يرى سياسيون ومختصون في القانون الدستوري أن إدراج مقترح بالدستور القادم يجعل المصالحة الوطنية من ثوابت الأمة في مادة جديدة تعدل ديباجة الدستور الجزائري، أمرا ليس ذي أولوية، ويطرح عديد التساؤلات، ويعطي الانطباع أن الشعب الجزائري "عنيف" ينبغي تقييده بمادة دستورية. وأدخلت وثيقة الاقتراحات المتعلقة بتعديل الدستور التي وجهتها رئاسة الجمهورية للأحزاب السياسية والشخصيات والمنظمات الوطنية تعديلات على ديباجة القانون الأساسي للبلاد، تتمثل في التأكيد على أن "المصالحة الوطنية" ثابت من ثوابت الأمة، لأول مرة في تاريخ الدستور الجزائري و"إن الشعب الجزائري يتبنى لنفسه مبادئ سياسة السلم والمصالحة الوطنية، ويظل مقتنعا بأن احترام هذه المبادئ يساهم في الدفاع عن القيم المشتركة، ويعد السبيل التوافقي الذي يحمي مصالح المجموعة الوطنية". وفي هذه النقطة، اعتبر المكلف بالإعلام والاتصال في حزب جبهة التحرير الوطني سعيد بوحجة في تصريح ل"السلام"، أن إدراج مادة بحد ذاتها في الدستور الجزائري حول المصالحة الوطنية مكسب جديد من شأنه تعزيز أمن واستقرار الجزائر في المستقبل، وأن تبني خيار المصالحة بالقانون الأسمى بالبلاد يمنحها خاصية من الخصائص السياسية التي تجعلها أمرا يعزز الاستقرار، وأن هذا المقترح أمر مهم وجيد بالنسبة لكل الجزائريين وفي مصلحتهم جميعا. ولم يشر المتحدث الى ما إذا كان المقصود من هذه المادة هو تعبيد الطريق للذهاب نحو إقرار عفو شامل، رابطا إياه بتحقيق أمن الجزائريين. ويعتقد الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي، أن "المصالحة الوطنية هي فعلٌ قبل أن تكون جزئية فقط، يتم إدراجها في ديباجة الدستور أو أي شق آخر منه، وأن المصالحة الوطنية قبل أن تكون مادة هي فلسفة وقناعة وإرادة سياسية"، في إشارة منه إلى أن إدراجها في القانون الأسمى بالبلاد ليس من شأنه أن يضيف شيئا. وقال الأمين العام لحركة النهضة في تصريح ل"السلام" إن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أتى به الرئيس بوتفليقة وأصبح قانونا لم يطبق بالشكل المطلوب، وبالتالي فالقانون موجود لا يحتاج مادة دستورية الآن. وفضل رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي الحديث عن الطريقة التي سيأتى بها هذا الدستور، بدل الخوض في أي مادة من مواده المقترحة، وقال في تصريح ل"السلام"، "لا يمكن تسليط أي أفكار على الشعب ولا يمكن تعديل الدستور أو إدراج أي مادة من مواده بدون العودة إلى سلطة الشعب، وانتهاج نفس الطريقة التي أتى بها الدستور سابقا"، مفضلا أن يكون هذا التعديل بتأشيرة من الشعب بدل البرلمان. ويرى الأستاذ في القانون الدستوري، مسعود شيهوب، أن إدراج مادة بمقترح التعديل الدستوري يتم فيها اعتبار المصالحة الوطنية من ثوابت الأمة أمر لم يكن ضروريا، وليس هناك ما يستدعيه، معتبرا أن الإقبال على هذا التعديل يعد تأكيدا غير مباشر أن الشعب الجزائري شعب "عنيف" لابد من تقييده بمادة دستورية. وأضاف شيهوب أن العبرة ليست في الإكثار من المواد الدستورية التي تخص كل شيء، لأن الأمر هنا يتعلق بالدستور وليس بقانون عضوي، وأن الأهم من كل ذلك هو كيفية الفصل بين السلطات وإحداث التوازن بينها، وتحديد طبيعة النظام السياسي. وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وعد خلال الحملة الانتخابية وعلى لسان منشطي حملته بالعمل على تعزيز المصالحة الوطنية خلال عهدته الجديدة، لكن من دون إعطاء تفاصيل حول ما إذا كان هذا الدعم سيشمل إصدار عفو شامل. ووجهت رئاسة الجمهورية دعوة إلى ثلاثة قياديين في الحزب المحظور للمشاركة في المشاورات المرتقبة حول مسودة تعديل الدستور، وهم الهاشمي سحنوني، عبد القادر بوخمخم ومدني مزراق، وهو ما يفتح احتمالات حول تقديم مقترحات حول العفو الشامل.