يعاني العاملون في الشركات الخاصة من ضغط كبير أمام بقائهم لساعات طويلة في العمل، وكذا بذلهم لمجهود يفوق الرواتب البخسة التي تمنح لهم في ظل استغلال أرباب العمل حاجتهم الماسة للمال، ليكون مصيرهم الإصابة بأمراض نفسية أو بإعاقات تدمر حياتهم دون الاستفادة من تعويض. يضطر الشباب إلى مكافحة أعباء الحياة بتحدي بطالتهم، فلا يجدون من خيار لحل مشاكلهم الإجتماعية سوى الدخول إلى عالم الشغل في شركات خاصة، لكن الواقع المعاش يدل على أن مصير أغلب من يعملون بها هو الحرمان من حقوقهم، في ظل إستغلال أرباب العمل لوضعيتهم المادية الصعبة، وفرضهم لسيطرتهم من خلال تخصيص راتب لايتوافق مع ساعات عملهم الكثيرة، أو عدم منحهم التأمين وكذا إنعدام لوسائل النقل بالنسبة للعاملين القاطنين بمناطق بعيدة، هذا الواقع المرير أصبح متداولا بأغلب الشركات سواء الأجنبية أو المحلية الخاصة، التي تنتهج نفس المنوال على عمالها الذين تنتهك حقوقهم في ظل غياب قانون خاص بحماية حقوق هؤلاء العاملين بتلك الشركات التي لا تحترم قوانين العمل، فنجدهم يتحملون هذا الوضع لمواجهة ظروفهم الإجتماعية الصعبة، هذا ما دفعنا للتقرب من بعض العاملين بالشركات الخاصة لننقل معاناتهم ومشاكلهم اليومية بمقر عملهم، حيث كان لنا لقاء مع أحد العاملين بشركة أجنبية، وقد أخبرنا أن مدة عمله بالشركة لا تقل عن عشرة ساعات وهو مايفوق الوقت الذي حدد له من طرف الشركة، كما أضاف خلال حديثه أن الراتب المتقاضى لا يتوافق مع الجهد الذي يبذله بعمله، وهو ما شكل ضغطا كبيرا عليه. في الوقت ذاته يتقاسم عمال الشركات الخاصة نفس المشاكل، في ظل عدم مراعاة أرباب العمل لأوضاعهم النفسية والاجتماعية على حد سواء، فقد تفاجأنا أن الأمر لايقتصر على الجنس الخشن، بل مس صاحبات الأيادي الناعمة اللواتي لم يسلمن من تلك الإنتهاكات بمقر عملهن، حيث أكدت “فريدة” وهي إحدى العاملات اللواتي سبق وخضن هذه التجربة أنها لم تجد أي خيار سوى العمل بأحد الشركات المحلية الخاصة في مجال التسويق، بالرغم من رغبتها في العمل لدى مؤسسة حكومية لضمان حقوق لم تنلها بعملها في تلك الشركة، كما أضافت أن صاحب الشركة يكلفها بأمور تفوق قدرتها بالعمل داخل المكتب وخارجه بمبلغ لايتجاوز 10000 دينار شهريا. شباب يغامرون بحياتهم بشركات لاتمنح تأمين يضطر بعض الشباب إلى تحمل مشاق أعمالهم بالشركات الخاصةو التي تفرض عليهم القيام بمهام صعبة دون أن توفر لهم تأمينا يحميهم من مخاطر التعرض لإصابات قد تصل إلى الوفاة، هذاما أكده لنا أحد الشباب العاملين في تركيب الأعمدة الكهربائية، حيث علمنا خلال حديثه أنه اضطر إلى العمل في هذا المجال لإعالة أسرته بالرغم من عدم إستفادته من تأمين للوقاية من الأذى الذي قد يلحق به بأي لحظة، كما أضاف أن صاحب الشركة لا يضع أي إعتبار لمسألة حماية عماله من مخاطر السقوط من إرتفاع عال أو التكهرب بل همه الوحيد هو كسب المال على حسابهم. في حين علمنا من آخرين أنهم قد شهدوا على حوادث مأساوية بعد أن فقد العمال حياتهم أمام أعينهم حيث أكد لنا أحدهم أن أحد أصدقائه قد سقط من ارتفاع عالي بعد إصابته بصعقة كهربائية وقد أضاف خلال حديثه أن صاحب الشركة هو السبب في حوادث وفاة العاملين نظرا لعدم توفير وسائل الوقاية لهم كما أشار خلال حديثه أنه لم يضع أي إعتبارأنه من تسبب في تلك الحادثة بل أنه لم يمنح أسرته تعويضا وحسب قوله فإنه قد أنكر أمام الشرطة أنه يعمل بشركته خوفا من متابعته قانونيا. كما لاتختلف معاناة العاملين بالمصانع الخاصة عن الأخرين بل أنهم يضحون بحياتهم بتحمل مشاق العمل والحوادث الخطيرة معا دون أن يطالبوا بحقوقهم فمن بين هؤلاء من يعملون في مجال النجارة أو الحدادة حيث لمسنا ما يتحملونه من معاناة بعد قيامنا بزيارة لأحد المصانع الخاصة بصناعة الأثاث فكان لنا حديث مع أحد العاملين بها وقد لاحظنا أنه فقد أصابعه الخمسة لكنه مازال يكافح بعرق جبينه لتوفير قوت يومه حيث أخبرنا أنه لم يستفد من تعويض من العمل بالرغم من تعرضه لهذا الحادث الخطير كما كشف أن صاحب المصنع لم يمنح عماله التأمين إلا أن ظروفه الصعبة إضطرتهم إلى تقبل تلك الوضعية . شباب أخرين إضطروا لتحدي بطالتهم بالعمل بإحدى الشركات الخاصة بالبناء بالرغم من أن حياتهم اليومية تكاد تتشابه مع العبيد في ظل إستغلال صاحب العمل لهم بفرض أعمال إضافية عليهم تفوق جهدهم وهو ما تأكدنا منه بعد قيامنا بجولة ميدانية إلى هذه الشركة المتواجدة ببودواوحيث لمسنا علامات التعب بأوجه العمال اللذين يملؤون الأكياس بالإسمنت ليحملوها بعد ذلك من المصانع إلى مقر عملهم مشيا على الأقدام حيث أكد لنا أحدهم أن تلك الوظيفة تشكل خطرا على حياته خاصة أنه مصاب بأحد الأمراض الرئوية كما أضاف أن صاحب الشركة لم يوفر لهم وسائل لنقلهم إلى منازلهم البعيدة أو تخلصهم من تعب حمل السلع إلى الشركة التي تبعد عن المصنع بكيلومترات كثيرة و حسب قوله فإن صاحب الشركة يأمرهم بنقلها مشيا على الأقدام . الظروف الصعبة وراء العمل بالشركات الخاصة أسباب عديدة وقفت وراء إستغلال العمال من قبل أصحاب الشركات الخاصة، أو من يفتحون أبوابها بطرق غير شرعية، رصدناها خلال حديثنا مع من كانت لهم تجربة مريرة بها، حيث تباينت أسباب استغلال أرباب العمل بالشركات الخاصة للعمال بين الجنس الخشن واللطيف ،فقد أكد لنا أحد الشباب أنه رفض العمل بالشركات الخاصة نظرا للاستغلال الرهيب الذي ينتهجه أصحابها على من يعملون بها خاصة بعد فشله في البحث عن فرصة عمل بالمؤسسات الحكومية كما أضاف أنه فضل البقاء بطالا بالرغم من إمتلاكه لشهادة جامعية. على أن يعمل مهانا بهذه الشركة كما أشار أنه تفاجأ بعدما طلب أحد أصحاب الشركات الخاصة بتوقيع تعهد يؤكد تخليه عن حق التأمين الإجتماعي إضافة إلى توظيفه بمبلغ لايتجاوزال10000 مقابل تقديم خدمات متعددة وحسب قوله فإنه رفض ما طلب منه وفضل البقاء بطالا. في حين صرح لنا أخرون أن أغلب من يعملون في تلك الشركات هم من الجنس اللطيف اللواتي يتخلين عن حقوقهن في سبيل تقاضي مبلغ ضئيل، وحسب قولهم فإن أصحاب تلك الشركات يفضلون توظيف الفئة النسوية كونها تتحمل جميع الشروط الإنتهاكية التي يفرضونها عليهن، وقد أرجعوا أسباب تفاقم تلك الظاهرة بالشركات الخاصة إلى قبول الجنس اللطيف لوضعيتهن حتى وإن كانت تحرمهن من حقوقهن. وجهة نظر أخرى أخبرتنا عنها إحدى الشابات اللواتي تحدثنا إليهن، حيث تقول بهذا الصدد أنها لم تجد أي خيار سوى العمل باحدى الشركات الخاصة بالرغم من عدم حصولها على حقوقها كمن يعملون بالشركات الحكومية، وقد أرجعت السبب إلى الظروف المادية الصعبة التي مرت بها، كما أضافت أن صاحب الشركة فرض عليها شروطا ليقبلهابالوظيفة، وقد أشارت أنها لم تجد أي حل سوى الرضوخ لمطالبه كوسيلة وحيدة لتوفير لقمة العيش لأسرتها. شركات سوداء تضحي بحياة عمالها تزاول بعض الشركات الخاصة عملها بطرق غير شرعية، مستغلة غياب الرقابة عليهافتستخدم وسائل مغرية تدفع بالشباب البطال العمل بها حتى وإن كلفهم الأمر التضحية بحياتهم في سبيل توفير لقمة العيش، فيكون مصيرهم إما عدم تقاضيهم لأجورهم بعد هروب أصحابها من المسئولية، أو حرمانهم من دفع تعويض لهم بعد تعرضهم لحوادث عمل خطيرة تتباين بين الإعاقة أو فقدانهم لأحد أعضائهم، هذا ما تأكدنا منه بعد حديثنا لأحد العمال السابقين بتلك الشركات حيث كشف لنا أن صاحب إحدى الشركات الأجنبية الخاصة بالمقاولة قام بخداعه في بداية الأمر، وقد وعده بمنحه راتبا مرتفعا بعد إتمام المشروع، لكن حسب قوله فإنه لم يتقاضى راتبه بالرغم من المجهود الكبير الذي بذله وسقوطه من البناية عدة مرات. عمال آخرون تعرضوا لإصابات خطيرة بعد أن اضطرتهم ظروفهم للعمل في شركات غير شرعية، فوجدوا أن تضحياتهم قد ذهبت هباءا بعد تعرضهم لحوادث خطيرة دمرت مستقبلهم ووقفت عائقا أمام إكمال حياتهم بشكل طبيعي، فمن بين هؤلاء “محمد” وهو شاب لم يتجاوز ال24 كان عمله بأحد الشركات غير الشرعية سببا في فقدانه لبصره، حيث يقول أن صاحب المصنع الخاص الذي عمل به لم يضع أي إعتبار أن الحادث قد وقع له بالعمل بل أنه قام بطرده ولم يدفع له تعويضا. ومنهم من ضحى بجهده بالعمل بالشركات الخاصة لسنوات طويلة ليجد أنه لم يجن شيئا من تعبه وأنه لم يحصل على منحة تقاعد بعد كبر سنه، فلا يحصل على ما يضمن مستقبله وهو ما أكده لنا السيد “كمال” كما أضاف أنه عمل لمدة خمسة عشرة سنة بإحدى الشركات الخاصة لكن صاحبها لم يراع وضعيته الصعبة بل إستبدله بأخر بعد كبر سنه ولم يمنحه مستحقات راتبه، وقد حرمه من الحصول على منحة تقاعد. مالكات الشركات الخاصة ينتهكن حقوق عاملاتهن تعاني صاحبات الأيادي الناعمة من مشاكل جمة تتبتاين بين الاستغلال أو إنتهاك حقوقهن الطبيعية، من قبل مالكات الشركات أو المحلات الخاصة حيث أن أغلب الشابات لا يجدن من سبيل إلا بقبول الشروط التعجيزية المفروضة عليهن من قبل هؤلاء، فمنهن من إضطرت للعمل كبائعة متجولة تسوق السلع للشركات الخاصة، بينما تعمل أخريات بشركات التنظيف الخاصة التي عرفت انتشارا واسعا في الأونة الأخيرة، حيث تأكدنا من هذا الأمر خلال حديثنا مع بعض من مررن بتجارب سيئة خلال عملهن بتلك الشركات، فمن بين تلك العاملات “منال” وهي إحدى الشابات اللواتي إلتقينا بها بأحد الأحياء التي كانت تتجول فيها حاملة معها حقيبة ثقيلة مشيا على الأقدام، حيث أكدت أنها تملك شهادة جامعية إلا أنها لم تجد أي خيار سوى العمل بإحدى الشركات الخاصة ببيع الأدوات المنزلية، كما أضافت أنها تضطر يوميا للعمل لمدة 10ساعات دون توقف لتستطيع بيع البعض منها، وهو ما فرضته عليها صاحبة العمل كما أنها تقول أنها إشترطت عليها أن تتقاضى مبلغ لايتجاوز ال8000 دينار شهريا، وقد أشارت أن المجهود الذي تبذله يفوق الراتب الذي تتقاضاه إلا أنها لاتستطيع الدفاع عن حقوقها خاصة أنها تحاول التمسك بوظيفتها لإعالة أسرتها. كما لا تختلف وضعية العاملات بشركات التنظيف الخاصة اللواتي يتحملن المعاملة القاسية لأصحابها، وكذا حرمانهن من أبسط حقوقهن من قبل ملاكها، حيث علمنا من بعضهن أن صاحبة الشركة التي يعملن بها لا تمنحهن فرصة للراحة بل تأمرهن بالقيام بأعمال إضافية بمنزلها، كما أضفن أنها تقوم بطرد العاملات بعد إصابتهن بمرض ما ولايستفدن من تأمين إجتماعي، في حين أكدت لنا إحداهن أن صاحبة العمل تفرض عليها تنظيف مكاتب الشركات، إضافة إلى منازل صديقاتها الثريات بمبلغ لا يتجاوز ال7000 دينار شهريا. سوء المعاملة تؤثر سلبا على نفسية العمال يعاني أغلب العاملين من حالة نفسية سيئة في ظل بقائهم ساعات طويلة بأعمالهم، أوفرض قيود عليهم من قبل أرباب عملهم تحرمهم من العمل بحرية، فيشعر أغلبهم بروتين العمل الذي لا يستطيعون التخلص منه، هذا ما كشفت عنه مختصة في علم النفس الإجتماعي، حيث تقول في هذا الصدد أن أغلب من يزورون عيادتها يطلبون العلاج من أمراض نفسية، نتجت عن المعاملة السيئة والإهانة التي يتعرضون لها يوميا من قبل أرباب العمل، كما أن بعضهم يشتكون من الشعور بالملل وحالة من الإكتئاب تنتج عن طول ساعات عملهم التي تتجاوز في بعض الأحيان ال12ساعة. في حين أضافت المتحدثة ذاتها، أن أغلب العاملين الذين يقصدونها للعلاج يشعرون بالإهانة والنقص في ظل إستغلال أرباب العمل لهم، وكذا فرض السيطرة عليهم، كما كشفت أن غياب ثقافة التعامل مع العاملين في أغلب الشركات هي السبب في إصابتهم بمشاكل نفسية تتباين بين القلق الشديد والإحباط، الذي يصل حسب قولها إلى الإصابة بإنهيار عصبي ينتج عن الضغوط النفسية المتراكمة لديهم بأعمالهم، في حين أشارت في نهاية حديثها أن أغلب المرضى يشتكون من سوء معاملة أرباب العمل التي تصل إلى إستخدام العنف اللفظي بالإهانة، أو حتى التهديد بالطرد في حالة عدم تلبيتهم للطلبات التي تفوق طاقتهم، وتؤثر عليهم سلبا من الناحية الفزيولوجية أو السيكولوجية.