في مفارقة رمضانية تتنامى في جزائر 2012، يرصد الأثرياء ميزانيات ضخمة للوفاء بموجبات السهرات، في وقت تضطر قوافل الفقراء للاكتواء بنار الاستدانة لسّد رمقهم، في مشهد بلونين ينشطر بين أولئك الذين ينفقون أموالا طائلة في حفلات ليلية تستمر إلى الفجر، بينما صار السهر ترفا في عيون مواطنين بسطاء. في استطلاع ميداني أنجزته “السلام”، توقفنا عند واقع المواطنين ومدى ارتباطهم بسهرات “البذخ” التي أضحت فقرة أساسية وعلامة يومية مميزة للكثير من العائلات، فيما يعتبرها البعض من الكماليات التي لا يستطيعون مجاراتها، خاصة وأنّ اهتمامهم يبقى منصبا في كيفية مجابهة تكاليف الشهر الفضيل التي أثقلت كواهل أرباب الأسر. مقاهي الشاي والمثلجات على الأرصفة نمط سهر البسطاء تزيّنت العديد من المقاهي وصالونات العاصمة لإستقبال زوارها خلال السهرات الرمضانية، فالحفلات المبرمجة كثيرة، أماكن السمر عديدة والأمن متوفر، هي جملة من الشروط التي أنعشت الحركة في ليالي رمضان خلال السنوات الأخيرة، حيث يؤكد بعض العاملين في مقاهي الشاي، أن المواسم التي تزامن فيها رمضان مع فصل الصيف عرفت حركة فاقت كل التوقعات من طرف المواطنين وخاصة المغتربين ممن حرصوا على قضاء هذا الشهر الفضيل في أرض الوطن، وهذا ما أنعش نشاط العديد من المقاهي في العاصمة خلال ليالي رمضان. في هذا الصدد، أكّد بعض المواطنين خلال حديثهم ل«السلام” أنه ورغم بساطة الخدمات المقدمة في العديد من الصالونات إلا أنّ الأسعار تبقى مرتفعة، لكن الأمر لا يؤثر ما دامت بعض العائلات لا تسهر إلا في عطلات نهاية الأسبوع، فيما اكتفى آخرون بتناول المثلجات على الأرصفة. قعدات أيام زمان: التكلفة بسيطة والمنفعة كبيرة ولكن.. عدنا قليلا نحو الوراء في سنوات كانت فيها أغلب الأحياء الشعبية بالعاصمة تعرف اقبالا من طرف الساهرين على بعض المقاهي الشعبية المنتشرة في عدة مناطق، على غرار بباب الوادي، القصبة وغيرها، أين كانت تلك المقاهي تشكل معاقلا لمغنيي الشعبي، حيث يحرصون على اقامة جلسات خلال ليالي رمضان يسهر على أنغامها الكثيرون، ولكن هذا التقليد وعلى ما يبدو اندثر تدريجيا بقلّة تلك المقاهي وهجرة مغنيي الشعبي من الأحياء التي سطع نجمهم فيها. «الرونفالي” إحدى المناطق الشعبية التي كانت تعرف مثل هذه السهرات، حيث أكّد أحد أبنائها متحدثا عن مصير سهرات الشعبي أنها صارت من ذكريات الزمن الجميل، وحسب محدثنا فإن عشاق الشعبي قلّ عددهم، فالجميع صار يفضّل السهرات التي تكون على أغاني الراي الصاخبة لا سيما فئة الشباب من يرون أن الشعبي لا يتلائم مع ما سموه ب “الريتم الجديد للحياة”. ويبقى آخرون يحنّون لقعدات الشعبي التي لم تكن تكلفهم الكثير ولكنهم كانوا يتعلمون منها عديد الحكم والكلام الموزون، حيث يقول محدثنا مضيفا في السياق ذاته: “لقد فقدنا أهم نكهة رمضان في العاصمة والتي كانت تضفيها سهرات الشعبي التي كان يحييها عمر الزاهي وغيره من مغنيي الشعبي”، والسؤال الذي يبقى مطروحا: هل فعلا أنّ تغيّر الأجيال، ينجّر عنه تغير الأذواق حتما؟. ورغم أنّ هناك من الشباب من يحافظون على اهتمامهم بقعدات الشعبي في رمضان، يراها آخرون لا تلبي حاجياتهم النفسية، منهم “سفيان” الذي لا ينكر أن الشعبي يتضمن كلاما نظيفا، حكما وموسيقى تستأنس لها الآذان، لكن ذلك بنظره ليس من الأولويات التي صار يهتم بها الشاب الجزائري على حدّ قوله، لذا يفضّل سفيان دفع مبلغ تستحقه سهرة رمضانية خاصة مقابل تمضية بعض الأوقات الممتعة رفقة أصدقائه. المراكز التجارية والنوادي وجهة الكثير من الأسر في ليالي رمضان استقطبت العديد من المراكز التجارية في العاصمة، على غرار مركز باب الزوار وخروبة عددا كبيرا من الزوار خلال السهرات الرمضانية، خاصة أنها تضمّ أجنحة مختلفة تتيح للأسر اقتناء ما يطلبونه، إضافة إلى حوض السباحة الذي أتاح الفرصة للأطفال بالإستمتاع ببرودة الماء خاصة مع حرارة الصيف الشديدة، زيادة على المطاعم المتواجدة على شاطئ البحر والتي تسمح للزوار بالإستمتاع بنسيم وإطلالة البحر الجميلة. ما لفت انتباهنا في هذه الأماكن هو الإزدحام الكبير الذي تعرفه تلك المراكز، اقتربنا من إحدى العائلات التي وجدناها بمركز خروبة، فأكّدوا لنا أنهم يقصدون هذا المركز يوميا خلال السهرة نظرا للإمكانات والخدمات المتعددة المتوفرة به، خاصة وأن الأطفال يستمتعون كثيرا بوقتهم بالسباحة، كما أن المكان يسمح لهم باقتناء مستلزمات وجبة السحور وتغيير جوّ المنزل. ولايقتصر الأمر على تلك الخدمات فقط بل أن العاملين بهذا المركز حرصوا على الحفاظ على أمن وسلامة الزوار، وهو ما جعله يستقطب أعداد كبيرة من الزائرين خلال شهر رمضان، وقد كشف لنا أحد العاملين أن المركز يتوفّر على عدد كبير من سيارات أجرة يزيد الطلب عليها من قبل الزوار الذين لايملكون وسائل نقل تعيدهم إلى منازلهم في ساعات متأخرة من الليل. المشهد نفسه رصدناه في “كيفان كلوب” أين تتوافد بعض الأسر عليه في سهرة رمضان بالنظر للخدمات التي تتناسب مع رغبة جميع الفئات، خاصة أنّ هذا النادي يضمّ مطاعم وأحواض سباحة فيها ألعاب، إضافة إلى الأغاني التي تضفي جوا من الحركية والنشاط والبهجة على الأطفال والشباب الذين يقصدون هذا المكان يوميا للاستمتاع بأغاني الراب والسباحة. إنّ أكثر ما يلفت الإنتباه خلال زيارتنا لهذا النادي رقص الفتيات على أنغام الأغاني بتلك المسابح، كما يحرص الحراس المتواجدين بالمكان على مراقبة الأطفال حتى تجد الأسر راحتها في المكان، وهي تحتسي فناجين الشاي الأخضر والمكسّرات وتتفرج على البرامج الفكاهية التي نظمها النادي من تنشيط بعض نجوم الفكاهة. كل هذا جعلنا نقف على وجه آخر من السهرات ونمط معيشي مختلف. الخيم الرمضانية نوع جديد للميسورين فقط ظهرت في السنوات الأخيرة بعض الخيم الرمضانية التي شكّلت نوعا من النشاط التجاري الذي يدرّ أرباحا على بعض الفنادق والمنشآت السياحية التي تقوم بتنظيم تلك الخيم، والتي تندرج في إطار سياسة تجارية تنتهجها بعض الفنادق من أجل انعاش نشاطها الذي يعرف ركودا خلال شهر رمضان، حيث تقصدها الكثير من العائلات الميسورة الحال ممن تجد فيها أحسن مكان لإقامة قعدة عائلية في جوّ ترفيهي. وحسب بعض مرتادي تلك الخيم منهم ليندة، التي أشارت أن التسعيرة ليست في متناول الجميع فهي تتجاوز 1500 للفرد الواحد، ويتغيّر المبلغ حسب ما يطلبه منشطو تلك السهرات التي تمتّد إلى ما بعد منتصف الليل ونوع الخدمة المقدمة داخل تلك الخيمة. والأمر لا يقتصر على الخيم الرمضانية بل عرفت حفلات الكازيف بسيدي فرج، مهرجان جميلة بسطيف، ومختلف الحفلات الموسيقية التي نظمتها قاعات الموقار، الأطلس وحصن 23 في العاصمة، إقبال قيل أنه معتبر أين يستمعون الى مختلف الأغاني من الراي، الشعبي والأندلسي والجميع يرقص ويغني على وقع تلك الأغاني، ولكن الأمر يبقى غير قابل للتعميم. السهرات آخر ما يفكر فيه الكادحون في الوقت الذي ارتفع فيه عدد من يهوون السهر إلى السحور، لا زال آخرون يعتبرون تلك الحفلات الليلية والخيم الرمضانية خارج حيّز أولوياتهم لأسباب مختلفة. وأكّد بعض من تحدثنا إليهم أن تلك السهرات أو ما سمّاه البعض بالبروتوكولات، تخصّ جمهورا من نوع خاص لا يفكر كيف يملأ تلك القفة، بل يخصص ميزانية خاصة للسهرات الرمضانية مادام لا يعاني من تضاعف النفقات.