شعوذة، دعارة ومخدرات هي مشاكل اجتماعية يتخبّط فيها سكان الحي القصديري في عين المالحة التابع لبلدية جسر قسنطينة، حيث عرف توسّعا عمرانيا امتد من خلال تلك البنايات الفوضوية التي أقيمت في السنوات الأخيرة أمتارا عن الطريق الرئيسي، وكلما توغلت بين تلك “البرّاكات” سمعت حكايات أناس قضوا ما يفوق ربع قرن في مجمّع قصديري ساهم في إنشاء منحرفين ومجرمين. بداية استكشافنا للمكان كانت بعد زيارة قادتنا إلى راق شرعي اتخذ من إحدى البيوت القصديرية التي تطّل على الشارع الرئيسي مكانا لمزاولة نشاطه، ومن خلال احتكاكنا ببعض النسوة هناك أشارت إحداهن لمرافقة “السلام” مؤكدة أنه وفي حال أردنا قضاء مصلحتنا فلم نخطئ العنوان لأن المجمع القصديري معروف بأعداد ممن سمتهم المتحدثة بفاعلي الخير، قبل أن تدّلنا على أحدهم فأدركنا مباشرة أنه من السحرة والمشعوذين. كان من الصعب علينا أن نصل إلى البيت القصديري المطلوب لأن من دلونا عليه ليس معروفا كثيرا عند أبناء الحيّ، فهو يمارس نشاطه بسريّة وزيارته كما قيل غير متاحة إلا للأصدقاء والأحباب، وكم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما وجدناه شابا في العقد الثالث من العمر متزوج أب لطفل ومقيم عند صهره ولكنه يحترف الشعودة بكل مقاييسها. استقبلتنا زوجة المعني وراحت تسأل عن حاجتنا وتستفسر عن من دلّنا إلى هنا، قبل أن تتركنا مدة من الزمن لتعود وتشير على صاحبة الشأن فقط بالدخول، أين وجدت المدعو “مصطفى” ينتظرها وراح يتمتم وهو يفرغ مادة مجهولة على حبات البيض لتخرج بخارا موهما مرافقة “السلام” أنها مسحورة، وطلب منها زيارته مرة آخر ومعها بعض العلكة ومبلغ 5000 دينار. في هذا الوقت استفردت بنا زوجته التي صارت تشيد بإمكانيات زوجها الخارقة في جلب الحظ وقضاء الحاجة، مؤكدة أن أعدادا من الفتيات قصدنه منذ أن تنقّل من عين الدفلى ليقيم في هذا الحي، وأن زوجها أفضل الرقاة على حدّ تعبيرها. تركنا المكان لنصعد هضبة صغيرة تصطّف بها عدد من البيوت القصديرية التي كانت كلّها معلمّة بإشارات حمراء، ولنعرف أصل تلك العلامات كان علينا اختيارالشخص المناسب الذي نسأله لأن يومنا لن يمر بسلام في حال أدرك البعض أننا من الصحافة، والسبب أن أغلب السكان ملّوا من الروبورتاجات والتقارير التي أنجزت حول وضعيتهم المعيشية دون أن يكون لها صدى، زيادة على حالة الإعتداءات التي تطال الغرباء عن هذا الحي. التقينا بعمي “بوعلام” شيخ في العقد السابع من العمر بعدما تذرعنا بالبحث عن احدى العائلات ولكنه أكّد أننا لن نجدها إن لم نكن نعرف المكان جيّدا فالمجمع القصديري يحوي عددا كبيرا من العائلات التي قال أنها قدمت من 48 ولاية، وأغلبهم لا يزالون مقيمين في نفس المكان في انتظار أن يفرج الله عليهم بسكن، بعد أخذ وردّ مع الشيخ صار يروي عن يومياته في هذا الحي منذ ما يفوق 18 سنة، مشيرا الى ندمه لأنه ترك مسقط رأسه بولاية المدية، حيث كان يعتقد أن تأمين حياته وأولاده بالعاصمة لن يطول ولكنه أصبح جدّا وهو يرى أبناءه يشيدون بيوتا قصديرية أخرى هنا وهناك، ورغم أن أغلبها علمّت بالعلامات حمراء منذ سنوات من أجل إعادة إسكانهم ولكن العوامل الطبيعية أزالت العلامات والأبواب القصديرية غيّرت دون جدوى. عمي “بوعلام” عاش شأنه شأن كثير من سكان هذا الحي القصديري سنوات الجمر وشهد على عدة مجازر إرهابية جعلت البعض يفّر هاربا من المكان بحثا عن محل اقامة آخر، فيما تشبث آخرون بالمكان في انتظار تسوية وضعيتهم. نصحنا محدثنا بمغادرة المكان والعودة في يوم آخر حيث كانت الساعة تقارب السادسة مساءا ولا يمكن أن نعرف ماقد نتعرض له. الوضع الأمني بالحيّ كان من أهم الأشياء التي كنا نقف عندها، وحسب بعض من تحدثنا إليهم خلال الزيارة الثانية فإن لا أحد غريب يستطيع الدخول إلى هذا المجمّع في الساعات المسائية أوالليلية لأنه يكون معرّضا للإعتداء من بعض شباب الحي، ّفهم يعرفون بعضهم البعض ويشكلون ما أشبه بقبيلة طالما دخلت في حروب داحس والغبراء مع كثير من سكان الأحياء الأخرى بذات المنطقة، ويكفي أن يتشاجر واحد منهم حتى يتجّه أصدقاؤه وجيرانه مدججين بالعصيّ والأسلحة البيضاء لينتقموا لإبن حيّهم. وما زاد من تلك الشجارات التي لا تلبث وأن تندلع في الحي، وجود نسوة يمتهن الدعارة ما جعل بعض الغرباء يركنون سياراتهم بالقرب من تلك البيوت القصديرية نهارا وليلا في انتظار من يواعدنهم، وهو ما يثير حفيظة بعض الشباب الذين لا يتوانون على رشق تلك السيارات بالحجارة، وهنا تبدأ حرب طاحنة يشارك فيها الكبار والصغار. الإعتداءات لم تقتصر على الغرباء بل طالت حتى سكان الحيّ أنفسهم، فكم من بيت قصديري تعرض للسرقة في وضح النهار ولم يعد بإمكان الفرد أن يبيت خارج ذلك الصفيح لأنه سيجده خاليا على عرشه. ناهيك عن انتشار بارونات تتاجر بالمخدرات في الحي، ما جعل كثير من الشباب والمراهقين من قاطني المكان يتعاطون تلك السموم. اعتداءات وتحرشات بالجملة شهد الحيّ القصديري بعين المالحة، حوادث غير أخلاقية يندى لها الجبين ولا تزال راسخة في أذهان السكان، فكم من فتاة من هذا الحيّ تعرّضت للتحرّش من شبابه، ومنهم من اعتدى جنسيا على بنات جاره في غيابه، ولم تسلم سوى التي تملك إخوة أشداء معروفين بالحي بجبروتهم، حيث تقول إحدى القاطنات أن جارتها اتجهت لتزور صديقتها في بيتها ورغم أنها لم تكن موجودة إلا أن أخاها طلب منها الدخول على أساس أنها متواجدة في البيت، قبل أن يغلق الباب ويحاول الاعتداء عليها، هنا راحت الفتاة تصرخ وخرج السكان المجاورون لانقاذها. حادثة أخرى لا تختلف كثيرا عن سابقتها ولكن هذه المرّة لشاب مدمن على الخمر يدخل البيت بعد منتصف الليل ويريد معاشرة أخته لتقام الدنيا ولا تقعد، ومنهم من لم يتوان في اقتحام بيوت الغير بحثا عن غريمه أو عشيقته، ولا أحد في الحي يغمض له جفن من وقع تلك الشجارات التي تندلع عقب تلك الحوادث. إن هذا الوضع جعل الكثير من الأولياء في حيرة من أمرهم بعدما وجدواأنفسهم عاجزين عن تربية أولادهم في ظلّ انتشار تلك الإنحرافات. “ما أصعب أن ينشئ أولادك في حيّ تملأه الانحرافات والانحلالات الخلقية” هكذا عبّرت نعيمة، عن معاناة تكبتدها في تربية أطفالها منذ اقامتها في هذا الحيّ، والتي تقول أنه أنجب كثيرا من خريجي السجون. توزيع السكنات يثير الفتنة والجميع ينتظر ظروف عيش مرزية قد لا تظهر كثيرا في فصل الصيف، ولكن ومع الزخات الأولى للمطر لا يمكن أن تطأ أرجلك المكان حيث تغيب قنوات الصرف الصحي، وتنشر مختلف الحشرات الضارة وعلى رأسها الناموس الذي يرافق الجميع زيادة على تلك الأمراض التي بالكاد تختفي عن الأطفال من السعال إلى حالات الربو والحساسية الجلدية، ولك أن تتخيّل ذلك الصقيع شتاءا والحرارة صيفا وأنت تحت الصفيح. هذا وكان سكان المجمع القصديري في عين المالحة، قد استاءوا عندما سمعوا أن تلك السكنات التي شيّدت بالقرب منهم منذ ما يقارب سبع سنوات لن تكون من نصيبهم بعدما وزعت على سكان آخرين وهم يتفرجون، إلا أن العديد من أصحاب تلك السكنات رفضوا الإقامة إلى غاية إزالة الحي قصديري، ولكن تحسّن الأوضاع الأمنية هناك مقارنة مما كانت عليه جعل البعض يتراجع عن قراره. وحسب معارفنا من السكان فإن الكثير منهم اعتمدوا على أنفسهم ومنهم من شيّد فيلات ولكنهم حافظوا على تلك “البرّاكات” من أجل الاستفادة من سكن اجتماعي، وهو الحقّ الذي لا يمكن أن يتنازلوا عنه، والآن كلّهم أمل فيما يحمله مشروع رئيس الجمهورية ، للقضاء على البيوت القصديرية في العاصمة، ليخرجهم من الظلام الذي عاشوه لسنوات. يعمل أغلب الشباب البطال ممن يقيمون بالحيّ القصديري المذكور كتجار للخضر، الفواكه ومختلف المواد الغذائية بالسوق المقابل ومنهم من فضّل استغلال مساحات لتكون حظيرة غير شرعية، فيما يؤكد بعض المواطنين أن السوق المغطى بعين النعجة قد انتعش بفضل أولئك الشباب، فيما يرى البعض أن تصرفاتهم السلبية وقلة أخلاق البعض منهم جعل الكثيرين ينفرون من هذا السوق تجنبا للاحتكاك بهم. عرسان يبحثون عن إقامة كثير من الأزواج الجدد يبحثون عن الإقامة في بيوت قصديرية بعين المالحة، بعد أن انتشرت أنباء عن وجود أشخاص يتاجرون بتلك البيوت القصديرية، ومنهم من اقترح بيع “برّاكته” بما يقارب 40 مليون سنتيم وأحيانا تفوق 100 مليون سنتين لمساحة لا تتعدى غرفة صغيرة من الصفيح ومطبخ لا يكفي حتى لإدخال فرن، وكأن هؤلاء يعملون على أن لا تندثر تلك البيوت القصديرية. وبعد أن كان أغلب سكان البيوت القصديرية من نازحي الأرياف صارت مطلب سكان العاصمة، ونقصد تحديدا العرسان الجدد ممن يريدون الإستقلال ببيت خاص قد يضمن لهم الحصول على مسكن لائق ذات يوم، لتبقى تلك الوجوه البريئة التي تنتشر في المكان تنتظر أن تحظى بحياة كريمة وأخلاق راقية في محيط أنظف بيئيا واجتماعيا.