من لطف الله سبحانه وتعالى وعظيم نواله أن جعل أبواب الخير في رمضان مشرعة وأغدقه بأعمال من البر مترعة، ألا وإن من جملة تلك العبادات التي حث الشارع عباده عليها تفطير الصائمين، الذي ارتبط فضله وأجره بمنزلة الصوم، ومكانة الصائمين عند الله عز وجل، ولذا كان الجزاء على تفطيرهم عظيما يتناسب مع منزلة الصوم، ومكانة الصائمين فقد ثبت عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) قال العلامة المناوي: «(من فطر صائما) بعشائه وكذا بنحو تمر فإن لم يتيسر فماء (كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)، ثم يتابع فيقول: فقد حاز الغني الشاكر أجر صيامه هو أو مثل أجر الفقير الذي فطره، ففيه دلالة على تفضيل غني شاكر على فقير صابر، وقال شيخ الإسلام: والمراد بتفطيره أن يشبعه، وفي الحديث من الفقه أن كل من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه أجر مثل العامل، وإذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من جهز غازيا فقد غزا، فكذلك من فطر صائما، أو قوّاه على صومه، وكذلك من أعان حاجا أو معتمرا بما يتقوى به على حجه، أو عمرته حتى يأتي ذلك على تمامه، فله مثل أجره». وقد كان عبدالله بن عمر رضي الله عنه يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقى في الجفنة، فيصبح صائما ولم يأكل شيئا، وهذا الحسن البصري يطعم إخوانه وهو صائم تطوعا ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وأثر عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يفطر كل ليلة في شهر رمضان خمسين إنسانا فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوبا ثوبا، وقال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه، واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاما وكان صائما، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاوي، ومما ينشأ عن عبادة تفطير الصائمين عبادات كثيرة منها: - التودد والتحبب إلى المطعمين فيكون ذلك سببا في دخول الجنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)، ومجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك، يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى معددا فضائل الجود في رمضان ومنها: «إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم»، ومن البشائر أن تجد هذه السنّة بفضل الله ما زالت قائمة، يتسابق إليها الناس وينشأ عليها الجيل بعد الجيل، فابذل القليل من مالك تغنم الكثير منتهى مآلك، وأسعد صائما بفطرك تنعم بها يوم نشرك، فبادر ولا تنس فبين يديك شهر الجود والإحسان.