هناك على ارتفاع 1238 م وعلى امتداد مساحة هكتارين وسط جبال الأطلس البليدي، حيث الهدوء والسكينة وعبق رائحة الأشجار بأنواعها الذي يأسر خيالك في مجال رحب للسياحة يتمثل في طبيعتها الجميلة وزخرفتها الإلاهية ... أين تجد المتعة إن شئت، والعبرة إن أردت ونزهة العين والفكر جميعا إذا تاقت نفسك لذلك، توجد أجمل المناطق السياحية التي يتباهى بها سكان البليدة لجمالها الأخاذ، إنها أعلى بحيرة في العالم تتربع بمرتفعات جبال تمزقيدة الواقعة بأعالي بلدية عين الرمانة بدائرة موزاية التابعة للحظيرة الوطنية للشريعة، أين تتوسط مساحة غابية شكلت بذلك لوحة تعكس الهدوء والطمأنينة تسمى بحيرة الضاية. «السلام» زارت المنطقة السياحية المحاطة بسلسلة غابية تحتوي على أنواع عديدة من النباتات وتجولت في فضائها الرحب المنقطع النظير، حيث سلكنا طرقها الملتوية والتي بدى لنا جليا أنها لم تعرف حالة تجديد أو اهتمام، واصلنا سيرنا وسط غابة تكسوها أشجار طاعنة في السن مع هدوء تام حتى وصلنا إلى ارتفاع فاق 1200 متر على مستوى سطح البحر، ولم نتأكد بعد من حقيقة وجود بحيرة في مثل هذا الارتفاع، وجدنا راعي غنم توجهنا نحوه وسألناه عن البحيرة فقال إننا على وشك الوصول، وما هي إلا مسافة ليست بالبعيدة حتى لمحنا مكانا واسعا يسوده البياض والاخضرار وتنوع أصناف الطيور يتوسط غابات كثيفة متنوعة النباتات والأشجار إنها البحيرة. كانت ساعتنا تشير إلى الثانية بعد الزوال عند وصولنا أين وجدنا عائلات تفترش ضفاف البحيرة يتناولون الغداء، كانوا قد فروا من ضجيج المدينة وفوضى السيارات والمصانع ليستمتعوا بسحر الطبيعة الهادئ. أسطورة البحيرة ... اختلفت الأقوال والأساطير حول منشأ هذه البحيرة، إلا أن ما نسب إلى تاريخ البحيرة هو الرجل الصالح سي محمد بوشاقور الذي كان له الفضل الكبير في المؤاخاة بين القبائل المتقاتلة فيما بينها بمدينة موزاية، ومكافأة منه لهذه القبائل وعدهم بمساعدتهم في استخراج خيرات المنطقة، أين قام بشق الجبل بفأسه فانفجر منه سيل جارف سمي بوادي الشفاء (شفة حاليا) وسمي بهذا الإسم نظرا لتسببه في شفاء مختلف الأمراض، بعدها أمر الرجل الصالح مختلف القبائل بإحضار قلة من الماء في كل صباح ليصبّها على رأس قمة الجبل ومن هنا نشأت أسطورة بحيرة الضاية المعلّقة التي لا تجف مياهها أبدا وتبقى وافرة حتى في أوقات الجفاف الشديد. هجرها الناس ... خوفا من لهيب سنوات الجمر تحدثنا إلى عمي محمد الذي قال إن المنطقة كغيرها من المناطق الجبلية لم تسلم من ويلات الإرهاب في سنوات الدم والدمار، حيث شهدت فرار العديد من العائلات التي كانت تعيش بضواحي المدينة بسبب تردي الأوضاع الأمنية في فترة ليست بالبعيدة، حيث هاجرها السكان وتركوا وراءهم الخيرات والأرزاق في أيدي الجماعات الارهابية المسلحة انذاك، أما الآن يضيف محدثنا فإننا نلاحظ التغيير الحاصل بعد استتباب الوضع الأمني، حيث تجد السياح والزوار يتسابقون للمجيء إلى هذه المنطقة لأخذ قسط من الراحة الجسدية أو الفكرية وللتأمل في إبداعات الخالق. غياب التنمية يرهن السياحة بالمنطقة تذمر العديد من الزوار الذين التقتهم السلام ببحيرة تمزغيدة من عدم استغلال مثل هذا المكان للتعريف أكثر بجغرافية بلادنا وناشدوا الجهات الوصية بضرورة التعجيل في استغلال هذه البحيرة كقطب سياحي جديد بولاية البليدة خاصة وأنه يتربع على مساحة هائلة تمتد الى الهكتارين، وأنّ طاقاتها الطبيعية تؤهّلها لاحتلال الريادة في مجال السياحة الغابية إذا ما تعوّل عليها الوزارة الوصية مستقبلا، وذلك بغية استقطاب محبي الطبيعة، ومن ثمّ خلق مصادر رزق آلاف العائلات وتحسين ظروف معيشتهم والتقليص من حدة البطالة التي يتخبط فيها شباب منطقة عين الرمانة، عن طريق توفير فضاءات تجارية وإقتصادية التي من شأنها أن تبرز الحرف التقليدية الخاصة بالمنطقة على حد تعبير الزوار. مخبرا إيكولوجيا لعلماء الطبيعة تمتاز بحيرة الضاية بتنوع كبير في الثروة الحيوانية والنباتية ،حيث أن الزائر إلى المكان يكتشف العديد من أنواع الطيور كاللقلق والنسر الملكي والحجل إضافة إلى البط والنسور والعقاب والعديد من الطيور المهاجرة، كما تعرف الغابة المحيطة بالبحيرة تنوع كبير في الاشجار والنباتات كأشجارالأرز الأطلسي وشجرة الكستناء والقندول، بالإضافة إلى عدة أعشاب طبية منها الفرسوان و«خياط الجراح»، وهي الأعشاب التي تستعملها النسوة في الطب التقليدي، وهي ميزات تؤهل المنطقة إلى اعتبارها مخبرا ايكولوجيا عالميا هاما، جعل البحيرة قبلة للباحثين.