بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق ميترو الجزائر، لايزال يشهد توافد المواطنين المنبهرين بهذا الحلم الذي لطالما انتظروه لمدة 30 سنة، ما جعل الكثيرين يجربونه بدافع إشباع الفضول ليس إلا،غير أن بعض السلوكات المشينة لم تلبث وأن طالت وسيلة النقل الجديدة. من جهتها «السلام اليوم» قامت بزيارة لمحطة الميترو بحي البدر للوقوف على ردود فعل المواطنين الذين يتوافدون يوميا منذ انطلاق الميترو بداية الشهر الجاري، رجال ونساء من مختلف الأعمار منهم من جاء بمفرده ومنهم من رافق كل العائلة لمجرد اكتشاف وسيلة النقل الجديدة، خاصة وأن منهم من لا يعرف ما هو الميترو وآخر لم يره سوى في التلفاز، ولكن أغلبهم قصدوا المحطة لتجربته، هذا وعبر العديد من المواطنين عن استحسانهم لتوفر حراسة أمنية مشددة من خلال الانتشار المكثف لأعوان الشرطة في عدة نقاط من المحطة، الأمر الذي جعل الجميع يشعر بالأمن بعد أن كان الظن السائد أن الميترو سيكون ملاذ المنحرفين، ولكن الأجواء داخل المحطة تبعث على الارتياح خصوصا مع وجود كاميرات المراقبة التي تسهل عمل الشرطة. التمسنا فرح العديد من المواطنين لانطلاق رحلات الميترو إضافة إلى انبهار بعضهم من النمط الذي صممت عليه محطاته من حيث المرافق ما جعل الجميع يعترف أنه لا يقل شأنا عن متروهات أكبر البلدان في العالم كونه أقيم وفقا لمقاييس عالمية. علي، 50 سنة، التقينا به في الميترو، قال: «ليست المرة الأولى التي أستقل فيها الميترو، حيث جربته يومين بعد انطلاقه، في الحقيقة كنت شابا في العشرين عندما انطلق مشروع الميترو ومنذ ذلك الحين وأنا أنتظره كباقي الموطنين»، سكت للحظة وواصل: «بعد إحالتي على التقاعد، جاء الميترو، ليته كان موجودا عندما كنت أعمل لكان قد وفر علي عناء التنقل»، أما حسيبة 42 سنة فتقول: «لم أكن أتوقع أن يكون الميترو على هذا القدر من الرفاهية في الاستعمال سواء ما تعلق بالمركبة أو المحطة في حد ذاتها». الزهرة 60 سنة عجوز، عبرت عن رغبتها في رؤية الميترو والتي تقول أنها سمعت عنه منذ أن كانت شابة وهي تؤكد أنها ستجربه عندما تسنح لها الفرصة. شباب في رحلات لاكتشاف الميترو هذا ويلاحظ على مستوى المحطة العدد الكبير من الشباب الذين جاءوا خصيصا لتجربة الميترو، يقول أمين 23 سنة: «لا أكذب عليكم، ليس هناك شيء معين يجعلني أستعجل التنقل في الميترو، ولكنني قدمت خصيصا لتجربته»، في حين تقول وردة 19 سنة: «جئت مع صديقتي خصيصا لنركب الميترو، فالجميع جربه ولا نستطيع أن نكون خارج هذا الإنجاز الجديد، فعيب أن لا نعرف كيف نستعمل الميترو أو ما هي محطاته، خاصة وأننا من العاصمة». أما نبيل 30 سنة فيقول: «ليست المرة الأولى التي أستقل فيها الميترو، خاصة وأنه أراحني من عناء التنقل في حافلات نقل المسافرين مع ما يصاحب ذلك من مشاكل تزاحم وضياع جل الوقت في التنقل»، وهكذا اختصر الميترو مسافات في وقت وجيز جعلت العديد من المواطنين يستغنون عن حافلات النقل وحتى سيارات الأجرة، تقول ربيعة: «كنت أركب أكثر من حافلتين للوصول إلى مكان عملي ما يجعلني أستيقظ مبكرا ولكن الآن ارتحت مع توفر الميترو». هذا واستحسن المواطنون توفر الميترو كل 10 دقائق ما قضى على ملل الانتظار الذي لطالما لازمهم وهم واقفين في محطات نقل المسافرين. مواطنون يأملون في تحديد سعر يتوافق مع المسافة المقطوعة كل هذه الإيجابيات نالت رضا الجميع، إلا أن ما يثير استياء البعض ممن تحدثنا إليهم هو سعر التذكرة التي أكدوا أنها مرتفعة وفي هذا الصدد يقول إلياس: «لقد صار الميترو وسيلة النقل المفضلة بالنسبة إلي والتي توصلني بسرعة للعمل، ولكن ما يؤرقني هو غلاء التذكرة المقدرة ب50 دينارا، أي أنني أصرف 100 دينار ذهابا وإيابا كل يوم، ما يجعلني أخصص مبلغ 2000 دينار شهريا كتكلفة التنقل عبر الميترو. هذا ويمتنع بعض المواطنين عن استعمال الميترو نظرا لتكلفته التي وصفوها بالباهظة ولا تتماشى مع قدراتهم المادية لاسيما بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، يقول سليم: «لا أتقاضى سوى مليون ومئتين الف سنتيم شهريا فهل أستطيع دفع مبلغ 100 دينار يوميا ثمن الذهاب والإياب»، هذا وأبدى سليم أمله في خفض تسعيرة الميترو ليصبح وسيلة النقل الأكثر شعبية، في حين أشار صديقه إلى الثمن الموحد والذي لا يراعي المسافة المقطوعة بالقول «يمر خط الميترو على عشر محطات رئيسية تنطلق من حي البدر إلى تافورة، فهل يعقل أن يدفع من يقطع المسافة من حي البدر إلى أول ماي نفس الثمن الذي يدفعه من يواصل التنقل إلى تافورة»؟ أما عن خدمة الاشتراكات الشهرية التي وفرتها مؤسسة ميترو الجزائر والتي دخلت حيز التطبيق في الأيام القليلة الماضية، فهي تمنح لمستعملي الميترو تخفيضات رمزية، وهي المبادرة التي لاقت استحسان البعض، في حين اعتبرها آخرون تخفيضا شكليا لا يسمح للمواطن البسيط باستعمال الميترو. وفي الوقت الذي عبر فيه البعض عن استيائهم، بل واعتبروا سعر التذكرة مبالغ فيه لوسيلة لطالما انتظروا انطلاقها بفارغ الصبر، وجد البعض الآخر أن السعر لا يهم مادامت الوسيلة تمكنهم من التنقل براحة وفي وقت قصير، يقول عبد القادر: «لن أستقل إلا الميترو خصوصا وأنا أعمل بالقرب من محطة تافورة ولا يهمني ثمن التذكرة مادمت لن أواجه مشكلة في النقل».هذا وتمنى بعض محدثينا إعادة النظر في ثمن التذكرة حتى يكون استعمال الميترو في متناول الجميع. الطلبة يريدون التنقل عبر الميترو مقابل اشتراكات أصبح الميترو وسيلة حلت أزمة تنقل العمال والطلبة على حد سواء، إلا أن ثمن التذكرة لا يراعي ظروف الطالب على حد تعبير الطلبة الذين رصدنا آراءهم، حيث تقول كاميليا طالبة جامعية في الجامعة المركزية: «صحيح أنني صرت أصل إلى الجامعة في الوقت المحدد، إلا أن ثمن التذكرة يمنع تنقل غالبية الطلبة عبر الميترو»، وهو الرأي الذي يشاطرها إياه الكثير من الطلبة الذين طالبوا باستعمال الميترو مقابل اشتراك سنوي نظير للاشتراكات السنوية التي اعتادوا دفعها في القطارات. ولسائقي الوسائل الأخرى رأي في الميترو يعتبر سائقو حافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة المتضرر الأول من إطلاق الميترو، كونه يستوعب عددا كبيرا من الركاب، هذا ما كان يظنه البعض قبل انطلاق الميترو، ولكن الواقع مغاير لهذا، حيث يرى بعض سائقي الطاكسي أن انطلاق الميترو لن يزيد ولن ينقص شيئا، خاصة أمام تكلفته الباهظة، إضافة إلى قصر المسافة التي يقطعها ما جعل المواطن يتمسك بوسائل النقل الأخرى، حيث لاتزال سيارات الأجرة والحافلات تشهد حركة نشيطة من حيث نقل المواطنين إلى مناطق قد لا تشكل نقاطا بارزة، إلا أن الميترو لا يمر منها رغم أنها تشهد كثافة سكانية كبيرة. عشاق وجدوا من الميترو أحسن وسيلة للنزهة من السلوكات التي ما لبثت وأن انتقلت إلى الميترو هي وجود بعض المراهقين الذين لم يحضروا بمفردهم وإنما رافقوا صديقاتهم في جولة عبر الميترو، حيث باتوا ينتشرون في زوايا مختلفة منه، ما أثار استياء المواطنين، خصوصا أن منهم من لا يتردد في خلق جو من الحميمية مع رفيقته على مرآى الجميع، يقول سعيد: «إنهم ينتشرون في كل مكان، وما يشكل مصدر إزعاج للجميع هو تصرفات بعضهم والتي تنم عن قلة الأدب والحياء»، وتضيف عقيلة: «أركب الميترو بشكل يمكن أن تقولوا عنه أنه يومي وأشاهد تلك المظاهر فتجد بعضهم يجلس مع صديقته وهو يعانقها أو يهمس في أذنها وكأن لا أحد غيرهما في الميترو». العلكة والشمة تظهر على أرضية الميترو ها هي السلوكات السلبية وعدم توفر ثقافة الحفاظ على الأملاك العمومية تبدو جلية في بعض محطات الميترو رغم أنه لم يمض على انطلاقه شهر واحد، فالعلكة والشمة ملتصقة تحت الكراسي والتذاكر والسجائر تملأ أرضية المركبة، يقول علي: «أفاجأ يوميا بقطع من الشمة المستعملة وقد ألصقت في أحد جوانب الكرسي، ويكفيك المشي داخل الميترو لتشاهد السجائر في زوايا مختلفة»، هذه الظاهرة تستوجب توفر الحملات التحسيسية في أقرب وقت ممكن قبل أن تعم الفوضى هذه الوسيلة، فقد كبرنا على أمل تحقيق حلم ركوب الميترو وتجسيده على أرض الواقع، لذا يجب علينا الحفاظ عليه قدر الإمكان.