في حي ليس ببعيد من الجزائر العاصمة وفي أقصى شرق ولاية البليدة حيث رواسب ومخلفات سنوات الجمر والرصاص، ومظاهر الفقر والتخلف وغياب أدنى ضروريات الحياة، تعيش أكثر من 400 عائلة، قست عليهم الحياة وشردتهم سنوات الدم والدمار وقهرهم جفاء منتخبيهم لما ضربوا بمطالبهم عرض الحائط، هو حال سكان مزرعة سعدون يوسف المعروفة ب «حوش الكحلة». الزائر للمزرعة يعتقد لوهلة أنه خارج إطار الزمن نظرا لما تعانيه المنطقة التي شوهها العمران والأسلاك الكهربائية المتدلية وسط التجمع السكني، وغياب القنوات التحتية والماء الشروب الذي لايعرف طريقا إلى حنفياتهم، وحتى المسالك ترابية ومهترئة وانعدام خدمة الغاز وقلة شبكة المواصلات ويلات لا تزال عائلات الحي تتكبدها بمرارة تفاصيلها بعيدا عن إطار التنمية المحلية، بعد عودتها إلى سكناتها التي غادرتها كرها في فترة ليست بالبعيدة، أين شهدوا مجازر دامية نفذتها الجماعات الارهابية المسلحة في حق أناس عزّل تاركين وراءهم الأرزاق والخيرات في أيدي الناهبين، وبعد استتباب الوضع الأمني عادوا إلى ديارهم وكلهم أمل في إدراج حيهم ضمن مشاريع التنمية المحلية، لكنهم اصطدموا بجفاء منتخبيهم الذين أقصوهم من إعادة تشييد مزرعتهم إلى يومنا هذا بالرغم من تعدد العهدات الانتخابية. وفي زيارة السلام للمزرعة لم نلمس إلا المعاناة والألم، حتى أن التنمية بها لم تتجاوز الصفر، فأدنى شروط الحياة الكريمة غائبة عن معظم أزقة الحي المتواجدة بإقليمها، إذ وبالرغم من تعاقب العهدات وتعاقب المنتخبين لكن دون أي تحسن يلحظ في أدنى متطلبات الحياة، ليدفع السكان وحدهم الثمن الباهض بالبقاء في دائرة التخلف والمشاكل اليومية. مسالك مهترئة ... أكد المواطنون الذين التقتهم «السلام» استياءهم الشديد من اعتراء طرقات أزقة الحي التي لم تمسها أي عملية تهيئة من قبل مصالح البلدية رغم نداءات السكان المتكررة، والتي تتحول في فصل الشتاء ومع سقوط أولى زخات المطر إلى برك من المياه والطين والأوحال باتت هاجسا مقلقا لهم، حيث بات مهترئا ومتآكلا بدرجة كبيرة، مما يصعب التنقل والسير فيها سواء للمواطنين أو لأصحاب السيارات والمركبات، وهو ما تسبب في عزل الحي بعد عزوف الناقلين عن الدخول إلى الحي خوفا من الأعطاب التي قد تصيب مركباتهم. أما في فصل الصيف فهو لا يختلف عن الشتاء حيث المعاناة تزداد مع انبعاث الغبار الكثيف الذي يتسبب في ازعاج المرضى المصابين بأمراض تنفسية مزمنة كداء الربوو الحساسية، وهوالحال الذي لم يعد يطيقه هؤلاء السكان الذي أكدوا بأنهم سئموا وعود المنتخبين التي غالبا ما تذوب في أوّل يوم تُحسم فيه نتائج الإنتخابات. حفر بدائية يعاني سكان الحي من انعدام قنوات الصرف الصحي للمياه القذرة، حيث بات هذا المشكل يهدد صحة قاطني الحي وينذر بكارثة ايكولوجية وصحية خطيرة، حيث لازالت بعض العائلات تستعمل الحفر البدائية لقضاء حاجاتها، والتي ينجر عنها الكثير من الأمراض ناهيك عن الانتشار المخيف للقوارض والحشرات الطائرة وكذا الرواح الكريهة التي تخيم على الحي، مضيفين خطر انتشار الثعابين والجرذان التي زحفت إلى المنطقة بسبب طبيعة البنايات، وكذا انتشار حفر العفن التي قام السكان بحفرها داخل منازلهم للتخلص من فضلاتهم، وما عمق من معاناة هؤلاء السكان هو الإنتشار الخطير للنفايات بالمنطقة بسبب الرمي العشوائي، في ظل انعدام حاويات ومفرغات للتخلص من النفايات المنزلية التي باتت تحتل مساحات كبيرة من المزرعة. انعدام الماء وأسلاك كهربائية عشوائية وعن الماء قال أحد المواطنين «للسلام» أن الماء لم يعرف الطريق إلى حنفياتهم أبدا، الأمر الذي يضطرهم إلى جلب هذه المادة من أبار المستثمرات القريبة بطرق تقليدية بعد قطع مسافة تزيد عن الكيلومتر الواحد، أما باقي العائلات فقد اختارت جلب مياه الشرب في صهاريج بعد كرائها بأثمان تفوق عادة ال 1000 دج أين زاد في ميزانية العائلات، وعن الكهرباء قال سكان مزرعة سعدون يوسف «للسلام» إن التوصيلات العشوائية صارت جحيما لا يطاق بسبب الشرارات الكهربائية التي أصبحت تهدد حياتها وحياة أطفالها نتيجة الشرارات التي تحدث بين الفينة والأخرى، ماجعلهم يعيشون خوفا وقلقا دائمين بعدما حرموا من شبكة توصيل بطريقة قانونية، حيث أرجع الأوصياء سبب عدم استفادتهم إلى بناياتهم التي أكدت السلطات أنها فوضوية. غاز المدينة... حلم طال انتظاره أبناء المزرعة المنسية والمهمشة وبأسلوب يميل إلى السخرية أكدوا أن خدمة الغاز التي تشكّل حلما يستحيل تحقيقه في ظلّ انعدام مخطط تنموي، حيث مايزال هؤلاء يعتمدون في حياتهم اليومية على استعمال قارورات غاز البوتان في عمليتي الطهي والتدفئة في فصل الشتاء البارد، أين يتكبدونالويلات من أجل الحصول على هذه المادة وجلبها بأعداد كثيرة في الأيام الباردة، أين زاد في إثقال كاهل العائلات المحدودة الدخل. مشاكل بالجملة هي تلك التي يعاني منها سكان حوش الكحلة في أولاد سلامة تتطلب التفاتة جادة من المنتخبين المحليين لانتشالهم من الواقع المر الذي يعيشونه يوميا تحت وطأة البؤس والحرمان، حيث كشفت لنا العائلات أملها الكبير في الظفر بمشروع الإعانة الريفية لكي يتسنى لهم بناء سكنات لائقة تمحو مظاهر الفوضى في العمران التي شكّلت أزقة إسمنتية عشوائية متصدعة توشك على التداعي تسببت في حرمانهم من مشاريع تنموية حسب المسؤولين.