يضطر بعض الأولياء إلى اقتناء كباش العيد رغم ظروفهم المادية الصعبة التي لا تتوافق مع الأسعار الخيالية للخرفان خلال هذا العام، إلا أن إلحاح أطفالهم على اقتناء أضاحي يدفعهم إلى بذل النفس والنفيس، حتى وإن اقتضى الأمر الاستعانة بالتقسيط. ومن عادات الأطفال المتداولة مرافقة كباش العيد والإعتناء بهم كنوع من التسلية بالنسبة لهم، حيث يحرص أغلبهم على تقليد رفاقهم بالحصول على كبش للتجول به بحيهم، هذا ما يدفعهم إلى الإصرار على أبائهم بشرائه رغم تكاليفه الباهضة، ولايضعون أي إعتبار أنهم لايقدرون على تلك الأسعار فيبقى الأولياء حائرين في كيفية توفيره لأبنائهم لتحقيق رغبتهم وإدخال البهجة على وجوههم، تلك العادات فرضت على بعض الأباء إختيار وسيلة الكريدي أو شرائه بالتقسيط من بعض معارفهم، هذا مادفعنا لرصد وجهة نظر الأولياء في تلك المسألة، حيث يرى مراد، وهو رب لعائلة مكونة من طفلين أن بعض الأباء لا يملكون أي خيار سوى إقتناء خروف وإن كان صغيرا لإدخال الفرحة بوجوه أطفالهم لكي لايشعروا بالنقص عن الأطفال الميسورين، خاصة أنهم يشعرون بالحرج أمام أصدقائهم إذا لم يتمكنوا من مرافقة الخروف بحيهم كبقية رفاقهم، كما أضاف أنه اضطر إلى شراء كبش صغير من صديقه بتقديم صك له يضمن حصوله على مبلغ 15000 دينار كل شهر من راتبه ليرضي طفله الذي لم يتجاوز ال12سنة . أما كريم فيقول بهذا الصدد أن قاطني الأحياء الشعبية يضطرون لشراء كبش العيد كل سنة حتى وإن كلفهم الأمر الحصول عليه بالكريدي مقابل إعطاء ضمان لأصدقائهم، خاصة أنهم يتعرضون لأحاديث القيل والقال من جيرانهم الذين يعتبرون من لا يشتري خروفا فقيرا، كما أضاف أنه اضطر إلى الرضوخ للأمر الواقع أمام رغبة زوجته بذبح كبش العيد لتقليد جارتها. إضافة أنه أصر على الحصول عليه بكافة الطرق بعدما تعرض طفله لمضايقات من أصدقائه الذين أكدوا له أن والده لن يستطيع توفير خروف له مثلهم. أسعار تدهش العقول وتكبّل الجيوب رغم أنّ عيد الأضحى مناسبة رحمة اقتداء بسنة سيدنا ابراهيم، إلاّ أنّ هذه العبرة أصبحت سجينة الكتب المدرسية فقط، مع سقوط المواطنين فرائس لمكر واستغلال تجار الماشية. وبيّنت الجولة التي قامت بها “السلام” في عدة أسواق بالعاصمة وتقارير مراسلينا، بأن سعر الخروف يتراوح حاليا ما بين 40.000 و100.000 دينار، بعد أن كان لا يتعدى 40.000 دينارا على أقصى حد، ويرى بعض الموالين أنّ أسعار هذا العام منطقية وأنه من العادي جدا أن يكون سعر الخروف ب40.000 ألف دينار جزائري مقابل 1200 دينار للكيلوغرام الواحد، وأكد لنا ابنه المكلف بعملية نقل وتسويق المواشي من منطقة الروراوة إلى العاصمة، أن ارتفاع الأسعار ليس من نسج خيال الموال وإنما هو راجع للتكاليف الباهظة التي تقتضي علينا طرح مثل هذه الأسعار وعلى المواطن الجزائري أن يرفع تظلمه الى السلطات المعنية بالأمر لا أن يلقي اللوم على الموال وحده. ويرى المواطنون أن الأسعار ملتهبة وتفوق قدراتهم الشرائية، وعليك أن تتجول في أكثر من سوق، وبين أكثر من تاجر حتى تختار ما يناسبك ودراهمك هي حكم المباراة. وفي الوقت الذي تهتم فيه الدول الإسلامية بمواطنيها في مثل هذه المناسبات حتى لا يقعوا عرضة للاحتيال والمزايدات غير المشروعة إلى درجة أن أكثرها اليوم سهلت مسألة شراء أضحية العيد فجعلتها عن طريق الإنترنت أو الهاتف.. فيكفي أن تحدد المواصفات وتختار السعر المناسب لتحظى بها بأقل عناء وأنت في بيتك، أما عندنا في الجزائر فإن تنقلك إلى سوق الماشية أمر مفروض بل هو سنة مؤكدة تكاد تكون أوكد من الأضحية نفسها. وتعتبر أغنام منطقة أولاد جلال هي المطلوبة على المستوى الوطني، وتصل شهرتها الى الدول المجاورة لهذا يتفانى المهربون في توصيلها لهم، لكونها تمثل الأفضلية من حيث النوع ولحمها طيب، وتليها ولاية الجلفة التي تمتلك نصف مواشي البلاد، بينما تتراوح الأسعار بين 40 و50 ألف دينار للخروف العادي، والجيد يبدأ من 60 ألف دينار ليصل عند أجوده إلى 120 ألف دينار وقد يزيد على ذلك، وبهذا نكتشف من خلال عملية حسابية بسيطة أن الكيلوغرام الواحد للحم يتجاوز الألف دينار باعتبار أن وزن اللحم الصافي لأحسنها لا يتجاوز 18 كيلوغراما، ليشوى المواطن بهذه الأسعار قبل شيّ اللحم. التجار لا يفوتون فرصة استغلال ضرورة اقتناء المواطن لأضحية العيد أمام غياب ملحوظ لهيئات مراقبة الأسعار، فالجشع وحده هو الذي يتحكم في بورصة المواطن الذي تنخفض أسهمه مقابل ارتفاع رهيب لأسهم المعيشة التي أقل ما يمكن أن نصفها به أنها باتت صعبة للغاية، جعلنا وجهتنا التالية بعض الأسواق لنتحسس عن قرب واقع الأسرالجزائرية خلال هذه المناسبة، حيث تشهد الأسواق حركة غير معتادة وكثيفة للمتسوقين ولا خوف من الظروف غير الملائمة وشح الجيوب فالكل يشتري، وإن لزم الأمر اقتراض بعض المال لتمر المناسبة على خير. اذ يقول السيد حجيمي بلقاسم، وهو مواطن بسيط يعمل في شركة خاصة: “منذ شهور ونحن نقوم بادخار بعض المال من الراتب الشهري لشراء كبش العيد، حتى تفرح الأسرة مثل باقي الجيران، فمن المعروف أن أضحية العيد سنة مؤكدة، لكن بصراحة ما يدفعنا اليوم لذلك هو أنها شعيرة من شعائر الله التي يجب تعظيمها كما أمرنا عز وجل لأن ذلك من تقوى القلوب، لكننا نصطدم بهاته الاسعار المرتفعة التي أثقلت كاهلنا وأعجزت جيوبنا فأقل ما أستطيع أن أقوله لك يا أختي هو أنني أتجول من سوق لأخر دون أن أشتري، وأنا أنتظر أن تتدنى الأسعار علني أجد خروفا بالسعر الذي يناسبني”. أما الزهرة فترى أن العيد يأتي جالبا كل البركة فتقول “من النادر جدا أن تجد أسرة جزائرية تخلت عن سنة الأضحية إلا أن تكون الظروف قاهرة، وكما نقول (زيت في كل بيت)، وهنا تختلط الرغبة في تطبيق السنة مع الحرص على فرحة الأطفال، والتفاخر أيضا بين الجيران والأقرباء، ومن لم يستطع فلا مفر من شراء بعض الكيلوغرامات من اللحم رغم غلائه هو الآخر، المهم أن نعيش أجواء العيد وإن كانت مكلفة”.