الفطر أو ما يعرف في بعض المناطق ب»الفڤاع» إحدى المواد الغذائية التي تنتشر في الطبيعة ما يجعل الناس يقبلون على قطفها متجاهلين تواجد بعض الفطريات البرية السامة التي يمكن أن تؤدي إلى تسممات خطيرة تصل إلى الوفاة. وعن هذه الفطريات يصنفها عبد الرزاق عاشور, صيدلي, باعتبارها أحد التخصصات التي يتم تدريسها في كلية الصيدلة إلى صنفين, منها ما هو صالح للاستهلاك ومنها ما يحتوي على مادة كيميائية سامة, مؤكدا في نفس الوقت أن ما يكون صالحا منها يمكن أن يتحول إلى سام, وذلك لكونها تنبت في أماكن غير صالحة مثل حافات الطرق والأماكن التي تستخدم فيها المبيدات بكثرة إضافة إلى أماكن التعفن, وهذا ما يزيد في نسبة الخطأ في قطف واستهلاك تلك الفطريات على أساس أنها صالحة, يقول: «توجد بعض المناطق المعروفة لدى سكانها بمعتقدات تؤكد أن الفطريات التي تنمو بها صالحة للاستهلاك بحكم التعود على ذلك ولكن احتمال الخطأ في التحديد يبقى قائما», ويشير محدثنا أن هناك حوالي 100 نوع من الفطريات السامة 20 إلى 30 منها يكون قاتلا. طهور الفطريات لا يمكن أن يقضي على سمومها يعتقد بعض الناس أن غلي وطبخ بعض الأنواع من الفطريات يمكن أن يقضي على السم المتواجد فيها, وهذا ما نفاه الصيدلي, مؤكدا أن الفطريات تحافظ على سمها مهما تغيرت حالتها, وفي نفس السياق يقول أن هناك دراسات حول بعض الأنواع من الفطريات فوجدوا أن نوعا من الفطر بقي محافظا على درجة السم فيه لمدة 80 سنة, وعن الأماكن التي تنتشر فيها بكثرة يقول أنها تسود في الأماكن الوسطى والشمالية في حين لا توجد في المناطق الجنوبية وما وجد بها من فطريات مثل «الترفاس» فهو غير ضار, يضيف: «إن هذه الفطريات لا توجد فقط في الجزائر, بل في عدة بلدان أخرى, فقبل الاستقلال كانت هناك خرائط للشمال الجزائري تظهر المناطق التي توجد فيها الفطريات السامة, ولكن لا توجد الآن أي خرائط من هذا النوع رغم أهميتها في تحديد مناطق نمو الفطريات السامة مما يجنب سكان تلك المناطق قطفها واستهلاكها كما يمكن تسهيل عملية التدخل السريع للتكفل بالمصابين». نوع الضرر متوقف على نوع الفطر وعن تأثير تلك الفطريات السامة على مختلف الأعضاء الحيوية في جسم الإنسان, يوضح مراد ميزاقار, أخصائي في أمراض الجهاز الهضمي, أن سموم تلك الفطريات لها خصوصيات تتمايز فيما بينها, فمنها ما يصيب الكبد ومنها ما يصيب الكلية, مسببا الفشل الكلوي, في حين توجد أخرى تأثير سمها يسري في الدم مباشرة, أما غيرها فيكون تأثيره واضحا على الجهاز العصبي, بينما يقتصر تأثير البعض منها على الجهاز الهضمي الذي يعتبر أكثر الأعضاء تضررا وأولها من حيث ظهور أعراض التسمم. وعن إمكانية تحديد الطبيب لدرجة سم تلك الفطريات المتناولة, يشرح أن ذلك يكون تبعا للأعراض التي تظهر على المريض, والفترة التي تفصل بين الأكل وظهور الأعراض, إذ أن هناك أعراضا تظهر خلال الست ساعات الأولى من تناولها وبالتالي الفطر المتناول ليس بالخطير, أما إذا ظهرت بعد ست ساعات, فذلك دليل على خطورة الفطر, ولكنه يؤكد أن هذا التصنيف له حدود بالنظر إلى احتمالية التداخل بين مختلف الوجبات وبالتالي يصعب تحديد نوع الفطر السام, إلا إذا جلبه المصاب معه. أما الأعراض, فيحددها الطبيب عموما بحالات التقيؤ والإسهال وآلام البطن, ليشير إلى أن الخطأ الذي يقع فيه البعض هو عدم التوجه للطبيب في حال زالت الأعراض,ولكن في الحقيقة هي حالة من الهدوء التي يرافقها تخريب تدريجي للكبد خلال تلك المدة, مما قد ينجر عنه مضاعفات أخرى أكثر خطورة, أما العلاج فيقول بخصوصه أنه متوقف على التشخيص, ولكن يفضل أن يكون هناك استفراغ خلال الساعات الأولى مع إمكانية حدوث مضاعفات خطيرة, خاصة إذا كان المصاب يعاني من أمراض أخرى, ليضيف موضحا أن الأطفال والحوامل هم أكثر المتضررين بسبب ضعف المناعة لديهم, إضافة إلى الخطر الذي يحدق بالبعض نتيجة التمازج بين سموم هذه الفطريات وبعض الأدوية التي يتم تناولها, خاصة مدرات البول, علاوة أن بعض الأفراد يكونون أكثر تضررا من تلك الفطريات كونهم لا يملكون الأنزيمات اللازمة لهضمه, ليحدز من خطر التماطل في التوجه إلى المستشفى ما يزيد في خطر الوفاة. إن طريقة العلاج تتم في بعض الأحيان حسب ما أفاد به محدثنا عن طريق غسل المعدة, في حين يتم تحويل المصاب من الطبيب إلى المستشفى المناسب كون التسممات تكون عائلية, كما يستوجب الأمر في حالات أخرى الاتصال بمصلحة مكافحة التسمم لاسيما إذا كانت الحالات صعبة, ويمكن أن يكون العلاج عن طريق بعض الأدوية التي يتم أخذها كمضادات من السم الفطري. نقص كبير في مراكز مكافحة التسمم في الجزائر وعن مراكز مكافحة التسمم, يشير أن عددها قليل وباستثناء مركز باب الواد بالعاصمة, توجد مراكز أخرى لمكافحة التسمم في كل من ورقلة, وهران وعنابة فقط, وهذا العدد لا يمكن أن يغطي كافة المناطق. أما عن مدى تأثير الكمية المتناولة فيقول أخصائي أمراض الجهاز الهضمي أنها لا تهم, فكمية قليلة فقط تكون كافية لإحداث تسمم حاد, خاصة ما تعلق ببعض الأنواع من الفطريات مثل «لاماليت», «الليبيوت», «إغلات تسبون». وفي تعليقه عن مدى قدرة بعض الناس في التمييز بين الفطريات الصالحة للاستهلاك من غيرها بسهولة على اعتبار أنهم من أبناء المنطقة التي تنمو فيها, فيقول: «من الصعب كثيرا التمييز بين صورة الفطر وما هو عليه في الواقع, فمن المستحيل أن يتم التفريق بين الصالح والسام منها مهما بلغت حنكتهم في ذلك», يضيف: «في بعض الدول نجد من يخرجون في جماعة لقطف الفطريات ويكون هناك تشاور فيما بينهم وإجماع في مدى صلاحيتها للاستهلاك, ولكن الخطر يبقى قائما في منطقة تواجد الفطر في حد ذاتها, إذ يمكن أن تكون معروفة بفطرها الصالح ولكن احتمال رمي بعض الناس للفطر غير الصالح فيها كبير جدا». أما عن الفطريات المعلبة, فيؤكد أنها صالحة للأكل ويدعو إلى عدم التخوف منها, مرجعا ذلك إلى ما تحدده مصالح المراقبة التجارية, ولكنه أشار إلى ضرورة أخذ الاحتياطات وتجنب استهلاك فطر من علب لا تحتوي على البيانات اللازمة. هذا وينصح الطبيب بتجنب قطف الفطريات من أي مكان مع التحقق من عدم وجود السم بها, كما لا يجب وضعها داخل أكياس بلاستيكية حتى لا تتعفن ولا تترك في الثلاجة لمدة تزيد عن اليومين ليبقى التوجه للمستشفى ضروري في أي حالة تسمم من أجل التدخل السريع. الوزارة الوصية تنظم حملات تحسيسية منذ 2008 هذا ويجدر الذكر أن التسمم بالفطريات كان يصنف ضمن التسمم الغذائي إلى غاية سنة 2008, أين أصبح يندرج تحت اسم التسمم بالفطريات, حيث يقول أخصائي الجهاز الهضمي أن سنة 2008 شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد المصابين بعد تناول فطريات سامة, أين سمحت الظروف المناخية في تلك السنة بنمو تلك الفطريات السامة في العديد من الولايات أهمها الولايات الداخلية كالمدية, أم البواقي وبرج بوعريريج, بل ووقعت حالات من الوفيات بسبب تلك الفطريات البرية, حيث ولأول مرة تم تسجيل 300 حالة منها 18 وفاة مما دفع بوزارة الصحة إلى إنشاء هيئة مختصة لتتبع تلك الحالات على المستوى الوطني ومنذ ذلك الوقت بقيت الوزارة الوصية محافظة على تقليد سنوي يلزمها بتنظيم حملات تحسيسية للتوعية بخطورة تلك الفطريات. وعن آخر الإحصائيات يقول أنها ليست متوفرة ولكنها قليلة جدا مقارنة بأشكال التسمم الغذائي الأخرى.