الأستاذة الباحثة " نسرين ناجوي" ل"السلام": تتحدث الأستاذة الشّابة المختصة في التاريخ وشؤونه، نسرين ناجوي من مواليد21/06/1997، في هذا الحوار عن مؤلفها "الاستعمار الإسباني للجزائر وإشكالية التواجد التركي" الصادر عن دار آدم مرام للنشر والتوزيع بالجزائر وعن الجيل الجديد من الباحثين الشباب المُشتغلين في حقل التاريخ، وكيف كتب هذا الجيل تاريخ الجزائر بما فيه تاريخ الثورة، وهل اِستقل هذا الجيل بأسلوبه وطريقته ومناهجه، كما تحدثت ناجوي، في ذات السياق عن ما مدى أهمية المذكرات والسِيَر الذاتية والشهادات الشفوية في كتابة التاريخ، وهل هي حقا بمثابة مصادر مُهمة في كتابة التاريخ، بعيدا عن المُبالغة أو التزييف الّذي يمس بحقائق تاريخية معينة. تطرقت الباحثة من جهة أخرى إلى ما يُسمى بالتهاون في محاولات التأسيس لكتابة تاريخية جديدة، وهل يرجع هذا التهاون إلى كون كاتب التاريخ أو المؤرخ ظلّ عاجزا عن اِستنطاق الوثائق التي كثيرا ما يقوم بقراءتها قراءةً آلية دون تمحيص واِستنطاق، مؤكدة في هذا التفصيل بالذات، أنّ المؤرخ الشاب تُواجهه عراقيلٌ كثيرة مُرتبطة بأدوات وآليات التأريخ وعراقيل أخرى متعلقة بالمحيط الثقافيّ، لذلك وفي ظل اِستمرار هذه الظروف يكون من العسير عليه تحقيق النقلة المرجوة والمأمولة. ومع هذا فهو –أي المؤرخ الشاب- بحاجة مُلِحة إلى تجديد كتابته منهجًا ومضمونًا. * كيف كانت رحلتك مع كتابة ونشر كتابك الاستعمار الأسباني في الجزائر؟ كانت رحلتي كلها حماس وتشويق؛ لأني اخترت دراسة موضوع يتناسب مع ميولي؛ لأنني لطالما أحببت دراسة هذه الفترة الغامضة في التاريخ الحديث، من أيام الجامعة. * كيف تبادرت إلى ذهنك فكرة الكتابة والتأليف، وماهي المعوقات والصعوبات التي اعترضتك في بداياتك؟ أعتقد أنه لا يوجد بحث علمي خال من الصعوبات، إلا أن كثرة الاطلاع على كتب التاريخ، التي تحمل أحداثا ووقائع تاريخية تأخذك إلى مكان وزمن الحدث، مما تحمله من حيثيات كلها تشويق تجعلك تغوص في عالم الاطلاع، لتكون بذاك جزءا من الكتاب من خلال الكتابة والتأليف. * هل لاقيت تشجيعا ودعما ماديا ومعنويا في كتاباتك وأبحاثك الميدانية هذه عن الاستعمار الإسباني، وفي كتاباتك المكثفة والاستطلاعية والتقريرية عن فترة الاستعمار الأسباني للجزائر والتواجد العثماني؟ في الحقيقة لقد وجدت الدعم المادي والمعنوي فقط من والدي حفظهما الله، وتلقيت معارضة كبيرة من طرف أصدقائي ليس حول مشروعي ككاتبة؛ لأنهم كانوا يعلمون جيدا مدى حبي واجتهادي في مجال البحث العلمي، وإنما كانت حول الموضوع الذي اخترته؛ ألا وهو الاستعمار الأسباني للجزائر 1792-1505 وإشكالية التواجد التركي؛ لأنهم رأوا أنني غير كفيلة بدراسة موضوع فيه إشكال معمق وتضارب في الآراء من أول رحلة لي في مجال الكتابة، إلا أن معارضتهم وشدة شغفي بهذا الموضوع زادت من اندفاعي؛ لتأليف الكتاب ليس لأقول فيه أنني قد حللت الإشكالية، لأنها بالأخير تبقى وجهة نظري أنا في الطرح وهي قابلة للنقد والتفنيد أو القبول والترجيح، إلا أني متأكدة أن القارئ عندما يقرأ الكتاب من بدايته إلى نهايته سوف يرى أنه ليس من الضروري معرفة الجواب؛ لأنه يكون بذلك قد توضح له الكثير من الأمور التي كانت غامضة. * رغم طول فترة الاحتلال الأسباني إلا أن المناهج الدراسية الابتدائية في الجزائر، لا تدرس قصة الاحتلال الأسباني الذي دام لسنوات..لماذا يا ترى من وجهة نظرك وما الذي تقترحينه؟ يعد تاريخ الجزائر في الفترة الحديثة تاريخا يشوبه الغموض، بحيث تقل فيه المصادر المحلية أو تكاد تنعدم، مما نتج عنه عدة إشكالات ويعود السبب إلى المشاكل، التي كانت تعيشها البلاد قبيل وإبان الاستعمار الإسباني، نتيجة انعدام الوحدة المركزية وضعف الجهاز الإداري والسياسي والعسكري، وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، هذا أدى إلى هجرة أغلب العلماء والمفكرين وطلبة العلم إلى البلدان العربية الأخرى؛ لمواصلة دراساتهم وأبحاثهم العلمية في جو يسوده الراحة والأمان، فنقصت الكتابة والتدوين ولم يبق من المصادر المحلية إلا القليل، أمثال أبوراس الناصري المعسكري الذي نقل لنا مجريات وخبايا هذه الفترة الغامضة عن تاريخ الجزائر المستعمرة. وأنا أقترح تكوين هيئة علمية مختصة في التاريخ الحديث، تعمل من أجل الوصول إلى الحقائق من خلال المصادر المحلية أو الأجنبية، بشرط التدقيق والتمحيص والتحليل والاعتماد على أرشيف الجزائر الموجود بجامعة مدريد، لتجسيد وقائع واضحة لتاريخ تلك الفترة. * واجهتنا عدة مسائل تأويلية تتعلق بالتأريخ، الذي عالج موضوع الجزائر العثمانية، وخلال تقييم هذا التأريخ تبادرت إلى ذهننا تساؤلات نطرحها اليوم للنقاش بعد أكثر من 60 سنة من عمر الجزائر المستقلة، ما أهم القضايا الرئيسية التي ركزت عليها في بحثك؟ إنني كثيرا ما كنت أسمع من قبل الأشخاص الذين يحملون فكرة أن الوجود العثماني بالجزائر استعمار، وأن الدولة العثمانية لم يكن له الدور في تطوير الجانب الثقافي والعمراني بالجزائر، فأجبت عن هذه القضية التي كانت جلية في بحثي دون أن أقصد الإجابة عنها. إن الوجود العثماني في الجزائر كان في فترة حرجة مما كانت تعانيه البلاد من قبل وإبان الاستعمار الأسباني، فلم يسعها إلا تطوير الجانب الاقتصادي المرتبط بالجانب العسكري، المتمثل في القرصنة. كما ركزت على شرح الفرق بين القرصنة الأوروبية والقرصنة الإسلامية، كرد للمؤرخين الأجانب الذين يسعون إلى تشويه سمعة تاريخ الجزائر الجهادي، بحيث يوجد نوعان من القرصنة: قرصنة تقوم على النهب والسلب المتمثلة في القرصنة الأوروبية، التي تقوم على القتل والظلم والسبي والفتك وبيع الرقيق واستعباد الناس وتنصيرهم إكراها، والقرصنة الثانية تعتبر نوعا من الحروب الدفاعية هدفها ضرب الاقتصاد؛ أي المتمثلة في القرصنة الإسلامية، التي تقوم على الدفاع عن حقوق الإسلام والمسلمين، والتي تتسم بطابع الجهاد. * إعادة كتابة التاريخ مازالت تشكل مسألة تشغل حاضر البلدان المغاربية منذ بداية الاستقلال، ومازالت إعادة التفكير في التاريخ الوطني لهذه البلدان من الإرهاصات الرئيسة ليس فقط المؤرخين والكتاب؛ بل كذلك أيضا بالنسبة لحركات السياسة والتيارات الإيديولوجية المغاربية، ما رأيك في هذا، ولماذا لا نجد إستراتيجية واضحة لإعادة كتابة التاريخ الوطني؟ إن أغلب المتخصصين في مجال التاريخ يرون أن تاريخ الجزائر مزور ويحتاج إلى إعادة، وهذه الفكرة يروج لها الأجانب من أجل طمس الهوية الجزائرية، ومن أجل التقليل من شأن تاريخ الجزائر الجهادي؛ ولكنني كباحثة في التاريخ أرى أن تاريخ الجزائر قد يشوبه الغموض في بعض الفترات، ويمكن أن تكون بعض الأحداث والأعلام مهمشة؛ ولكن هذا لا يعني أن تاريخ الجزائر مزور؛ لأنه لدينا العديد من المصادر المحلية، التي عاشت الحدث ونقلته بكل حيثياته الجزئية والكلية، خاصة تاريخ الاستعمار الفرنسي، وأنا أرى أن أفضل إستراتيجية لإعادة كتابة تاريخ الجزائر هو المطالبة بالأرشيف، الذي خبأ جرائم المستعمر، ونحن لا نريد إعادة الكتابة لتمجيد تاريخنا؛ لأن تاريخ الجزائر خالد مكتوب بدماء الشهداء منقوش في الذاكرة. إصدارك يحاكي الفترة الأليمة من تاريخ الجزائر، كيف تبلورت في ذهنك أن تستحضري تلك الوقائع والأحداث الأليمة ، وما هو إحساسك وشعورك قبل وأثناء وبعد تدوينك لأحداثها واستحضار مشاهدها، ماذا لو حدثتنا عن فصول كتابك وكيف للواقع والأحداث ومتغيراتها أثر وانعكاسات؟ لقد تعايشت مع الأحداث وغصت في أعماقها، لما تحمله من مجريات كنت أجهلها، وهذا السبب جعلني أتحمس للكتابة عن هذه الفترة التي لم تحض باهتمام الكثير من قبل المؤرخين، أو يمكن القول أنه لم يتم تسليط الضوء عليها، ولم يخصص لها فصولا كاملة في البرنامج الدراسي المتوسط والثانوي، رغم أن هذا الاستعمار دام لمدة ثلاث قرون في مدينة وهران، كما مس المناطق الساحلية الأخرى لفترات متباينة. ولقد تكلمت في المحور الأول من الكتاب عن العلاقات بين الكيانات السياسية: "المغرب الأوسط، الأتراك العثمانيين، إسبانيا "، حيث تضمنت الموقع الجغرافي لكل منطقة وطبيعة العلاقة قبل وبعد التصادم، وأوضاع المغرب الأوسط قبل الاحتلال الاسباني، وما كانت تعانيه من مشاكل مع جيرانها الدولة الحفصية والمرينية وانعدام الوحدة المركزية، كما تكلمت على أن الجزائر دولة رغما عن كل الظروف التي مرت بها، فلو لم تكن جوهرة ثمينة لما تكالبت عليها الدول الأجنبية. أما المحور الثاني فقد خصصته لدوافع ومراحل الاستعمار للساحل الجزائري وانعكاساته بالتفصيل. وفي المحور الثالث قمت بطرح الإشكال هل التواجد العثماني بالجزائر إبان الاستعمار الاسباني للجزائر يعد بمثابة استعمار ثان لها؟ لقد أجبت على هذه الإشكالية بكل موضوعية، كما فسرت أسباب الثورات التي كانت قائمة في أواخر العهد التركي، وأفضل أن لا أفصل في شرحها هنا لتشويق القارئ لقراءة الكتاب. أما في الفصل الأخير تكلمت عن دور الإخوة بربروس وخلفاءهم في تحرير المدن الساحلية ، وفي الخاتمة أقول أنه مهما بلغت عظمة العثمانيين وعبقريتهم فهم لم يكونوا صانعي النصر لوحدهم، كما لا ننكر دورهم إلا أن دور الجزائري أهمل بسبب قلة المصادر المحلية وتم إهمال فعاليته في المصادر التركية والأجنبية. * هل يمكن أن تحدثينا عن بعض مشاريعك الثقافية والأدبية المستقبلية، وما هي المؤلفات التي تنوين إصدارها في إطار تخصصك واهتماماتك؟ إن شاء الله سوف أكمل مشواري بإصدار مؤلفات أخرى في إطار تخصصي التاريخ، أما بالنسبة لمشاريعي المستقبلية فأفضل التحفظ وعدم البوح بها إلى أن أصل لها بإذن الله ، اقتداء بكلام الرسول (ص(: "اقضوا حوائجكم في السر والكتمان". كلمة أخيرة أهدي هذا الكتاب إلى سنداي والدي حفظهما الله؛ لأن لا أحد يستحق الإهداء غيرهما. شكرا لجريدتكم التي أصبحت منبرا متميزا.