يقضي المواطنون معظم أوقاتهم في الركض وراء استخراج الأوراق الإدارية وتشكيل الملفات الثقيلة في عملية أضحت هاجسا مرعبا لأصحابها، الذين ينتهي بهم الأمر في أغلب الأحيان إما للإصابة بالسكري أو بأزمات قلبية نتيجة تنقلهم من مصلحة إلى مصلحة ومن دائرة إلى أخرى في رحلة استخراج أوراق لا تنتهي. ويرى البعض أن عملية استخراج الأوراق الإدارية وتشكيل الملفات في الجزائر أصبحت مشكلة حقيقية، خاصة مع انتشار البيروقراطية في التسيير الإداري والمحسوبية والفساد، فالمواطن اليوم أصبح يسمع كلمة واحدة يريد لها تفسير وهي “الدوسيي” ناقص والمسؤول غير موجود وارجع غدا. “السلام” ارتأت معاينة حقيقة المشاكل التي يواجهها المواطن في عملية استخراج الأوراق الإدراية التي أصبحت هاجسا له، فرغم من أن الجزائر خاضت منذ سنوات إصلاحات مست جميع القطاعات بما فيها العدالة والمدارس وأجهزة الدولة وجرى التغني ب«الإدارة الالكترونية”، إلاّ أنّ مشاكل الإدارة لازالت متواصلة خاصة لدى المواطن البسيط الذي لايملك الوساطة أو ما يُعرف ب«المعريفة” التي تمكنه من قضاء مصالحه في دقيقة دون انتظار يوم كامل في المصلحة التي يقصدها والتجول في أروقة وبين المكاتب، باحث عن شخص بإمكانه الإجابة على سؤاله وأين يمكن له استخراج أوراقه. وما يزيد من تعب أي مواطن هو الاكتظاظ في طوابير الانتظار، وعند وصوله إلى الشباك يقول له الموظف المسؤول عن المصلحة إنّ الورقة التي يريد استخراجها ليست من هنا، بل يجب عليه البحث في مكان آخر دون توجيهه إلى المكان الصحيح. وفي جولة قادتنا إلى بعض البلديات ومقرات الدوائر بالعاصمة لاحظنا الاكتظاظ الكبير في طوابير الانتظار الخاصة باستخراج وثائق الحالة المدنية والهوية، فبطاقة التعريف الوطنية مثلا، تستغرق مدة استخراجها قرابة الشهر، في حين يتطلب الحصول على جواز السفر قرابة الشهرين إن لم نقل أكثر. بهذا الخصوص أكد لنا أحمد وهو شاب التقينا به في المصلحة الإدراية لدائرة براقي بالعاصمة، والذي كان بصدد استخراج شهادة السياقة والذي قال بشأنها أنه كان ينتظر منذ قرابة الشهر، غير أنه لم يستطع لحد الآن استخراجها والسبب في ذلك غياب المسؤول المكلف بتوقيعها، من جهة أخرى أكد لنا بعض المواطنين الذين التقينا بهم في بلدية الحراش أن شهادة الميلاد الأصلية تستخرج في دول أخرى في مدة لا تتجاوز ربع الساعة. أما استخراج شهادة الميلاد 12 وهي أبسط وثيقة إدارية، فيتطلب المكوث في البلدية صبيحة كاملة وربما لا تتحصل عليها إلا إذا توسط فيها أشخاص، عن هذا الأمر يؤكد لنا محمد 28 سنة أنه واجه العديد من المشاكل أثناء استخراجه لشهادة الجنسية خاصة مع التعديلات الأخيرة وما يتطلبه استخراج مثل هذه الورقة، بالإضافة إلى الاكتظاظ في طوابير الانتظار خاصة إذا كانت الفترة تصادف الدخول الاجتماعي التي تشهد إقبالا كبيرا للمواطنين الراغبين في استخراج أوراقهم. ثقل الملفات شبح دائم إن أكثر ما يقهر المواطنين هو ما يحدث في خبايا الإدارة فثقل الملف الإدراي المطلوب في أي إجراء حتى ولو كان بسيطا أصبح ينهك المواطن، فشهادة الجنسية مثلا تستخرج بملف وبطاقة التعريف بملف ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، حيث أصبح كل شيء في الجزائر يستخرج بملف ثقيل يجعل المواطن في حيرة من أمره، فالتسجيل في الجامعة بملف والاستفادة من غرفة أيضا بملف دون الحديث عن الملفات الكبرى كتلك المتعلقة مثلا بالاستثمار وملفات الاستفادة من السكن، أو تلك الملفات الخاصة بطلب القروض المالية التي تتطلب حزمة من الأوراق الإدارية. هذا ما وقفنا عنده لدى زيارتنا بعض مقرات الدوائر بالعاصمة، حيث حاولنا من خلالها التقرب من بعض المواطنين الذين كانوا بصدد إيداع الملفات الخاصة بالسكن التساهمي والاجتماعي، وعند حديثنا مع عمي السعيد عن الأوراق التي يتطلبها مثل هذا الملف فتح لنا الكيس الذي كان يحمله فوجدنا حوالي 15 وثيقة خاصة بملف السكن التساهمي. في هذا الصدد اشتكى لنا العديد من المواطنين من كثرة الأوراق التي تتطلبها الملفات الإدراية خاصة، وأنها تستغرق وقتا طويلا في استخراجها ونضطر أحياننا إلى التغيب عن العمل مما يجعلنا نقع في مشاكل، حيث وصف لنا أحد الموطنين مثل هذه الإجراءات بالتعسفية فمشكلة بيروقراطية الوثائق أصبحت متفشية وبكثرة في كل مصلحة وفي كل إدارة. أما بخصوص الملفات المتعلقة بالسكن أكد لنا عمي محمد أن الإدارة في كل مرة تطلب ملفا جديدا خاصة وأن بعض الأوراق تنتهي صلاحيتها بسرعة كشهادة الميلاد وشهادة السوابق العدلية والإقامة وغيرها من الوثائق. شباب متذمرون من خرجات الإدارة عبر لنا العديد من الشباب الراغبين في الاستفادة من مشاريع ضمن وكالة دعم وتشغيل الشباب لونساج عن غضبهم من ثقل الملف الإدراي، والذي أصبح بمثابة العائق في وجههم، وفي هذا الصدد يقول فريد 34 سنة شاب من العاصمة التقيناه بمقر وكالة دعم وتشغيل الشباب بالرويسو أنه في كل مرة يأتي فيها إلى مقر الوكالة يطلبون منه وثيقة جديدة، حيث يقول إنه وضع ملفه منذ قرابة السنة ولم يحصل لحد الآن على الموافقة الأولية لمشروعه،من جهة أخرى تذمر بعض الشباب من بعض الوثائق التي تطلبها بعض الإدارات. ومن بين بعض الغرائب المؤسفة، علمنا من بعض الشباب أنّ ملف إنشاء مؤسسة للنقل في إطار مشروع تدعيم الشباب يتطلب وثائق غريبة، فالبنك يشترط على المستفيد إحضار وثيقة تثبت حصوله على خط للنقل من وزارة النقل، وذلك من أجل منحه قرضا لشراء حافلة، وبالمقابل تطلب الوزارة منهم إحضار الحافلة لمنحه خطا للنقل. من جهة أخرى يرى المواطنون أن من بين العراقيل الإدراية التي يواجهها هو حجم الوثائق التي تطلبها الإدراة، والتي تأخذ حوالي شهرا من أجل استخراجها، وفي سياق آخر فإن قيمة الأوراق الإدراية في الجزائر كبيرة فعندما يتعرض أحد للسرقة فإنه يتمنى أن يفقد أمواله على أن يفقد مثلا رخصة السياقة أو بطاقة التعريف، وفي هذا الموضوع يقول مراد إن المال يهون لم نتذكر التعب والمعاناة التي لقيها في استخراج هذه الوثائق.