تعاني مدينة مغنية من استمرار نسف مافيا “البطاطا” لجيوب الفقراء رغم وفرة هذه المادة الأساسية، ويرجح مراقبون إمكانية ارتفاع سعر البطاطا إلى 80 دينارا للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي تباع فيه البطاطا حاليا ما بين 40 و45 دينارا بعد عزوف معظم الفلاحين عن غرس هذه المادة. على وقع الاحتفال بالعيد السنوي للبطاطا، الذي يصادف شهر جوان من كل عام، يعدّد منتجو البطاطا بمغنية جملة من الصعوبات والمشاكل، وسط تراجع الفلاحين المتخصصين في إنتاج البطاطا خلال تسعينيات القرن الماضي، وتقلّص المساحات المزروعة حاليا من 50 هكتارا إلى 5 هكتارات فحسب. ويقول “عبد الحميد بوحسون” رئيس منتجي البطاطا، أنه في بداية الستينيات كانت هذه المادة تغرس في الساقية وتقسم على حصتين، حيث لا تتجاوز 4 قناطير، وكانت تسقى بماء الساقية من واد مويلح، أمام انعدام الأسمدة الكيماوية في تلك الفترة، حيث كان يعتمد على مادة روث الحيوانات، ومع بداية السبعينيات وصل الفلاحون إلى غرس 60 قنطارا، مع إدخال أجهزة ومعدات حديثة على الإنتاج آنذاك، كالسقي بالرش. كما تمّ بعدها بداية استعمال الأسمدة الكيماوية للبطاطا، لتتطور العملية بعدها إلى السقي بالتقطير مما ساعد على وفرة الإنتاج، وذلك مع بداية الثمانينيات ليتم تحويل المخزون بغابة “سيدي أمحمد الواسيني” نظرا لانعدام غرف التبريد في ذلك الوقت، واختيرت هذه الغابة لبرودتها وخوفا من فساد المحاصيل. ومع مرور السنوات وبداية التسعينيات، تطوّر إنتاج مادة البطاطا، ليصل المحصول إلى 300 قنطار في الهكتار، حتى أنّ أحد الفلاحين غرس قرابة 400 قنطار من بذور هذه المادة، التي جعلت مغنية في الصدارة وطنيا مع ولاية معسكر. ومع بداية الألفية الثالثة، بدأ الإنتاج يتدحرج شيئا فشيئا وعرفت مدينة مغنية تراجعا في مرتبتها على المستوى الوطني، ويرجع السبب في ذلك إلى عزوف عدد كبير من الفلاحين في الأعوام الأخيرة عن زراعة البطاطا التي كانت تعتبر فيما مضى نشاطا بارزا لهذه المدينة. لكن التذبذب عاد ليطبع إنتاج البطاطا في مغنية اعتبارا من سنة 2002، حيث عزف عدد كبير من الفلاحين عن زراعتها رغم عمليات التحسيس والتوعية التي تقوم بها الجمعيات ذات الطابع الفلاحي بغية الحفاظ على نمط الإنتاج والاكتفاء الذاتي في المادة. ويحصي الفلاحون عدة عوائق ما انفكت تعترضهم كل موسم فلاحي، نتيجة قلة الإمكانات التي يتطلبها النشاط الفلاحي، ولعل المشكل والعائق الأكبر لدى الفلاحين خاصة في هذه المادة، هو التخزين وقلة غرف التبريد، لذا يطالب هؤلاء السلطات المعنية قصد التدخل العاجل وإعادة غرفة التبريد الموجودة بالعقيد لطفي والمقدر عددها بحوالي 20 غرفة بعد أن بلغت تكلفتها المالية أزيد من 36 مليار سنتيم بسعة 6000 طن لمختلف المنتوجات. وتقول مصادرنا إنّ هذه الغرف ظلت تتعرض إلى التخريب وكسر الأبواب، وكذا سرقة الكوابل الكهربائية المتواجدة بها، ما فرض تحويلها بعد ذلك إلى حظيرة للسيارات المحجوزة من طرف مختلف أسلاك الأمن خاصة مفتشية الجمارك. وتشكو مغنية بروز ظاهرة الجفاف ما ضاعف من متاعب الفلاحين ودفعهم للاعتماد على البطاطا البورية أي المسقية، أمام منع حفر الآبار وهو المشكل الذي طرحه جل الفلاحين بحكم عدم تسوية ملفاتهم المودعة منذ سنة 99 وعدم استفادتهم من رخص الحفر، ما أرغم الفلاحين على اختيار زراعات أخرى لا تتطلب كمية كبيرة من المياه. في هذا الصدد، يؤكد بوحسون على ضرورة التكثيف من عملية حفر الآبار الخارجة عن الحوض المسقي التي أصبحت جد مستحيلة لدى البعض منهم، مما اضطرهم للبحث عن الماء على بعد عشرات الكيلومترات لسقي أراضيهم وذلك تجنبا للخسارة، حيث يقول بعض الفلاحين أنّ مديرية الري رفضت منحهم ترخيصا بحفر الآبار وحاصرتهم بمختلف التبريرات التي تجعل الآلاف من المساحات الزراعية مهددة بالزوال، إضافة إلى ارتفاع أسعار البذور، حيث وصل سعر بذور مادة البطاطا كوندور و سبونتا 12 ألف دينار، وبذور ديزيري إلى 9500 دينار، وكذا ارتفاع تكلفة الكهرباء حسب ما أورده بعض الفلاحين الذين استلموا فواتير الكهرباء بقيمة خيالية فاقت 80 مليون سنتيم مقابل 400 قنطار من البطاطا، أي ما يقارب 160 مليون سنتيم سنويا. وينتقد فلاحون ارتفاع أسعار الجرارات وسائر التجهيزات التي تصل قيمتها إلى 224 مليون سنتيم، فضلا عن زيادة أسعار مواد الإنتاج إذ بلغ سعر الأسمدة من نوع (3X 15/15) 3500 دينار، والأسمدة من نوع بتنال 4250 دينار، حيث يتطلب الهكتار منها ست قناطير، فضلا عن النقص الفادح في المواد المضادة للحشرات جراء غلائها، وهذا ما يعرض المنتوج إلى الهلاك، إضافة إلى عودة أزمة المازوت وارتفاع أجر العمال. ويطالب كل من اتحاد الفلاحين الأحرار ومنتجي البطاطا بضرورة خلق معاهد للبحوث فيما يخص البذور، يشرف عليها دكاترة مختصين في علم الفلاحة وبيولوجيين مختصين في (فيجيطوا) حسبهم، وعلم الجينيات. وحتى لا يكون هناك تبذير في الثروة المائية، يؤكد الفلاحون حتمية انتهاج أحدث الأساليب التقنية، كاللجوء إلى طريقة الرش بالتقطير، هذه العملية التي لها دور فعال في الحفاظ على الثروة المائية من جهة، وحفظ النبتة من الأمراض من جهة أخرى، لكون كثرة الماء أو قلته حسب بعض الفلاحين في تصريحاتهم للسلام يسببان للبطاطا طفيليات يتعذر محاربتها. في شق آخر، تتعرض مئات الهكتارات إلى خسائر تقدر بالمليارات سنويا، خاصة بعد الأمطار التي أحدثت بقعا سوداء، وقد اتسعت دائرة انتشار هذا النوع من البطاطا المصابة لتجتاح معظم أسواق الوطن، الأمر الذي جعل تجار الجملة يتخلصون من هذه المادة وبيعها بأسعار منخفضة جدا لتجار التجزئة والباعة المتجولين الذين تفاجأوا للأمر، لكن بعد فوات الأوان فمنهم من قام برمي كميات معتبرة منها وإتلافها، في حين فضل آخرون بيعها للمواطنين الذين اكتشفوا فيما بعد أن البطاطا مريضة، بعد سوادها وانبعاث رائحة كريهة منها. السيناريو نفسه حصل في ماي 2003، حيث جرى إتلاف محاصيل البطاطا على مستوى مئات الهكتارات، نتيجة استعمال الفلاحين للبذور الفاسدة والمستوردة من الخارج، واستنادا إلى مصادر مطلعة، فإن التفسير يكمن في احتمال رداءة المكونات الجينية أو الوراثية لبذور البطاطا المستوردة من الخارج. وتحصلت “السلام” على وثيقة من رئيس جمعية الفلاحين المنتجين للبطاطا، طالب فيها الأخير بقطع دابر جمعية وهمية تتألف حسبه من تجار غير شرعيين استوردوا بذورا مغشوشة، ويتعلق الأمر ببذور البطاطا البيضاء المسماة (سبونتا) والمصابة بداء (الميديو) وهذا لعدم مراقبتها. ويطالب منتجون بوضع حدّ لظاهرة البزنسة خاصة التجار العشوائيين، ويحثون أيضا على تطوير البحث وتعميم الخبرات بتوفير مخابر تحليلية لمراقبة وتكثيف البذور التي ظلت هاجس المنتجين بحكم مصاريف البذور التي تتعدى أحيانا 80 بالمائة من تكاليف عوامل الإنتاج. وفي ظل هاته الأوضاع، يبقى نشاط زراعة البطاطا بمدينة مغنية مهددا بالزوال، ما لم تبادر المصالح والجهات المعنية إلى اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بهدف إعادة تفعيل زراعة البطاطا، بصورة تجعلها في متناول جميع المستهلكين على اختلاف قدراتهم الشرائية وبكميات ونوعيات تسمح بعودة نشاط التصدير، كما كان عليه في التسعينيات، ولم لا أكثر مما كان عليه.....! لأنه من العبث الاستمرار في تنظيم احتفالات للبطاطا، في وقت يشكو المنتجون والمستهكلون من مشاكل لها أول وليس لها آخر.... !