على الرغم من الأهمية القصوى التي تكتسيها ولاية الجلفة بحكم موقعها الإستراتيجي المميز كقلب الجزائر، وكونها ولاية مليونية ورغم مواردها الطبيعية المتنوعة وغناها بثروات طبيعية وحيوانية، وكذا المبالغ الطائلة التي رصدتها الدولة لتطوير الولاية في إطار مختلف البرامج التنموية، بما فيها برنامج الهضاب العليا الموجه أساسا للنهوض بالمناطق السهبية وشبه الصحراوية ورغم...ورغم...ورغم..، إلا أن الولاية تبقى تقبع في مؤخرة المناطق الأكثر فقرا في الجزائر قياسا مع الإنخفاض الملحوظ في المستوى المعيشي للسكان، وهنا بيت القصيد ومكمن الداء مع هذا التناقض الصارخ بين ما هو متاح وما هو معاش. فالجلفة ليست هي عاصمة الولاية فحسب وإنما هي امتداد ل36 بلدية منها 70 بالمائة نائية، أو ما يعرف بالجلفة العميقة بمشاكلها ومعاناة سكانها مع الجري وراء «الخبزة» ومشاق الحياة اليومية الواقعية، في ظل سياسة «أنا وبعدي الطوفان» التي ينتهجها أشباه المنتخبين الذين زكاهم مواطنوهم لا لشيء سوى للتكفل بمشاكلهم وانشغالاتهم اليومية المختلفة، غير أن واقع التسيير المجسد يناقض ذلك تماما سيما على مستوى البلديات الفقيرة،فالمنتخبون يقطنون غالبيتهم في المدن الكبرى سواء بعاصمة الولاية أو الدوائر ولا يربطهم شيء بالبلدية سوى التسمية فقط «رئيس بلدية كذا...». فالمنتخبون بالجلفة ابتكروا طريقة في التسيير العصري تعد سابقة فريدة من نوعها بانتهاج سياسة التسيير عن بعد بواسطة النقال لكون المير بعيدا، فالأوامر تعطى بواسطته وحتى النشرة اليومية بالبلدية تعطى له بالنقال، أما البريد فيمضي في المنازل، في الطرقات في المقاهي فلا يهم. واقع مرير هو الوصف الذي يطلق على معاناة مواطني هذه البلديات من قطارة جنوبا أين تعيش البلدية في حالة فوضى، بعد انتفاضة المواطنين الذين رفضوا عودة «المير» لتسيير شؤونهم واعتصموا أمام المقر، في إشارة منهم إلى رفض المجلس والإبقاء على رئيس البلدية في مقر سكنه بدائرة مسعد 170 كلم عن مقر بلديته إلى عين الشهداء غربا، وما يحدث فيها من مجازر في حق المشاريع التنموية التي استفادت منها البلدية بسبب التواطؤ مع المقاولين في كيفية الإنجاز، دون الإعتماد على الدراسات التقنية كأشغال الطرق وغيرها. نفس الوضع ينطبق على بلديات أم العظام، القديد، الزعفران، حاسي العش، المليليحة، عمورة، سيدي بايزيد، الخميس، سد الرحال، دلدول، سلمانة،زكار، المجبارة وغيرها، فمشاكل هذه البلديات تعد بالقناطير مع البطالة الخانقة في ظل انعدام أي فرص للعمل وحتى مناصب الشبكة الإجتماعية هي في الغالب محدودة وتوزع وفق قاعدة الأقرباء أولى بالمعروف...اعتمادا على نهج مدى الوفاء والولاء على شكل كوطات قائمة المستفيدين منها معروفة مسبقاو ويبقى الشباب المغلوب على أمره وهو يشاهد مهازل يصنعها أولئك من زكاهم وهم يتجولون في سيارات آخر صيحة ينتظر دوما ولو نصف فرصة ليثبت ذاته.