تعد دار الإمزاد التي دخلت مساء يوم الجمعة حيز النشاط الفعلي بمدينة تمنراست فضاء ثقافيا يراهن عليه في المحافظة وترقية التراث المادي واللامادي، وتعزيز جهود حماية الهوية الوطنية بمختلف أبعادها الثقافية. وجرى تدشين هذا الصرح الثقافي الجديد الذي تزامن مع فعاليات اللقاء الدولي لمهرجان الإمزاد في طبعته الثالثة (11-18 نوفمبر 2011) التي انطلقت اليوم بعاصمة الأهڤار، بحضور الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلفة بالبحث العلمي سعاد بن جاب الله، وإطارات مركزية من وزارة الثقافة ورئيسة جمعية “من أجل إنقاذ الإمزاد” وهي الجهة المبادرة بهذا المشروع، بالإضافة إلى وفود من الضيوف والمدعوين. ويأتي هذا المرفق الثقافي ليعزز جهود التكوين والتواصل بين الأجيال، وحماية التراث الثقافي العريق الذي تشتهر به هذه المنطقة من الجنوب الكبير، ذلك أن تسميتها المرتبطة بفن آلة الإمزاد يحمل أكثر من رمزية لمدى أصالة هذا التراث الغنائي الأصيل. ويتربع هذا المكسب الثقافي على مساحة 10 آلاف متر مربع، ويحتوي على طابقين في شكل ورشة مخصصة للغناء ومتحف وقاعة متعددة الإختصاصات ومدرسة لموسيقى الإمزاد، التي كان يحتضنها بصفة مؤقتة مركز التكوين المهني لمدينة تمنراست حسب البطاقة الفنية للمشروع. كما يتضمن هذا المشروع الثقافي الهام عدة قاعات للموسيقى وأخرى للدروس ومخبر للسمعي البصري وقاعة للإعلام الآلي، وقسم آخر مخصص لاستقبال وإيواء الفنانين الذين يزورون المنطقة. ويتكون مركز الإيواء من 14 قاعة للضيوف مفتوحة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، لكل فنان يرغب في جعل منطقة الأهڤار مصدر استلهام، علما أن كل فنان يستفيد من إقامة في دار الإمزاد يتعين عليه مقابل ذلك تلقين فنه لتلاميذ المدرسة، كما أوضحت رئيسة الجمعية السيدة فريدة سلال. وكان موعد التدشين فرصة للتعريف بمحتويات وأجنحة هذا المكسب الثقافي الجديد، وإبراز مدى مساهمة هذا الفضاء مستقبلا في مبادرات حماية الهوية الوطنية من خلال المحافظة على الثراء والتنوع الثقافي والغنائي الذي تزخر به الجزائر، وما يقدمه من دعم للتبادلات الثقافية بين دول المنطقة. ويشرف على تعليم فن الإمزاد بهذا المرفق الثقافي الذي يحصي نحو 160 متمدرسة طاقم تكويني يضم 7 مؤطرات حسب الشروحات المقدمة من قبل مسؤولي الجمعية. هذا وقامت جمعية “من أجل إنقاذ الإمزاد” بتكوين أكثر من 20 فتاة عازفة على آلة الإمزاد منذ سنة 2003 حسب ذات المسؤولين. وتجري بهذا الفضاء الثقافي العديد من المسابقات الثقافية المتنوعة في التراث المادي واللامادي، التي تنظم في إطار هذا الحدث الثقافي والفني على غرار مسابقة في الشعر والتراث الشفوي. كما تحتضن دار الإمزاد كذلك سلسلة من المعارض والأجنحة المتعلقة بأنشطة جمعية “من أجل إنقاذ الإمزاد” التي تقام ضمن فعاليات هذا اللقاء الثقافي والفني، وذلك بعرض وبيع عينات من الصناعات التقليدية والفنية التي تشتهر بها المنطقة. وتنظم بهذا الهيكل الثقافي أيضا مسابقات أخرى تتعلق باختيارأجمل فتاة عازفة على آلة الإمزاد، وأخرى في العزف على التازمارت وهي آلة موسيقية تقليدية، بالإضافة إلى مسابقات في رقصات شعبية مشهورة ومن بينها رقصة “التاكوبا” و«التيندي” ومسابقة الإمزاد والشعر، وأخرى حول أجمل جمل ومسابقة استعراض رقصات بالسيوف. كما أدرجت أيضا مسابقات في طبوع غنائية تارڤية من بينها نوع من الغناء التارڤي تؤديه مجموعات صوتية نسوية، مصحوبا برقصات الرجال المعروف محليا بإيسوات وتزنقرحيت، وأخرى في الرقص والغناء بالبارود. والإمزاد آلة موسيقية قديمة خاصة بالثقافة الغنائية التي يشتهر بها المجتمع التارڤي، وهي ترافق الأغاني والأهازيج التي تتناول بطولات المحاربين التوارڤ البارزين، علما أن العزف على هذه الآلة المحدبة ذات الوتر الواحد يقتصر على النساء فقط. كما يعد الإمزاد في ثقافة الرجل الأزرق أيضا من الفنون الموروثة المقدسة، بحكم أنه يعزف في ظروف يحتاج فيها الرجل التارڤي إلى تمجيد بطولاته. ويعكس هذا الفن الغنائي العريق جانبا من أعماق الحضارة الإنسانية. وتعتبر آلة الإمزاد عند التوارڤ أنها ليست أداة للطرب فحسب بل ذات بعد وأهمية ثقافية واجتماعية كبيرة، وتعد جزءا من التركيبة الشخصية والإجتماعية لتوارڤ الأهقار لما تخلفه من تأثير شديد في نفوس وعواطف الرجال بالخصوص، الأمر الذي جعل (اليونسكو) تصنفها ضمن التراث الثقافي العالمي.