمال العنف اللفظي أو الجسدي بعد إصرار الشخص على حصوله على حقه والذي يقابل بالرفض من قبل الموظف الذي تتغير معاملته في حال كان الشخص أحد أقاربه أو أنه سيقدم له مقابلا ماديا للخدمة المقدمة، وهذا التصرف غير مقبول، وفيه تفريق بين الفئات الاجتماعية، فليس جميع الأشخاص قادرين على تقديم مقابلا ماديا، خاصة الفئة المحدودة الدخل التي يشعرها هذا التصرف بالظلم والقهر، وينتاب الشخص القلق النفسي بعد فشله في الحصول على حقه الطبيعي، والإحباط الشديد واليأس وفقدان الأمل في الحياة خصوصا بعد تعرضه للإهانة من قبل بعض الموظفين، ولذلك يجب أن تكون لدى الموظف في المؤسسة بالدرجة الأولى قدرة على إقناع الشخص المتصل به وطريقة جيدة في التعامل مع الآخرين، ويجب وضع في كل مؤسسة موظفا مختصا في العلاقات العامة والاتصال، يجيد المعاملة والتصرف مع الآخرين. والغريب في مجتمعنا أن المال طغى على القيم. وأصبح بعض الموظفين يسيئون التعامل مع المتصل بهم لمجرد أنه غير قادر على تقديم مقابل مادي لخدمته ويخدم أقاربه أو معارفه ويرفض تقديم الخدمة للغريب».