مع اقتراب شهر رمضان في الجزائر، بدأت ملامح «التهاب الأسعار» تتأكد، رغم الوفرة الظاهرة لعموم المواد الغذائية في الأسواق المحلية، حيث بدأت أسعار اللحوم البيضاء والحمراء والبقول الجافة وحتى العجائن في تسلق السلم، تماما مثل الجزر والبطاطا حتى وإن بدا ذلك بشكل محتشم، رغم الميكانيزمات التي اتخذتها السلطات لضبط الأسعار. مع بروز هذا السيناريو التقليدي عشية شهر الصيام، يرمي كثيرون باللائمة على الأسواق غير المشروعة أو ما يُطلق عليها محليا ب(الموازية)، ويحملونها مسؤولية ما قد يحصل في قادم الأيام، بحكم تداول 80 بالمائة من السلع والبضائع في نحو خمسمائة سوق يطلق عليها مسمى (موازية)، وهو واقع غريب ينطوي على مفارقات أفرزت حياة اقتصادية تتميّز بمناطق شعبية تشبه الدول، تبيع وتشتري كما تشتهي ولا تعرف مفهوم الضرائب وإتاوات الدولة. هكذا تتمظهر السوق الموازية تشهد رقعة السوق الموازية اتساعا ملحوظا، حيث باتت تشهد نموا مطرّد، بشكل جعل الأخيرة تستقطب 60 بالمائة من إجمالي التجار، ناهيك عن آلاف الآخرين من اليد العاملة الناشطة في هذه الأسواق، علما أنّ تقديرات الهيئات المتخصصة، تتحدث عن تشغيل السوق الموازية لحوالي مليوني شخص، وهو ما حوّل السوق الموازية إلى قوة ضاربة وعنصر محرك لقطاع هام من التوازنات التجارية في البلاد، بحكم سيطرتها لوحدها على 40% من الكتلة النقدية المتداولة. ويمكن للمتجول في مدن عديدة بدءا من الأحياء الشعبية في العاصمة مرورا بولايات داخلية، وصولا إلى مدن الجنوب الكبير، أن يلحظ عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة هنا وهناك، هذه الأخيرة تسيرها مجموعة من (البارونات)، وفق قوانينها الخاصة بعيدا عن أي سيطرة أو وصاية من طرف الدولة التي أعيتها الحيل فيما يبدو، إذ استمرّ بقاء السوق الموازية لسنوات طويلة في الجزائر رغم توالي الحكومات، ما يعدّ مؤشرا على سطوة هذه السوق وقوة عرّابيها، علما أنّ متخصصين، يقدّرون قيمة (رقم أعمال) هذه السوق الموازية بحدود عشر ملايير دينار، تدور في فلك لا يعترف بالتحصيل الضريبي. ويخشى مستهلكون من خضوع أسعار المواد الواسعة الاستهلاك لأهواء ونزوات تجار ليسوا خاضعين لأي رقابة ولا تطالهم أي محاسبة، ويبدي هؤلاء قلقهم إزاء القفزة التي شهدها سعر الكيلوغرام من الدجاج حيث صعد من 180 دينار إلى 270 دينار، تماما مثل لحوم الأغنام التي صارت بمستوى 1300 دينار للكيوغرام بعد أن كانت بحدود 800 دينار. ضغط بسبب الخضر واللحوم يُتوقع أن تعرف الأيام الأولى لشهر رمضان إقبالا كبيرا من طرف المواطنين على الخضر واللحوم ذات الاستهلاك الواسع، الشيء الذي سيخلق ضغطا على هذه المنتجات، وأوضح محمد مجبر رئيس جمعية تجار الجملة للخضر والفواكه بسوق الكاليتوس، إنّ تزامن شهر الصيام لهذه السنة مع أوجّ فصل الصيف سيكون له تبعاته، حيث ينتظر أن تشهد الأسواق تراجعا منطقيا، رغم وفرة بعض المنتجات ذات الاستهلاك الواسع كالجزر والفاصولياء والفلفل والقرع. ويربط مختصون ارتفاع الطلب بنسبة قد تصل إلى 60 بالمائة، ما سيؤثر رأسا على الأسعار، خصوصا في الأسواق الموازية، بينما يذهب آخرون إلى أنّ (العاصفة) قد تنتهي بانقضاء الأسبوع الأول من الشهر الفضيل، ما سيسمح بحسبهم في استرجاع الأسواق المحلية لتوازناتها خلال ما تبقى من هذا الشهر. ويحث الاتحاد العام للتجار والحرفيين، على جعل رمضان شهرا للرحمة وعدم التربص بالمستهلكين لتحقيق الربح السريع، بهذا الشأن، ويقول مراد بولنوار المتحدث باسم اتحاد التجار ل»السلام»، إنّ تنظيمه طالب جميع التجار ب»التبصر» وإبداء روح «التعاون» مع جميع المصالح المختصة لتنظيم الأسواق خلال شهر رمضان، حتى يتم قطع الطريق على «التجارة الموازية والتجار الطفيليين».