"علينا خلق سياسة ثقافية تمنحنا نشرا يحقق التواصل بين الأقطار العربية" عُرف بحضوره في كل المناسبات الوطنية العربية وبشكل خاص ما تعلق منها بفلسطين الجريحة، كما اكتفى طوال مسيرته الشعرية ببثّ شجون قصائده لزوايا الأمسيات، عازفا عن نشرها في دواوين أو مجموعات، لتأتي نسمات الربيع العربي بما غيّر مزاجه العام، وأقنعه بخوض تجربة نشر خاصة في مصر تكللت بصدور “دويّ الصمت” و«قراءة في كف المستحيل”، مصحوبين بنسخة إلكترونية على قرص مضغوط، تحوي إلقاءً للقصائد بصوته مرفوقة بموسيقى خفيفة.. خاض خلالهما في مواضيع متنوعة أغلبها في المجال السياسي ما قبل الثورات العربية، وبعض التوشيحات الغزلية القليلة، إلى جانب عدد من قصائده المغناة من طرف فنانين كبار أمثال وديع الصافي الذي أدى منها أغنيتين خاصتين بالجزائرالبيضاء..إنه سمير سطوف، الشاعر السوري المقيم في الجزائر، الذي خص “السلام” بهذه الدردشة. بعد “دوي الصمت” و”قراءة في كف المستحيل”..هل من مشروع نشر جديد يلوح في أفق إبداعات سطوف؟ هناك مشروع نشر قادم لأن الثورات العربية الحالية تفجّر في الشاعر مكنونات تلح على البوح، وقد كتبت قصيدة “يا شام” أو “الثورة الغراء” كما سمّيت، اختتم بها المهرجان الثقافي الحامل شعار “وطن يتفتح على الحرية”، في الدوحة مؤخرا وقد لحن قصيدتي الموسيقار العراقي الكبير ناصر شمة، وغنتها مطربة تونسية إلى جانب مطرب عراقي نهاية شهر جوان الماضي. متى سيخرج هذا الجديد إلى النور؟ الجديد لن يكون قريبا نظرا لانصباب اهتمامي كله على الجانب السياسي، حيث اشغل الآن منصب عضو في المجلس الوطني السوري، كما أعمل منسّقا لمجلس المغرب العربي، وبالتالي الانشغالات السياسية تمنعني من التفرغ للإبداع الشعري، كما أن الأوضاع في داخل سوريا ومعاناة الشعب السوري تشغلني عن كل شيء.. غير أن هذا لا يمنع من بعض الكتابة لأن الشعر حالة اختمار داخلي لا يمكن للإنسان تجاوزه حتى لو شاء. ما السبب وراء ابتعادك عن النشر لهذه الفترة الزمنية الطويلة؟ قبل بروز الأمل في الروح العربية، وخلال مرحلة انتكاسة شهدها وطننا العربي ككل، عبر عصور طويلة، تُوجت في الفترات الأخيرة بأربعين سنة من التراجع والانحسار، كنت أقول لا أريد تدوين اسمي في هذه المرحلة السخيفة حتى لا أتحمل لعنة الأجيال القادمة، لم أرد تدوين اسمي في سجل إبداعي أو سياسي أو ثقافي أو أي مجال من المجالات.. مع أنني كنت نشيطا جدا في إقامة الأمسيات الشعرية بالعواصم العربية، حيث ألقيت عديد القصائد الوطنية والغزلية، التي قد تدخل أحيانا في الوجدان العاطفي غير المعتمد على الوصف فقط، وأحايين كثيرة في الوجدان السياسي.. وصفني بعض الزملاء بأنني من القلائل في الوطن العربي الذين صنعوا اسما دون أن ينشروا دواوين، غير أنني أود الإشارة إلى أنها مصادفات عفوية، لعدم رغبتي في الشهرة بهذه الطريقة، وبعد ثورتي كل من تونس ومصر الأخيرتين تغيّر مزاجي العام وأصبح الهدف على مرمى العين لذا نشرت أعمالي في الديوانين اللذين ذكرتهما. هل تجد في النشر الالكتروني تعويضا للتقليدي ودفعا له إلى الأمام؟ ربما يكون النشر الالكتروني عاملا مساعدا على الانتشار إذا ما أغلقت أبواب النشر بشكل عام، غير أنه خلق مشكلة من نوع آخر، حيث أنه لا يمكن لشيء مغاير أن يغنينا عن الكتاب الورقي مهما كان، كما أن التجربة أثبتت أن للقراءة على شاشة الحاسوب نقائص كثيرة بدأت تظهر، تعد آلام الظهر والرقبة وأضرار العين أخفها وزرا، رغم السرعة التي تقدمها للاطلاع على آخر الأخبار والمعلومات، إلى جانب أنها قراءة غير ممتعة ولا حميمة، كتلك التي نتمتع بها إذا ما تصفحنا كتابا ما، بدءا من إمكانية نقله إلى أي مكان دون عناء، وإمكانية التأشير على النقاط المهمة، وكتابة بعض الملاحظات، وصولا إلى ملامسة الصفحات.. حيث يتم اشتراك أكثر من حاسة في عملية قراءتنا للكتاب الورقي ما يجعله أمتع وأقرب إلينا من الالكتروني. وبالتالي أقول إن النشر رغم عدم تضييعه لمكانته المميزة في مجتمعاتنا الإنسانية، إلا أن عيوب النوع الالكتروني منه سيعيده إلى مكانته الأبرز. ألن يكون للكتاب الالكتروني مستقبل رغم تهافت الشباب عليه كنوع أسرع؟ أرى أن الكمبيوتر يقدم ثقافة سطحية تفتقر إلى العمق، الذي يتميز به الكتاب الورقي، وبرأيي هي مسائل تحتاج إلى أبحاث علمية حقيقية وموضوعية من قبل الدارسين لتبيّن الخفايا والحقائق...فالأدب الالكتروني موجود إلا أن المؤلف لا يلجأ إليه إلا إذا انعدمت شروط النشر. إذا ما تطرقنا إلى المتداول حول إشكالية الحداثة وما بعدها، ماذا سيكون تعليق سطوف؟ أي نمط أدبي في العالم راجع لمخزون وواقع ثقافي، وجب علينا لدى التعامل معه النظر بواقعية حتى نستطيع تحديد مدى صلاحيته، وكيفية التصدي للعادات الاجتماعية السائدة بسلبياتها وإيجابياتها، والإجابة على السؤال المطروح حول ما إذا كان علينا خلق متلقٍ للتعاطي مع واقعه.. كلها تعابير مشروعة قد تبقى مجرد طموحات لن تتم ترجمتها إلى واقع ملموس، إذا ما عجزنا عن تطوير مجتمعنا، اعتمادا على الراهن والمستقبل الثقافي، إلى جانب المخزون والموروث، كما أنني أصف بعض المحاولات لتحقيق الطفرات في هذا المجال بمجرد رمي لأحجار في الهواء لا ندري على رأس من ستقع، وبالتالي علينا تطوير المخزون، وعقلنة الطموح، حيث أن افتعال المواجهات القسرية الحادة بينهما مضر بالجميع، وقد يخلق حالة من التمتدس الكبير المؤدي إلى تشويهات راهنية... إذن هل أنت كشاعر مع الحداثة أو ضدها؟ الحداثة طموح مشروع لست ضده، كما أنني ضد السماح لأي نمط ينكر مخزوننا الثقافي والاجتماعي، وموروثنا الأدبي والفلسفي والفني و.. حيث لا يمكننا العيش عالة على قداسة التراث، ولا أن نبقى معلقين في الهواء أو مختفين وراء التخلف، بل علينا تطوير ذواتنا من جديد وإعادة إنتاج إنسان جديد، من منطلق أن لكل جيل طابعه وما علينا إلا مناقشة هذه المراحل التاريخية وفراغاتها. إذا ما وضعنا مقارنة بين المشهد الأدبي الجزائري ونظيره السوري، كيف سيكون التقاءهما وافتراقهما من وجهة نظرك؟ سآخذ الأمر من زاوية واقعية جدا، وأقول إن الأدب الجزائري أقل انتشارا من السوري، مع العلم أن هناك أسماء تستحق البروز والشهرة فعلا، والأمر عائد - من وجهة نظري - إلى دور النشر التي لا يشارك معظمها في المعارض العربية، وإذا أخذنا “الوكالة الوطنية للنشر والإشهار” كمثال بحكم حضورها الدائم في مثل تلك المناسبات العربية، وجدنا أنها تعرض الكتب بشكل موجه لا يأخذ القيمة الأدبية بعين الاعتبار بقدر ما يرتبط بالراهن السياسي، وبما أن الراهن الإبداعي لا يُحتفى به كثيرا، فمصير أي كتاب ينشر في الجزائر، هو البقاء في حكم المخطوط نظرا لضعف النشر، والإعاقات والحواجز التي يعرفها التوزيع لكل أنحاء الوطن، ما يدفع بالمؤلفين إلى اللجوء إلى دور نشر لبنانية وسورية للانتشار أكثر. ما السر وراء ضعف النشر والتوزيع وعدم وصول الإبداع الجزائري إلى العالم العربي؟ المسألة معقدة، ويمكن تبسيطها بالقول إن الناشر لا يريد أن يتكلّف مبالغ كبيرة لطبع وتوزيع أي مؤلف، ما يساهم في إظهاره على هذه الصورة من الضعف والتقوقع، والظاهرة لا تقتصر على الجزائر فحسب، فبرغم تفشّيها في أوساطها بشكل أكبر، إلا أنها تبقى مشكلا عاما تعانيه جل البلدان العربية، وبالتالي علينا أن نفكر في خلق سياسة ثقافية حقيقية تمنحنا نشرا يحقق التواصل بين جميع الأقطار العربية. هل سيحمل المستقبل القريب أشعارا لسطوف حول الراهن السوري وتطوراته؟ لا أعتقد لأن العمل السياسي في الآونة الأخيرة يستهلك كل طاقتي، كما أنني أجد أن ما يحدث في سوريا أكبر بكثير من الاختمار الداخلي من أجل إنتاج قصيدة، حيث ستأتي الكلمات أبسط بكثير من لوحة رائعة يصنعها مجاهد أو مناضل، وهو أعظم من الترف الثقافي، لقد عايشت لحظات انفجار الثورة المصرية الأولى، نظرا لتواجدي هناك كضيف على معرض الكتاب، وبعد انتصارها وتحررها بعد الثورة التونسية، شعرت أن الشعب العربي انتقل من مرحلة القطيع إلى مرحلة الشعب، وساعتها فقط قلت بأنني سأموت براحة واطمئنان، لتأتي الثورة السورية، وتفجر في داخلي مطلعا لقصيدة، فرض نفسه، وترفّع عن الكلمات الكلاسيكية والأعمال الشعرية العابرة قلت فيه: إن تسأل الحسب الأصيل تعجبا من غيرُ شام تصنع الحسبا الثورة الغراء أورق نبتها من بذرة الثوار طاب وأخصبا.. وقبلها قلت:«أدّب زمانك يا شباب زماننا والوي زمام العصر أنت لواءنا”