يعاني عمال الإدارات وأعوان الاستقبال أحيانا من سوء تصرفات بعض المواطنين، وبحكم مواقعهم الحساسة التي تعكس الصورة الأساسية للمؤسسة، يضطر هؤلاء إلى تحمل هذا النوع من المواطنين، لا، بل ووجب عليهم أن يقابلوا الإساءة بالحسنة حتى لا يخسروا عملهم، والأكثر من ذلك فهم مطالبون بأن يُهدئوا من روع أي مواطن يتعامل بحدة أو عصبية أو سوء تهذيب. من خلال استطلاع ل''المساء'' مع عدد من الموظفين، الذين يحتكون مع المواطنين بشكل مباشر في بعض المؤسسات المختلفة مثل البنوك والبلدية والدائرة، يمكن استنتاج مرارة ما يعانونه من سوء معاملة بعض الزبائن، إذ سردوا بعض المواقف التي اعتبروها جارحة ومهينة لكراماتهم.
ضغط بسيكولوجي رهيب يستحق منحة شهرية! في أحد البنوك وبحكم موقعها واحتكاكها المباشر مع زبائن كثيرين، تتعرض عاملة بشباك الدفع لمواقف حرجة بسبب بعض المواطنين الذين وصفتهم ب ''غير المهذبين''، تقول أن ضغط العمل يزداد حدة بدءا من منتصف كل شهر حينما تدفع رواتب الأجراء، ''من هؤلاء من لا يتقن ملء الصك، وإذا طلبت منه الاستعانة بأحدهم بحكم الطوابير الطويلة المنتظرة، يبدأ في الصراخ ويطلب مني عنوة ملأه وهذا غير قانوني، فأضطر للاستعانة بعون أمن المؤسسة لتهدئة الأوضاع. هذا، إضافة الى ان الكل في عجلة من أمره ولا يدركون ان التعامل مع الأوراق النقدية يحتاج إلى الدقة في العمل''. من جهته، اعتبر مصدر مسؤول من ذات البنك، أن طبيعة المواطن الجزائري تجعل مثل ظاهرة سب وشتم موظفي الإدارات والاستقبال، تستفحل أكثر فأكثر، وقال المتحدث الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن السبب يعود الى ان المواطن لا يتقن عموما فن الاستماع، ''الاتصال مبني على الاستماع والإنصات وفهم المعنى من الحوار، والذي قد يعرض خلاله اتباع طريقة ملء الاستمارات او الوثائق الرسمية، ولكن هذه النقطة مغيبة في التعاملات اليومية للمواطنين، لذلك فإن حالات النرفزة والصراخ والشتائم تكاد لا تغيب عن التعاملات اليومية مع مثل هؤلاء الزبائن''. موظفة بإحدى الدوائر شرق الجزائر العاصمة، تعتبر أن موظفيّ الإدارات المتعاملين مباشرة مع المواطنين، يجب ان تصرف لهم منحة خاصة نظير الضغط البسيكولوجي الكبير الذي يتعرضون له من طرف بعض المواطنين وسوء معاملتهم للموظف. وتضيف أنها كثيرا ما كانت ضحية عنف لفظي يصل حد التهديد بالقتل من طرف مواطنين، لمجرد رفضها إيداع ملف من الملفات بسبب نقص بعض الوثائق أو التصديق على النسخ. هذا الوضع جعلها تطلب نقلها إلى مصلحة أخرى، وهو الطلب الذي ما يزال قيد الدراسة. وإن كانت محدثتنا هذه قد طلبت تحويلها إلى مصلحة أخرى، فإن زميلة لها قدمت استقالتها بسبب ما تعرضت له من ضغوط تصفها بالكبيرة وغير المحتملة، وهي تنتظر معاملات إدارية فقط لترك وظيفتها، تقول : ''بعد سنة كاملة كعون شباك في مصلحة إدارية، اقتنعت أن وظيفة كهذه تصلح للرجال فقط، لأننا نحن النساء دائما عرضة لسوء المعاملة والسب والشتم حتى يتدخل زملاؤنا الرجال للدفاع عنا أو إسكات المواطن المعتدي''. وتضيف بقولها أن سوء المعاملة لا ينحصر فقط في التفوه بكلام ناب، وإنما أيضا من الضجيج الذي يحدثه المواطنون في قاعات الانتظار ورنات الهواتف النقالة وبكاء الأطفال، وهي العوامل التي تعتبرها المتحدثة ''قنابل موقوتة'' تجعل الموظف على أعصابه حتى بعد انتهاء دوامه. فالمتحدثة تؤكد ان هذه الضغوط المتولدة عن سوء تعامل المواطنين معها جعلها عصبية جدا ومهملة لشؤون أسرتها، إذ تؤكد أنها أهملت الاهتمام بدروس أطفالها كل مساء مثلما كانت تفعل من قبل.
لا بد من تأهيل لإحداث الموازنة تحدث إلينا موظف استقبال بإحدى الإدارات العمومية بشيء من التفهم، قائلا أنه لا بد من إحداث نوع من التوازن بين المواطن والإدارة حتى تسير الأمور بشكل عادي، يقول: ''إن العمل مع المواطنين متعب للغاية، إذ علينا نحن الموظفين ان نراعي في عملنا اختلاف الناس الذين نتعامل معهم، فمنهم من يتحدث بكل هدوء، وآخرون يشيبون شعور الرأس، وتصل المسألة أحيانا إلى التطاول علينا بالسب والشتم وبأقبح الصفات، لكننا نحاول قدر الإمكان تفهم الحالة بالإسراع في حل المشكلة والصبر على انفعالات المواطنين، وهذا هو دورنا كإداريين، أي علينا أن نجعل بعض التوازن في عملنا لإعطاء أولا نظرة إيجابية عن الإدارة وثانيا إرضاء الزبون، ولكن لإحداث هذا التوازن لابد من أن يكون الموظف ذاته جسورا وإلا تشتعل النيران بين الطرفين''. وتابع زميل له في ذات السياق يقول ''مضت علي 16 سنة في خدمة الاستقبال بالإدارة، وهي مدة زمنية كانت كفيلة بأن تغير طباعي وسلوكي مع الآخر، إذ تحولت من شخص هادئ الى عصبي وكثير القلق إلى درجة أني امضي ساعة كاملة كل مساء منعزلا ولا تجرؤ زوجتي على مخاطبتي حتى يزول (مفعول) الضغط الذي يتركه الدوام الوظيفي عليّ''. ويضيف مواصلا : '' بعض المواطنين سامحهم الله يستصغروننا كوننا أعوان شباك نؤدي عملا في إدارة عمومية، إذ كثيرا ما يخاطبني أحدهم باستعلاء كونه مديرا أو غير ذلك وانا مجرد موظف، وإذا طلبت منه مثلا ملء استمارة أو إرفاق الوثائق اللازمة كون الملف ناقصا يستصغرني ويطلب مقابلة المسؤول الأول، موجها لي كلاما جارحا مفاده أني أنا الموظف لم (أقنعه) ولابد له من الحديث مع المسؤول. مثل هذه التصرفات غير لائقة وتحد من شأن الموظفين وتزيد من الضغط النفسي عليهم''. وبالحديث عن الضغط النفسي المتراكم جراء الاتصال المباشر بالمواطنين، اعتبر موظف إداري إجراء بعض الدورات التكوينية لصالح موظفي الإدارات العمومية والاستقبال أمرا ضروريا حتى يتم تأهيل الموظفين وتلقينهم أبجديات التعامل اللائق بالمواطنين، لأن هؤلاء يختلفون في الطبائع والسلوك، ولأن الموظف مطالب بتحملهم حفاظا على سمعة المؤسسة المنتمي إليها-.