عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار أبداً، عينٌ بكت من خشية الله وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله". من خلال هذا الحديث الشريف يتبين لنا أن العين الباكية من خشية الله هي التي أثمرت فيها التقوى إلى حد التذلل بين يدى الله. فما الخشية من الله؟ في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ذكر من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل له إلا ظله، رجلا ذكر الله أي وعيده وعقابه خاليا ففاضت عيناه: أي خوفا مما جناه واقترفه من المخالفات والذنوب، وقال أحمد بن حنبل: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فيما أشتهيه. وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله، وعينا سهرت في سبيل الله، وعينا يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله تعالى}. وكان ابن السماك يعاتب نفسه ويقول لها: تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين، ومن ذلك الجنة تطلبين أن تدخليها، هيهات هيهات للجنة قوم آخرون ولهم أعمال غير ما نحن عاملون. وقال صلى الله عليه وسلم: {قال الله سبحانه وتعالى: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له آمنين، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة}. وفي صحيح البخاري عن عائشة: "وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن" وقال عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن الخطاب خطان أسودان من البكاء. وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: {يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك}. وقال عبد الرحمن بن مهدي: مات سفيان الثوري، فلما اشتد به جعل يبكي فقال له رجل: يا أبا عبد الله أتراك كثير الذنوب؟ فرفع رأسه وأخذ شيئا من الأرض فقال: والله لذنوبي أهون عندي من هذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت. وقال جعفر بن سليمان: اشتكى ثابت البناني عينيه، فقال له الطبيب: أضمن لي خصلة تبرأ عينك، فقال وما هي؟ قال: لا تبك. قال: وأي خير في عين لا تبكي؟ والعين الثانية التي لا يعذبها الله هي العين التي سهرت لأجل أن تنام بقية عيون الأمة بأمان، فحق على الله أن يكرم صاحبها كل هذا التكريم، والحراسة هنا نوع من أنواع المرابطة على الثغور، ومن قام بها فقد جعل من جسده ترساً يحمي به من خلفه من الناس من أخطار العدو وانقضاضة عليهم في كل لحظة. والجهاد بأنواعه المختلفة هو ذروة سنام الاسلام أي أعلى مراتبه ودرجاته.