أصبحت تجارة الفواكه الموسمية عمل يستهوي الكثير من الشباب البطال في ولاية مستغانم، ويشكّل مصدر دخل لهم، وهو حال التين المحلي بأنواعه الطازج والشوكي والجاف، الذي يتسم بجودته وكثرة التهافت عليه في أوج فصل الصيف ”السلام” تابعت الموضوع. حيث وجدنا ان “تجارة التين” تمارس على حواف الطرقات وعلى مستوى الفضاءات التجارية والساحات، وفي ديكور خاص، يبرز الآلاف من الشبان العاطلين وكذا المراهقين بعرباتهم المتنقلة وطاولاتهم الخشبية التي يستخدمونها في عرض ما لذ وطاب مما يُعرف محليا ب(البخسيس) و(الهندي)، حيث يتألق التين الذي يتم رشه بالماء في الأسواق وكذا على طول الممرات والأزقة والأحياء الشعبية، وتباع فاكهة التين بأسعار تتراوح ما بين 50 إلى مئتي دينار، وفقا لنوعية الثمار وصنفها، فالتين الشوكي يُباع بسعر أقل مقارنة بنظيره الطازج. ويقوم هؤلاء التجار الموسميين بالدعاية لبضاعتهم والإشادة بمحاسنها، ويقترحون بيعها في أكياس صغيرة من البلاستيك الشفاف، وعلى سبيل استدراج الزبائن، يتم استعراض ثمرات التين الطازج والجاف في أبهى الحلل وتُمنح لأي راغب في الشراء إمكانية اختيار ما يهوى اقتناؤه، في حين يعمد بائعو التين الشوكي إلى تجريد ثماره من الطبقة الخارجية السميكة، بما يسهل مهمة الزبائن ويدفعهم إلى استهلاكه على الفور لمن أراد ذلك. وإذا كان العمّ إدريس، يستهجن بيع التين، ويقول إنّ مواطنيه أصحاب البساتين يهدون هذه الفاكهة بسخاء ويكرمون وفادة كل من يريد استهلاكها بتقديمها في سلال من الحلفاء الجميلة، فإنّ كثيرا من الباعة الذين تحدثنا إليهم، لا يشاطرون العم إدريس رأيه، ويشددون على أنّ التين بات ثروة منتجة، حيث يمكن من خلال بيع كيلوغرامات من هذه الثمار جمع دنانير تسد حاجياتهم اليومية المتزايدة، وتساعد أهاليهم في الإنفاق على شتى المتطلبات. بهذا الشأن، يرى رزقي (29 سنة) الذي التقيناه بإحدى منعطفات منطقة ستيديا، في التين مصدرا لكسب العيش، ويقول بينما كان منهمكا في الاستجابة لطلبات زبائنه، أنّه يتجشم عناء الاستيقاظ على السادسة من صباح كل يوم ليجلب بضاعته من مكان بعيد نسبيا، لينخرط في عملية البيع من الثامنة إلى غاية السادسة مساءا، ويعلّق رزقي أنّ شابا مثله على أعتاب الثلاثين لم يحظ بوظيفة مُرغم على العمل لتأمين نفقات عيشه، وهو ما وجده في تجارة التين الشوكي، حيث يشرح أنّه يجلب كميات كبيرة كل يوم من بستان أحد معارفه، ويقوم ببيعها بأسعار في متناول الجميع على حد قوله، إذ يقترح الثمرة الواحدة لقاء خمسة دنانير فحسب. من جانبه، يعلّق يزيد الذي يمتهنّ بدوره تجارة التين الجاف قبالة سوق عين الصفراء وسط مستغانم، أنّ التين بأصنافه “فاكهة الفقير”، مثلما هي بضاعة مطلوبة حفزته على الاندراج فيها، ويضيف يزيد أنّ قيمة “أسهم” التين ارتفعت في الأسواق المحلية، وصارت تنافس سائر الفواكه الاستوائية كالموز وجوز الهند وغيرهما. بدوره، يشير فاتح (31 عاما) أنّه سئم من البطالة التي تحاصره منذ سنوات، وبعدما أعيته الحيل للظفر بمنصب شغل، فضل الاستثمار في حقل لأحد أعمامه بمنطقة صابلات، حيث يتولى جني التين الطازج في الصباح الباكر بمعية شقيقه الأصغر فريد، ليبيعه بضواحي المدينة وسواحلها المغرية، ويبدي فاتح ارتياحا للرواج الذي تحظى به بضاعته. واحتكاما لإقبال سكان مستغانم وزوارها على اقتناء التين بكميات هائلة نظرا لفوائده الغذائية والصحية الجمّة، فإنّ التجار يتمكنون من جني أرباح يسيرة كل صيف، إلاّ أنّ فاتح ورزقي ويزيد وآخرون يبرزون بأسى أنّهم سرعان ما يسقطون في بحر الركود خلال باقي أيام العام، ليستأنفوا رحلة البحث عن عمل ظرفي آخر يسدّ رمق عوائلهم. ويؤكد الأستاذ عبد الناصر، أنّ تين مدينة مستغانم وغيرها من حواضر الغرب الجزائري هو الأحسن والأكثر وفرة في العالم تبعا للمناخ المحلي المساعد، على نحو يرشح الجزائر لأن تتواجد في صدارة منتجي التين عالميا، لكن عدم استغلال التام للثروة الموجودة جعل إنتاج الجزائر من التين لا يتجاوز 255 طن سنويا، مقارنة بتركيا التي تدّر ألف طن كل عام. ورغم هذا الانحسار الظاهر، إلاّ أنّ المتجول في مختلف المحافظات الجزائرية على مدار أيام الصيف وعلى أهبة فصل الخريف، يجزم أنّ ما تنتجه مستغانم أضعاف المُعلن عنه، لا سيما في السهوب المتميزة بكثافة أشجار التين، والتي تنتج لوحدها كميات ضخمة من فاكهة الصبار.