نجحت كريستن لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في جر حكومة النهضة التونسية في إطار أوهام تخليص الأخيرة من هشاشة اقتصادها ووضعها المالي المزري بعد الثورة الشعبية من خلال رسم معالم سياسة تقشفية ستتبناها تونس السنة المقبلة، إلى المصادقة على شروط مفخخة ستضرب استقرار البلاد من كل النواحي، في محاولة واضحة من المنظمة المالية العالميةلإعادة استنساخ سيناريو ما حبكته للجزائر سنوات التسعينيات لاستنزاف ثرواتها . حيث كشفت مراسلة سرية ممضاة من قبل الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي وإلياس الفخفاخ وزير المالية التي تستعرض فيها حكومة النهضة مع لاغارد تفاصيل وبرامج وكذا السياسات الاقتصادية والمالية التي برمجتها ممثلة صندوق النقد الدولي لتجسد في شكل مخطط تقشفي ستتبناه تونس خلال السنة المقبلة، سعي المنظمة العالمية إلى الإجهاز على الثروات التونسيةوتدمير ما بقي من هياكل مختلف قطاعاتها، مستغلة الفوضى التي تعيشها البلاد لتعرض نفسها كصاحبة الحلول، حيث أقدمت الحكومة التونسية ودون المصادقة على ما اقترحته لاغارد بشكل ديمقراطي، من طلب قرض بقيمة 2.7 مليار دينار تسدده على خمس سنوات على شكل أقساط محددة كل ثلاثية مثلما ورد ذلك في الوثيقة المسربة، لتدخل بذلك تونسالجديدة تحت رعاية حركة النهضة إلى نفس النفق الذي سارت فيه حكومة بن علي وباتت تلوح بتطبيق نفس أهداف الأخيرة التي ضن الشارع التونسي أنه تخلص من معالم التقشف التي أفرزتها، حيث تقول جملة الإجراءات التي أوردتها الرزنامة التي فصّلت علىقياس التوجهات النيوليبرالية بالترفيع في أسعار المحروقات خلال سنة 2013، فضلا عن مصادقة مجلس الوزراء على دور الدولة وتدخلها مستقبلا في القطاع البنكي، إلى جانب إلغاء البنك المركزي لكل القيود المسلطة على التوريد، وكذا مصادقة مجلس الوزراء على صيغة جديدة لتحديد أسعار الطاقة بشكل آلي.هذه الإجراءات اعتبرتها الجبهة الشعبية "ائتلاف أحزاب اليسار بمختلف أطيافه" وكذا القوة المعارضة الرئيسة للحكومة تعطيلا واضحا لمسار ثورة 14 جانفي 2011، مؤكدة رفقة المصدر الذي سرب الوثيقة لجريدة الشعب التونسية أنها بمثابة شروط فرضت بصفة مباشرة من المؤسسة التي تترأسها لاغارد التي هددت بإغراق البلاد اقتصاديا في حال تجاهل تونس لهذاالبرنامج، الذي يجسد بشكل واضح فلسفة صندوق النقد الدولي والمتمثلة في تمكين الحكومات الجديدة من قروض وإلزامها باتفاقيات تعزز النموذج النيوليبيرالي الذي يفضي إلى جعل سوق الشغل غير مستقر، إضافة إلى ذلك وفيما تعتزم حكومة النهضة مباشرة هذه السياسة التقشفية المجهزة في مطبخ صندوق النقد الدولي تحت ذريعة التخفيض من نسبة العجز، أغفلت الديون المتخلدة بذمة هذا البلد العربي والتي ستشكل حتما حاجزا أمام تقدمه، وهو ما تسعى لاغارد الوصول إليه بعدما فشلت في تجسيد هذا السيناريو مع الجزائر سنوات التسعينات أين حاول ممثلو صندوق النقد الدولي دفع سلطتنا حينها إلى تبني إستراتيجية اقتصادية مالية خبيثة تكتسي معالم مزيفة توحي بإمكانية إنقاذ الاقتصاد الذي أنهكته صراعات العشرية السوداء، للوصول في الأخير إلى تمكين المنظمة العالمية من استنزاف الثروات الجزائرية وجر البلاد إلى خراب اقتصادي شامل على جميع الأصعدة، والتدخل بعدها لفرض منطقها ونهب ما تستطيع.