تحول قسم الإستعجالات في الكثير من المستشفيات إلى قاعة إنتظار يظل بها المرضى يكابدون آلام المرض ومعاناة المعاملة السيئة، فكثيرا ما تفارق الحالات المستعجلة الحياة بسبب سياسة الإهمال والتهميش المتبعان بأغلب المراكز الصحية العامة، إضافة لإحتكار مديريها لكافة الإمكانات بها. تعتبر غرفة الإستعجالات بالنسبة للمرضى بمثابة الملجأ الوحيد الذي يشفي ألامهم وجروحهم بعدما تتربص الأمراض بأجسادهم، لكنها أضحت غرفة يخصصها مديرو المستشفيات لمعارفهم ليظل المواطن البسيط يصارع المرض في صمت من دون أن يجد من يشفي جروحه، كما أن إحتكار المديرين كان سببا في تلقي المرضى أسوء المعاملة، فغالبا ما يكون العاملون عبيدا لهم ينفذون أوامرهم فيبقى المريض البسيط ضحية لتلك السلوكات السلبية المتبعة بأغلب المستشفيات وفق سياسة مسؤولي المراكز الصحية، الذين باتوا لا يخدمون الشعب بل يوجهون خدماتهم لمعارفهم، تلك الظاهرة باتت فيروسا ينخر أجساد المرضى الذين لايجدون من يتكفل بوضعيتهم الصحية المزرية في أغلب الأحيان، فعلى غرار نقص الأدوية واللقاحات فإن عدم توفر الإمكانات بأغلب المستشفيات أو رفض العاملين بها إستخدام المرضى العاديين لتلك الأجهزة بالرغم من توفرها، أدى إلى إهمالهم ليظل محدودو الدخل واقعين تحت رحمتهم.. هذا ما دفعنا للقيام بجولة لبعض المستشفيات العمومية، فكانت وجهتنا الأولى مستشفى مصطفى باشا، حيث لاحظنا أن هذا المركز الصحي تنعدم به أدنى سبل النظافة أمام دخول القطط الضالة إلى قاعة العلاج، وكذا تواجد المرضى بغرف ملوثة حيث أكد جل من تحدثنا إليهن من المريضات اللواتي إضطرتهن وضعيتهن الصحية المكوث في المكان، أن إدارة المستشفى ترفض إدخال الطعام إلى الغرف لكنها لا تراعي سبل النظافة عند إعداد الأطباق التي تقدم لهن، حيث أن إحداهن أكدت أنها قد عثرت على حشرة بالطبق الذي جلبته لها إحدى العاملات، كما أضافت أن أفرشة السرير لايتم تغييرها كما لا يتوفر المستشفى على أغطية تقيهم من برودة الطقس. إنتقلنا إلى قاعة الإنتظار فلم يكن المشهد مختلفا، حيث كان عدد كبير من المرضى يعانون في صمت وهم لايجدون من يتكفل بحالتهم أمام النقص الفادح للأطباء، حيث أكد لنا بعض المرضى أنه غالبا ما يصعب على الأطباء تشخيص مرضهم فيكون الحل الوحيد للتخلص منهم هو كتابة قائمة طويلة من الأدوية التي لا تمت بصلة للمرض الذي يعانون منه، فيضطرون إلى زيارة العيادات الخاصة بمبالغ تفوق قدرتهم المادية. كما كشفنا أن بعض الأطباء يرفضون إستقبال بعض المرضى الذين يتحملون آلام المرض لساعات طويلة وهم جالسين بقاعات الإنتظار، لكنهم لايجدون من يتكفل بوضعيتهم حيث باتت المستشفيات غير قادرة على توفير العناية للمرضى، ويكون الثمن الذي يدفعونه إضافة للإهمال هو سوء المعاملة الذي يتباين بين العنف اللفظي والجسدي، فقد حاولنا نقل بعض ما شهدناه بمستشفيات مختلفة على غرار بني مسوس ومصطفى باشا، وقد تفاجأنا لنشوب مشاجرة بين أحد الأطباء وأقارب المريضة بعد إستقبال هذاالطبيب لمعارفه من المرضى بالرغم من أولوية زوجة أحد المتواجدين بقاعة الإنتظار، التي تستدعي حالتها المستعجلة التكفل السريع، حيث جرت الوقائع بعدما ألح الزوج على الطبيب بضرورة التكفل بوضعية زوجته المستعجلة وأولويتها في الدخول قبل معارفه فكافأه الطبيب بكلام قبيح لا يليق بأخلاقيات تلك المهنة، وهو ما أدى إلى نشوب شجار عنيف بينهما إنتهى بتبادل اللكمات بينهما ليتدخل مسؤولو الأمن بالمستشفى بطرد تلك الحالة المستعجلة وزوجها بالقوة بطرق وحشية لاتمت بصلة بالإنسانية. كما عرفت مستشفى بني مسوس، حادثة شجار وتبادل للشتائم بين إحدى المريضات والممرضات، حيث تعالى صراخهن أمام قاعة الإستعجالات فبالرغم من أن الممرضة هي من أهانت المريضة ومنعتها من الدخول للمعاينة لدى الطبيب المتكفل بالحالات المستعجلة بعد إختلاقها لأكاذيب أنه غائب عن المستشفى، إلا أن المريضة تفاجأت لخروجه من مكتبه مما أثار غضبها فكان مصيرها الطرد من غرفة الاستعجالات ظلما. حالات مستعجلة بين صراع المرض وانتظار سيارة الإسعاف يتقاعس العاملون بالمراكز الصحية عن خدمة المواطنين في ساعات متأخرة من الليل، بالرغم من أن وضعيتهم الصحية تستدعي التدخل السريع فيكون الثمن الذي يدفعه المرضى المتواجدون بمنازلهم بمفردهم من المسنين، هو مفارقتهم للحياة بعد صراع طويل مع المرض دام لساعات طويلة بسبب إهمال عمال المستشفيات لهم، فقد علمنا من أحد سكان باب الوادي، أن إحدى المسنات ظلت تصارع مرضها وحيدة ببيتها وقد إنتهى بها المطاف بمفارقتها للحياة بفعل إهمال عاملي مستشفى “مايو” لمكالمتها الهاتفية بعد إلحاحها عليهم بضرورة إنقاذها من الموت. حالات أخرى مستعجلة إضطرت لطلب المساعدة بالإتصال بالمستشفى لتطلب سيارة الإسعاف، لكن إنتظارها طال لساعات من دون أن يضع أحد من مستقبلي المكالمات وضعيتها بعين الإعتبار، فبالرغم من أن المستشفى في خدمة الشعب إلا أن واقع أغلب المراكز الصحية بات يعاكس القوانين، فقد علمنا أن كثير من المرضى يفارقون الحياة بمنازلهم دون أن يجدوا من يقلهم إلى قاعة الاستعجالات، في حين يبقى المواطن البسيط ضحية للإهمال والتهميش، فقد أخبرنا محدودي الدخل أنهم باتوا يبحثون عن سيارات خاصة في ساعات متأخرة من الليل فلا يجدون أي خيار سوى طلب المساعدة من جيرانهم بسبب تماطل العاملين بالمستشفيات توفير خدمة النقل للحالات المستعجلة، أمام النقص الفادح لسيارات الإسعاف فقد تفاجأنا أن احدى الحالات المرضية المستعجلة قد نقل بأحد المستشفيات بسيارة تخزين الحليب، بينما يتكبد أخرون عناء البحث عن سيارات “الكلوندستان” والطاكسي بساعات متأخرة ليعودوا إلى منازلهم وهم يصارعون المرض، كما بات من يتعرضون للحوادث المرورية ضحايا للإهمال فكثيرة هي تلك المشاهد التي تلاحظ بشكل يومي لأشخاص يظلون كجثة بالطرقات بعد إصطدام السيارات بهم بالرغم من مناشدة المحيطين بهم الملحة لسياراة الإسعاف فلايجد السائقون من خيار سوى نقلهم على متن سياراتهم الخاصة. إفتقاد المستشفيات للإمكانات بفعل إحتكار مسؤوليها تفتقد الكثير من المراكز الصحية العامة للأدوية واللقاحات الضرورية للمرضى، إضافة لنقص أجهزة السكانير والراديو الضرورية بالنسبة لكثيرين فبالرغم من تخصيص وزارة الصحة، لميزانية خاصة بالبحوث العلمية وشراء الأجهزة للمستشفيات إضافة لتزويدها بالمحاليل الطبية والأدوية إلا أن تلك المسألة لازالت تحت سيطرة مديري المستشفيات الذين لازالوا يتمسكون بمقاعدهم بطرق ملتوية، بالرغم من تجاوزهم لسن التقاعد ولايتركون الفرصة للأطباء المؤهلين لهذا المنصب، كما أنهم يخصصون تلك الأموال لقضاء مصالحهم الخاصة، حيث بات عمال المراكز الصحية ينفذون الأوامر العليا بدون أن يضعوا حياة المواطن بعين الإعتبار، فكثيرا ما تلاحظ نفس المشاهد بقاعة الإنتظار في الإستعجالات خاصة بالساعات المتأخرة من الليل كحالات مستعجلة ملقاة بزوايا المستشفيات، إضافة لمرضى يجلسون أرضا وهم يتقاسمون ألامهم في صمت بوضعية تستدعي التدخل السريع إلا أنهم لم يجدوا من يتكفل بهم، فقد أصبح المسؤولين يتبعون سياسة المحسوبية حتى بالمستشفيات المخصصة للمواطنين البسطاء، حيث علمنا أن المسؤولين عنها لا يراقبون العاملين بها ولا يكترثون بوضعية المرضى الحرجة، فغالبا ما تخصص تلك الغرف لمعارفهم وأقاربهم بينما يحرم المواطنون العاديون من التكفل الصحي، حيث تفاجأنا أن كثيرا من مرضى العظام والمفاصل يحرمون من حق الفحص بجهاز الفحص الإشعاعي بالرغم من توفره بالمستشفى، بينما تفتقد مستشفيات أخرى للأطباء المتخصصين في بعض الأمراض ليبقى المرضى ضحايا للمحسوبية بالمراكز الصحية، حيث بات إرسال المريض للعيادات الخاصة بمثابة ظاهرة تتفشى كالفيروس في أغلب المستشفيات العامة، حتى وإن كانت تكاليفها تفوق قدرة المواطن المحدود الدخل ويكون غالبا مبرر الأطباء هو عدم توفر المستشفى على الأجهزة أو الأدوية، ليظل خيار محدودي الدخل هو الإقتراض أو الصراع مع المرض، كما أن عدم قيام المسؤولين عن المراكز الطبية بواجبهم وإهمالهم لتنظيم ومراقبة المستشفيات زاد من حدة الأزمة الصحية، حيث أن كثير من المديرين باتوا يفرضون قيودا ويحرمون الأطباء الأكفاء الذين يمتلكون خبرة واسعة من حقوقهم، مما شجعهم على الهجرة إلى الخارج فكانت تصرفات المسؤولين سببا في النقص الفادح للكفاءة الطبية وذوي الخبرة بالتخصصات التي لا تزال مفقودة في المستشفيات العامة، فبات الأطباء يحاولون التخلص من تلك الضغوط بتوكيل مهمة التكفل بالحالات المستعجلة للمتربصين أو الشبه طبيين الذين لايمتلكون خبرة واسعة، مما أدى إلى حدوث ما لا يحمد عقباه للمرضى الذين يفارقون الحياة أو يصابون بإعاقات ناتجة عن الأخطاء الطبية الفادحة المرتكبة بفعل غياب رقابة المسؤولين عن المراكز الصحية، فقد علمنا أن إحدى المريضات بالسرطان دخلت قاعة الإستعجالات بمصطفى باشا وهي فاقدة لثديها الأيمن رغم ضرورة إستئصال ثديها الأيسر، كما أصيب بعض المرضى بمستشفى بني مسوس بفقدان البصر بعد إرتكاب الشبه طبيين لأخطاء فادحة، وأخرون فارقوا الحياة بفعل زيادة جرعة المخدر.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل باتت أرواح الحالات المستعجلة التي لا تملك من خيار سوى العلاج بالمستشفيات العامة متوقفة على موافقة مديري المستشفيات على إستقبالها بعد فترة طويلة، حيث أن أغلب الحالات المستعجلة التي تتطلب إجراء عمليات سريعة باتت مهددة بخطر الموت بسبب تأجيل إجراء عملياتهم إلى أجل غير مسمى.