رغم أن كل ركن في قسنطينة اختلف عن الماضي، ورغم أنّ العادات اختفى كثيرها وبقيت مجرّد حكايات تتناقلها الكتب والألسن، إلاّ أنّ وفاء القسنطينيين ل"سوق العصر" العتيقة لازالت قائما لحدّ الآن، بحيث أنّه ورغم وجود مراكز تجارية كبيرة ومحلات حديثة إلاّ أنّ سوق العصر يبقى القبلة للغالبية، بحيث أن الحركة بداخله لازالت كما كان عليه الحال قديما بمناسبة أو بدون مناسبة. سوق العصر أو سوق العاصر مثلما يسمّى، له حكاية يتداولها الكثيرون ولا تصدّقها الأغلبية، وهي أنّ التّجار بهذا السّوق قديما كانوا يتوقّفون عن البيع عند سماع آذان العصر، تاركين كلّ ما بقي من سلعهم للفقراء والمحتاجين ولذلك لازال يسمّى سوق الزّوالي. ويختلف الكثيرون في تقييم سوق العصر، بحيث بينما يعتبره البعض سوقا للفقراء والزّوالية لازال آخرون يرونه سوقا للنّصب والاحتيال، سيما فيما يتعلّق بالسّلع التّي لا تكون طازجة في الغالب وهو ما يبرّر أسعارها المعقولة، ومع ذلك فإنّ السّوق حافظ مع مرور الزّمن على زبائنه الأوفياء، حتّى أنّ من انتقلوا لمناطق أخرى كالمدينة الجديدة وغيرها ظلّوا على وفائهم، بحيث لا يتبضّعون إلاّ من سوق العصر الذّي يعني لهم جزءا من ماضيهم وشبابهم وحتّى طفولتهم. ويقع السوق المقاوم لكل تطوّر في أشكال التّجارة غير بعيد عن القصبة وجسر سيدي مسيد مثلما أنّ زائريه يمكن أن يستنشقوا رائحة تاريخ قسنطينة وعراقتها، نظرا لوجود مسجد الكتاني الذّي احتضن الرّئيس الرّاحل "هواري بومدين" في وقت من الأوقات. وبعيدا عن المعالم القريبة منه فإنّ السّوق يمثل معلما قائما بذاته لارتباطه بتاريخ المنطقة منذ عصور قديمة، بحيث لازال الكثيرون يتذكّرون الأيّام الخوالي حين كان الزّوار يتوافدون على السّوق من كلّ جهة نظرا لنوعية المنتوجات القادمة من بساتين حامة بوزيان التّي كانت هي الأخرى جنّة قبل أن يحوّلها الاسمنت لجحيم حقيقي، وهو ما أثّر بشكل مباشر على السّوق الذّي أصبح في وقتنا الحالي متأرجحا بين الجيّد والرّديء.