»سأهنئ اليونيسكو قبل أن أهنئ فلسطين، اليوم خرج رأس المولود الفلسطيني الجديد من رحم العالم، وسيكتمل خروج بقية جسد المولود هناك في الأممالمتحدة بنيويورك خلال الأيام القادمة بإذن الله. اليوم لم تولد فلسطين، بل ولدت يونيسكو جديدة، يونيسكو ملامحها قوة العدالة بعد أن هيمنت عدالة القوة لعقود. اليوم نحن أمام أول نتاج لإطار الإنسانية الجديدة الذي جعلته السيدة إيرينا بوكوفا مدير عام اليونيسكو المسار الرئيس لإدارتها لهذه المنظمة منذ أن أعلنت ذلك في انتخابات المدير العام الجديد عام 2009. ها هي السيدة بوكوفا تفي بوعدها الانتخابي، على رغم حيادها الإجرائي في عملية التصويت. لم نفاجأ بتصويت بعض الدول ضد القرار، لكني عجبت أن عدداََ من الدول المعترضة كانت تثني في خطاباتها أمام المؤتمر العام على الربيع العربي، لكن هذه الدول نفسها لا ترى مانعاً من أن تبقى فلسطين في «خريف» دائم. وأخيراً... فلن أستبق الأحداث، لكني أقول إذا أقامت فلسطين والمجموعة العربية احتفالية بهذه المناسبة، وأظنها ستفعل، فسنوجه الدعوة للذين قالوا (لا) قبل الذين قالوا (نعم)، حتى نؤكد ونسترجع روح الأسرة اليونيسكية الواحدة، ولأننا نعلم بأنهم لم يقولوا (لا)، لأنهم يكرهون فلسطين، لكن لأنهم مُكرهون على قول (لا) بسبب ضغوط خارجة عن إرادتهم». وضعت هذه العبارات المعدودة في كلمتي القصيرة التي ألقيتها باسم بلادي المملكة العربية السعودية، في أعقاب التصويت، الاثنين الماضي، على قبول عضوية فلسطين الكاملة في منظمة اليونيسكو. جئت إلى اليونيسكو، قبل خمس سنوات، وأنا أسمع أصوات بعض السياسيين وإعلاميي السياسة وهم يصفون اليونيسكو بالمنظمة الهامشية والهزيلة التي لا تصنع حدثاً ولا تغير شيئاً ولا تحرك ساكناً. يقولون هذا عن اليونيسكو وهي التي تضع داخل معطفها أربعة ملفات هي الهم الأول لأبناء السياسيين وإعلاميي السياسة: (التربية، الثقافة، العلوم، الإعلام والاتصال)! جاء مراسل الفضائية، التي تؤمن بهامشية اليونيسكو، ولم يكد يجد له مكاناََ بين كاميرات التلفزيونات العالمية الغربية والعربية، بل وقامت العديد من كبريات القنوات العالمية كال»بي بي سي» و»فرانس 24» وغيرهما، بالبث المباشر لجلسة التصويت، ثم كانت نتائج التصويت هي الخبر الأول في نشرات الأخبار طوال يوم الاثنيني الماض، والصفحات الأولى من صحف أمس الثلاثاء. أريد أن أؤكد ما قلته مسبقاََ بأننا أيضاََ أمام ولادة يونيسكو جديدة... تسلب الاهتمام وتلوي الأعناق، منظمة دولية خالية من «الفيتو»، لأنها قائمة أساساََ على مبدأ المساواة وحقوق الإنسان وحرية الرأي. قطفت اليونيسكو الآن «القطفة الأولى» من ثمرة دولة فلسطين، ومهما يكن قرار الأممالمتحدة المنتظر حيال الطلب الفلسطيني والذي نأمل أن يكون إيجابياََ، فإنه سيُعدّ «قطفة ثانية». بذلك التصويت التاريخي، أصبحت فلسطين دولة... وأكدت اليونيسكو أنها منظمة غير هامشية.بقراءة معمقة لنتائج التصويت، فإن «الحدث» هو ليس انضمام فلسطين لليونيسكو، بل هو مستجدات الموقف الغربي من إسرائيل! من الطبيعي أن تصّوت الدول العربية مع القرار، ومن المتوقع أن تفعل ذلك دول افريقية وآسيوية، وليس عجيباََ أن تقف مع القرار دول لاتينية، لكن الجديد والحدث بذاته هو أن تصوّت دول غربية أوروبية كبرى مع القرار، وحتى الامتناع البريطاني سيكون ذا دلالة أكبر بكثير لو رأيناه هكذا: بريطانيا لم تمتنع عن قول نعم لفلسطين، بل هي امتنعت عن قول نعم لإسرائيل! إنها بلا شك سابقة تاريخية في الموقف البريطاني المعهود من إسرائيل هل هذه مؤشرات ورسائل بأن الغرب بدأ ينفد صبره ويستثقل تصرفات ومشاكسات الولد الشقي المدلل «إسرائيل»؟! بالفعل... لا شيء يخدم قضيتك أفضل من رعونة وحماقة عدوك. شكراََ نتنياهو... إسرائيل بدأت تزول!