شكل اللقاء الدولي الثالث لمهرجان الإمزاد الذي جرى بتمنراست من 11 إلى 18 نوفمبر، موعدا لتثمين الموروث المادي والمادي الذي يزخر به التراث الثقافي الوطني بكل أبعاده وحدثا مميزا بهذه المنطقة من الجنوب الكبير وكانت هذه التظاهرة الثقافية والفنية التي اختتمت فعاليتها الجمعة المنصرم بعاصمة الأهقار بتوزيع الجوائز على المشاركين والفائزين في بعض المسابقات وتنظيم سهرة غنائية مفتوحة مناسبة للكشف عن جوانب من التراث الغنائي النادر الذي تشتهر به منطقة الأهقار المتمثل في اللون الفني العريق المعروف ب «الإمزاد» والتراث الشفهي التارڤي كالشعر باعتبارهما من روافد التراث الثقافي الوطني. وأجمع في هذا الخصوص الباحثون والمختصون في الأنتروبولوجيا والمهتمون بالتراث الشفهي وموسيقى الصحراء ضمن أشغال الندوات والمداخلات التي نشطت بالمناسبة حول موضوع «شعر رجل الصحراء»، على أهمية اعتماد وسائل ناجعة للمحافظة على هذا الرصيد الثقافي وحمايته من الإهمال ومن عوامل الإندثار أمام ما أصبح يعرف بزحف العولمة الثقافية. وتطرق المشاركون إلى موضوعات تتعلق ب «شعر العزلة» و»شعر الشرود ورونق الصحراء» و»فن الآياي .. أغنية مقدسة لدى البدو» و»العلاقات العاطفية في الشعر البدوي» و»الشعر والهوية ومختلف أصناف الشعر التارقي» و»الحياة الخاصة والشخصية» و»من شعراء فنانين تقليديين إلى عازفين معاصرين». وحاول المتدخلون في هذه الندوات الأكاديمية التي احتضنها دار الثقافة لمدينة تمنراست على مدار ثلاثة أيام من وقائع هذا الحدث الثقافي حول الإمزاد الكشف عن بعض خصوصيات الشعر والغناء الصحراويين والعلاقة المتلازمة بينهما، باعتبارهما يمثلان انعكاسا طبيعيا وروحيا لحياة البدو والترحال وهي الحياة التي ترتبط بهوية وحضارة تعودان إلى آلاف السنين. وتم التركيز في نفس السياق أيضا على مسألة علاقة رجل الصحراء ببيئته وتأثره بها وهو يتجلى في منظومة الشعر الصحراوي الذي يحمل في كثير من الأحيان بصمات البيئة المحيطة بالرجل الأزرق كما أجمع على ذلك المتدخلون. وبالمناسبة ثمن الجميع هذه المبادرة التي قامت بها جمعية «من أجل إنقاذ الإمزاد» لإحياء التراث المادي وغير المادي والتي مكنت المشاركين من الإستمتاع ببانوراما خلابة بمنطقة الأهقار، حيث لا أحد يمكنه مقاومة جاذبية هذا المنظر الطبيعي وألوانه الجذابة. ويتمثل المشهد الآخر من هذه التظاهرة الثقافية والفنية في سلسلة الأنشطة المتنوعة التي نظمت ضمن فعاليات هذا الموعد والتي تتمثل في مسابقة «ميساس نيمزاد» (أجمل عازفة على آلة الإمزاد) ومسابقة «إيحاكيت إيحوسين» (أجمل خيمة معروضة) ومسابقة «أميس إيلحوسين» (أجمل جمل بكل ممتطياته)، وهذا إلى جانب تنظيم تظاهرة «أناف» (سباق الجمال). واحتضنت من جهتها دار الإمزاد التي دشنت بالمناسبة إلى جانب بعض المسابقات المبرمجة العديد من الأنشطة الأخرى ذات الصلة بتراث الإمزاد والشعر وفي رقصات الغناء والبارود ومسابقات في الشعر والتراث الغنائي التارقي وفي ألوان موسيقية معاصرة وفي إيسوات وتزنقرحيت» (نوع من الغناء التارقي تؤديه مجموعات صوتية نسوية مصحوبا برقصات الرجال). كما تحول هذا الفضاء أيضا إلى مسرح لعروض فنية رائعة في رقصات «التيندي» و»الجاقمي» و»التاكوبا». وفي عزف وصلات غنائية على بعض الآلات الموسيقية التقليدية وهي العروض التي أطربت الجمهور. وأقيمت بنفس المناسبة بهذا المرفق الثقافي الجديد تظاهرة عرض وبيع منتجات الصناعات التقليدية وأخرى في فنون الرسم وأجنحة للجمعية الثقافية المحلية «من أجل إنقاذ الإمزاد» والتي كان الهدف منها أيضا تثمين الموروث المادي واللامادي والتعريف به للأجيال الناشئة كما أوضح المنظمون. وكانت الأنشطة الموسيقية حاضرة بقوة في وقائع هذا المهرجان من خلال المشاركة الواسعة للعديد من الفرق الموسيقية التي تنشط في تراث الإمزاد من منطقتي الأهقار والطاسيلي آزجر ( إيليزي) بالإضافة إلى فرق فنية من بعض جهات الوطن وأخرى من دول مجاورة (مالي والنيجر)، والتي صنعت أنشطتها الفنية فسيفساء موسيقية رائعة تتشكل من ألوان غنائية متنوعة. وقد صنعت هذه الفقرات الثقافية والعروض الفنية المتنوعة ضمن فعاليات هذا اللقاء الدولي الثالث حول الإمزاد والتي تواصلت على مدار أسبوع بكامله أجواء غير مألوفة في عاصمة الأهقار التي احتفلت بالإمزاد، حيث سجل تجاوب واسع مع هذه الباقة من الأنشطة الثرية في أوساط سكان تمنراست الذين كانت لهم الفرصة لاكتشاف جوانب من روائع التراث الثقافي الوطني بكل تفاصيله. ويذكر أن هذه التظاهرة الثقافية والفنية نظمتها الجمعية الثقافية «من أجل إنقاذ الإمزاد» بالتنسيق مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام. والإمزاد هو آلة موسيقية قديمة خاصة بالثقافة الغنائية التي يشتهر بها المجتمع التارقي. وهي ترافق الأغاني والأهازيج التي تتناول بطولات المحاربين التوارق البارزين. ويقتصر العزف على هذه الآلة المحدبة ذات الوتر الواحد على النساء فقط. وتذكر مصادر أن الإمزاد في ثقافة الرجل الأزرق يعد أيضا من الفنون الموروثة المقدسة بحكم أنه يعزف في ظروف يحتاج فيها الرجل التارقي إلى تمجيد بطولاته. ويعكس هذا الفن الغنائي العريق جانبا من أعماق الحضارة الإنسانية.