أصبح التهديد والابتزاز لغة ينتهجها الكثيرون للوصول إلى أهدافهم مهما كان تأثيره على حياة الأفراد الممارس عليهم, خاصة وأنه دمر حياة الكثيرين من جهة, ونتجت عنه حالات نفسية سيئة أصابت الضحايا بسبب حالات الخوف التي تنتابهم والتي قد تستمر معهم حتى بعد مرور الموقف. يلجأ العديد من الراغبين في الزواج أو الباحثين عن فرصة عمل إلى وضع إعلانات بالجرائد أو في مواقع الانترنت مرفوقة بأرقام هواتفهم الشخصية أو يضعون صورهم في الفيس بوك, معتقدين أنه الحل السريع لحل مشكلتهم, غير معتقدين أن هذا الإعلان البسيط سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه أو أنهم سيتعرضون إلى مضايقات. إدراج رقم الهاتف الشخصي على الإعلانات يفتح الباب للمضايقات أصبحت الصور أو المعلومات الشخصية التي يدرجها أصحابها في إعلاناتهم تستغل من طرف أشخاص ينتهزون هذه الفرصة بمجرد وقوع هذه الوسائل عن طريق السرقة أو بالصدفة في أيديهم ليصبح مالكها في وضع حرج أو تزيف صوره ليجد نفسه بين ليلة وضحاها في وضع مخل بالحياء دون أن تكون له أي يد في هذا الفعل غير الأخلاقي, فهناك من يستغل وجود هذه المعلومات بين يديه لينشر فضائح خاصة به أو معلومات سرية إذا لم تلب له رغبته بعد تهديد أو ابتزاز صاحب المعلومات, ومنهم من كانت له بمثابة فرصة وقعت له من السماء يستخدمها كوسيلة للتهديد لكسب الرزق, ومنهم من استخدمها لتلبية رغباته الجنسية. وقد استخدمت وسائل أخرى مكتوبة لحل مشكلة البطالة عند بعض الأشخاص أو التخلص من العنوسة أو العزوبية لتتحول إلى مصدر للمعاكسات والمضايقات بعد وقوع الهاتف الشخصي في يد أشخاص همهم الوحيد هو التسلية ومضايقة الغير دون أن يضع بعين الاعتبار أن تصرفه سيتسبب بالأذى لغيره أو سيدخله في خلافات مع عائلته دون أن يرتكب أي ذنب في حق من وقعت بيده أمانة قرر أن يخونها في سبيل تحقيق رغبته الشخصية. اقتربنا من بعض من مروا بتجارب انتهت بوقوع خلافات داخل عائلاتهم, وأول من التقينا به هو "جمال" الذي أراد أن يبحث عن فرصة عمل بوضع إعلان مرفوق بهاتفه الشخصي بعد ما طرق جميع الأبواب واستخدم جميع الوسائل للبحث عن فرصة عمل ليقع هذا الهاتف في يد فتاة أصبحت تضايقه ليل نهار بالرغم من أنه أخبرها أنه متزوج, إلا أنها لم تتوقف عن مضايقته مما أثار شكوك وغيرة زوجته عندما اعتقدت أنه على علاقة مع فتاة أخرى ما جعلها تبحث في هاتفه النقال وأعادت الاتصال بهذه الفتاة والتي أخبرتها متعمدة أنها إحدى صديقاته, وهو ما صدقته زوجته التي أنهت علاقتها به بعد إصرارها على الطلاق. شاب آخر أراد البحث عن فرصة عمل, معتقدا أنه عندما يضع إعلانا بالجريدة سيتخلص من مشكلة البطالة التي عانى منها لسنوات مستخدما هذه الوسيلة كحل سريع لمشكلته ليقع في مشكلة أخرى بعد ما تعرض إلى معاكسات من العديد من الفتيات اللواتي استخدمن رقمه الخاص لمضايقته, وبعد أن نسي هاتفه النقال, قامت خطيبته بالرد على المكالمة لتجد أن نفس الفتاة هي من تتصل به, وهذا ما جعلها تقطع علاقتها به, معتقدة أنها صديقته ولم تصدق كلامه عندما أخبرها أنه لا علاقة له بها. "سامية" هي الأخرى تعرضت لمضايقات عندما وضعت رقم هاتفها الشخصي في إعلان لها بإحدى الجرائد تبحث عن عمل لتصبح بعد ذلك دائمة القلق بعد أن استغل بعض الذين اطلعوا على الإعلان, رقم هاتفها الشخصي وأصبحوا يتصلون بها في ساعات متأخرة من الليل فأصبحت تعيش في حالة نفسية سيئة خوفا من شك زوجها فيها من أن تكون على علاقة مع أحد منهم, ولكن شاء القدر أن تنسى هاتفها في غرفتها, وعاد زوجها فجأة فرد على المكالمة ليجد أن المتصل هو شاب, وما زاد الطين بلة أنه كان يقول كلاما معسولا وهو ما جعله يشك أنه صديقها فقام بضربها وتطليقها. وتعتبر تكنولوجيات الاتصال بمثابة وسائل تخزن بها صور ومعلومات شخصية, ولكن إذا سرقت أو وقعت في أيد غير أمينة قد تنقلب حياة صاحبها رأسا على عقب, وهذا ما حدث مع "ليلى" التي كانت تخزن جميع صورها الشخصية ومعلومات خاصة بجهاز الكمبيوتر, وبعد أن سرق هذا الجهاز الخاص بها, أصبح السارق يبتزها بعد أن قام باستغلال معلومات قالت أنها شخصية وسرية, وتضيف "لقد استغل الوضع, خاصة وأنه اطلع على صوري برفقة صديقي ليهددني بعد علمه بعنوان بيت عائلتي من المعلومات التي خزنتها في الكمبيوتر أنه سيخبر عائلتي بهذه العلاقة إن لم أعط له مبلغا كبيرا من المال, فأصبحت دائمة القلق من أن يعلم والدي بالأمر فتحطم عائلتي, وبعد أن طرقت جميع الأبواب لتوفير المال, لم أتمكن من الحصول على هذا المبلغ الكبير فأعاد ابتزازي وبعدها أخبر والدي بالعلاقة وأرسل له الصور فقام بضربي ضربا مبرحا". كثيرا ما تتسبب هذه التصرفات في تحطيم عائلات بسبب أكاذيب وإشاعات كتبت عبر رسائل هاتفية والتي أدت إلى خلافات عائلية انتهت بارتكاب جريمة قتل داخل عائلة محافظة دفاعا عن الشرف, وهذا ما تحكي عنه السيد ة"فاطمة" التي فقدت ابنتها الصغرى وابنها في نفس الوقت بعدما وصلت رسالة في هاتف ابنتها فقرأها ابنها بالصدفة وقد علم من خلالها أن أخته على علاقة حميمية مع أحد زملائها, حيث تقول والدة "سلمى": "تعرضت ابنتي للتهديد من طرف جارنا بعد رفضها إقامة علاقة معه ,وبعد أن حصل على هاتفها من إحدى صديقاتها بدأ يهددها برسائل ومعاكسات في أوقات متأخرة من الليل, ولم ترد إخبار أخيها خوفا من تكذيبها, وبعد أن قرأ أخوها بالصدفة رسالة استقبلها عبر هاتفها تحمل أكاذيب, ثار غضبه وصدق ما جاء بداخلها فاستغل غيابنا عن المنزل وقام بطعنها بسكين دفاعا عن الشرف ففقدت ابني الذي يقضي سنوات شبابه خلف القضبان بسبب تصديقه لأكاذيب وفقدت ابنتي الصغرى التي فقدت حياتها بسبب افتراءات". وقد أصبح نشر صور الفتيات بالبلوتوث منتشرا عند بعض الشباب الذين يستغلون حصولهم على صور صديقاتهم ليقوموا بنشرها بعد ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن وضعوا ثقة كبيرة بهم, معتقدين أنها في أيد أمينة, ولكن بمجرد أن تقع أعين أحد أقاربها عليها تنقلب حياتها العائلية رأسا على عقب, وهذا ما مرت به "سميرة" التي كانت تربطها علاقة عاطفية بشاب, والذي وعدها بخطبتها وأخذ صورا لها وهي مرتدية اللباس الخاص بالسباحة, وصورا أخرى برفقته, ليستغل الأمر ويحتفظ بالصور كوسيلة لتهديدها, حيث تقول "وثقت بصديقي, ولم أكن أعتقد أنه سيخدعني عندما رفضت إقامة علاقة غير شرعية معه مما جعله ينشر جميع صوري بموقع التواصل الاجتماعي فجلب لي الفضائح بعد أن شاهد صوري جميع من يتصفح هذا الموقع, وهو ما جعلني أهرب من البيت بعد أن شاهد أخي الصور وكاد يقتلني". لغيرتها أعطت هاتف صديقتها لصديق لتهديدها وتحطيمها وقد تدفع الغيرة إلى خيانة الصداقة بين شخصين بعد أن تترك الصور التي وضعتها إحدى الصديقات في يد أقرب إنسانة إليها لتخون الأمانة بسبب غيرتها الشديدة منها وتدمر حياتها العاطفية, وهو ما حدث مع "جميلة" التي تقول: "تسببت غيرة صديقتي مني بسبب اختيار زميلي في الدراسة لي عنها, خاصة بعد ما تقدم لخطبتي, ولم أكن أعتقد أنها ستستخدم وسيلة التهديد لتحطيم علاقتي به لتحصل عليه, فأعطت رقم هاتفي الخاص لأحد أصدقائها, فبدأ يبعث رسائل غرامية أدت إلى إنهاء علاقتي بخطيبي بعد أن نسيت هاتفي معه, وقرأ بالصدفة هذه الرسائل, وقد أخبرتني أقرب صديقة لي أنها من أعطت هاتفي لصديقها لتدمير حياتي العاطفية بعد أن صدق هذه الأكاذيب بالرغم من أني أخبرته أني مظلومة, وما زاد من معاناتي أنها تقربت منه حتى حصلت عليه وتزوجته". "منال" هي الأخرى مرت بنفس التجربة بعد أن دمر صديقها حياتها العاطفية والعائلية عندما قطعت علاقتها به مما زرع الغيرة في قلبه, خاصة عندما تمت خطبتها لشخص آخر فتجرد من ضميره وبدأ يهددها بعد ما صور علاقته الحميمية معها بكاميرا دون أن تعلم, واستعمل هذه الصور لتدمير علاقتها بخطيبها, ولم يتوقف به الأمر عند هذا الحد, بل أرسل الصور لعائلتها, حيث تقول: "تحطمت حياتي بسبب صديقي السابق الذي دفعه الحقد والغيرة إلى نشر أكاذيب عندما التقط صورا لي برفقته دون علمي, وأرسلها إلى عائلتي وخطيبي, فدمر حياتي عندما نشبت خلافات شديدة مع عائلتي أدت الى طردي من المنزل, إضافة إلى أن خطيبي قطع علاقته بي, فدمرت حياتي العائلية والعاطفية بسببه وأصبت بحالة نفسية سيئة بعد أن فقدت ثقة جميع أقاربي". يتعرض للتهديد بعد ما ضاع منه الكمبيوتر الخاص به "كريم" هو الآخر ضاع منه جهاز الكمبيوتر الخاص به الذي قام بتخزين جميع المعلومات السرية الخاصة بالشركة التي يعمل بها فيه لتنقلب حياته بعد ذلك رأسا على عقب بعد ما استغل الشخص الذي وقع بيده هذا الجهاز الفرصة ليهدده بفضح أسراره لمسؤول الشركة إذا لم يقدم له مقابلا ماليا, حيث يقول: "خزنت جميع المعلومات السرية الخاصة بعملي وعائلتي داخل الكمبيوتر الخاص بي, وبعد أن ضاع مني تعرضت للتهديد من قبل أحد الأشخاص بفضح أسراري أمامهم إذا لم أقدم له مبلغا كبيرا من المال, وبعدما فشلت في الحصول عليه, فضح جميع أسراري أمامهم وطردت من عملي, وطلقت من زوجتي بعد أن أخبرها أني على علاقة مع فتاة أخرى, مستغلا صوري معها فدمر حياتي العملية والزوجية, وتعرضت لانهيار عصبي خوفا من تهديداته". تتعرض للتهديد من طليقها لتقدم له مقابلا ماديا لمنحها حريتها يستعمل بعض الأزواج وسيلة التهديد لتلبية طلبات زوجاتهم, فالبعض منهم يخيرهم بين موافقتهم على التطليق وتقديم مقابل مادي أو بين حرمانهن من أطفالهن, وهذا ما مرت به "فريدة" التي تقول "عانيت كثيرا مع زوجي لسنوات طويلة, فاخترت أن أنهي علاقتي به, ولكني لم أحصل على حريتي بالرغم من أنني عشت أقسى الأيام معه, لأنه رفض طلبي, وبدأ يهددني بتقديم مبلغ مالي مقابل حصولي على حريتي, وبعد أن طرقت جميع الأبواب للحصول على هذا المبلغ لم أستطع توفيره مما جعلني أرضى العيش في جحيم معه". ومن جهة أخرى, هناك من تعرضت للتهديد بسبب المال الذي تدينته وعجزت عن تسديده, وهو نفس ما مرت به السيدة جميلة التي تعرضت للابتزاز من قبل زوج إحدى صديقاتها, حيث تقول: "تدينت مبلغا من المال من زوج صديقتي, وعندما عجزت عن تسديده, بدأ يهددني بفضحي أمام الجيران إذا لم أقم بإرجاع المبلغ في ظرف أسبوع, فلم أتمكن من الحصول عليه خلال هذه المدة, لكنه وصل به الأمر إلى تهديدي بالقتل مما جعلني أعيش حالة خوف دائمة". حتى بعض الأقارب يستخدمون لغة التهديد فيما بينهم ومن جهة أخرى, هناك من تعرضت للتهديد من أقرب الناس إليها وهذا ما مرت به "أمينة" التي تقول: "لم أقبل الزواج من ابن عمي, لأني كنت على علاقة بشخص آخر, وبعد ما علم ابن عمي أنه تقدم لخطبتي, هددني بأن يقتلني, وبعد ما قبلت خطبته, قام بتدمير حياتي ونفذ تهديده عندما شوه وجهي بحمض الأسيد فدمر حياتي الاجتماعية فتوقفت عن العمل وقطعت علاقتي بخطيبي بعد ما فقدت جمال وجهي بسبب تهديده لي".ومنهن من تعرضت إلى التهديد من أحد أفراد أسرتها, وهذا ما أخبرتنا به "سلمى" التي أكدت أن أخاها فرض عليها سلطته وهددها بالضرب إذا عملت, حيث تقول: "بحثت عن فرصة عمل, ولكن أخي الكبير هددني إذا عصيت أوامره بالضرب, وهو ما منعني من بناء مستقبلي بسبب تهديده لي, وهو ما جعلني أعيش في حالة نفسية سيئة بسبب ضغطه علي". التهديد والابتزاز يؤثر على نفسية الإنسان تقول الدكتورة "كريمة سايشي" مختصة في علم النفس الاجتماعي: "تسببت تكنولوجيا الاتصال الحديثة في انتشار الظواهر الاجتماعية غير الأخلاقية بشكل كبير, فقد أصبح العديد من العاملين أو حتى الطلاب يعتمدون على أجهزة الكمبيوتر في تخزين معلومات شخصية سرية قد تصبح وسيلة للتهديد بعد وقوعها في أيد غير أمينة, وهذا ما جعل هذه الوسائل تحمل في طياتها سلبيات تجعل مالكها في وضع حرج بعد أن يضعه أحد الأشخاص الذين يستغلون وجود هذه المعلومات تحت أيديهم بين خيارين, فإما أن يطلب منهم إعطاء مقابل مالي أو تلبية رغبات جنسية مما يؤثر على نفسية الإنسان, ويصبح يعيش تحت ضغط نفسي رهيب أو يشعر بقلق شديد ودائم يعيق حياته اليومية, خاصة إذا لم يستطع تلبية هذه الطلبات فتصيبه صدمة نفسية وحالة من الاكتئاب والإحباط النفسي, وقد يصل به الأمر إلى إصابته بانهيار عصبي ويفقد ثقته بنفسه, خاصة بعد تفشي أسراره ونشر فضائحه, أو تعرض أحد أقاربه للتهديد, وقد انتشرت ظاهرة وضع إعلانات بالجرائد تحمل أرقام هواتف شخصية للراغبين في الحصول على فرص عمل أو طلب زواج مما أدى إلى زيادة المضايقات والمعاكسات التي تؤثر على نفسية هؤلاء الأشخاص وتعرضهم إلى الأذى, وقد تدمر حياتهم الاجتماعية قد تصل إلى خلافات عائلية مما يؤدي إلى شعور الشخص المتعرض للمضايقات بالظلم بعد ما توجه له اتهامات باطلة من طرف أحد أفراد عائلته ويشعر بالإهانة نتيجة عدم ثقة أحد أفراد عائلته به فيشعر باضطراب نفسي وحياة غير مستقرة, ويعيش دائما في حالة من الخوف الهستيري وعدم الراحة والأمان داخل حياته الاجتماعية".