تبنى العائلة على أساس التماسك والترابط فيما بينها، ولكن عندما تدخل المصالح والأمور المادية بين الأقارب قد تنقلب العلاقة بينهم رأسا على عقب وتزرع الأحقاد وتقطع العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة لأسباب تافهة قد تصل إلى الانتقام أو إلحاق الأذى بأقرب الناس دون وضع أي اعتبار لصلة الدم التي تربط بينهم. إن بناء أسرة يتطلب تماسكها وترابطها، وأن تسود المحبة والمودة بداخلها، فالعلاقات الأسرية القوية والمتينة تنعكس بالإيجاب على العائلة وتضيف إلى الحياة لمسات دافئة ومؤثرة وداعمة، فأساس هذه الحياة هو لم الأقارب ليكون هناك هدف في الحياة، ولكن ما أصبح يسود في مجتمعنا في الآونة الأخيرة هو كثرة الخلافات بين العديد من أفراد الأسرة الواحدة، فعندما تدخل المصالح والأمور المادية داخل العائلة قد تكسر هذه العلاقة المتينة، فكثيرا ما نسمع عن عائلات تمتنع عن زيارة أقاربها لسنوات طويلة لأسباب قد تتعلق بعائلة غنية تقطع علاقتها وزيارتها بالعائلة الفقيرة، لأنها ليست من مستواها، وعائلات أخرى تضع في الحسبان الفوارق الاجتماعية بين أقاربها فتقطع الزيارة عنها، وقد تدفع الخلافات بالشخص إلى الانتقام وإلحاق الأذى بأقرب الناس إليه بسبب أمور تافهة، كما قد تدفع إلى أروقة المحاكم،ونتيجة للضغوط الأسرية التي لا يتحملها البعض ومقدار الظلم بين أكثر الناس قرابة أصبحت المحاكم ملجأ أخيرا لهم. أوهمها أبوها أن أمها ميتة فتعرفت عليها في سن الأربعين هي عائلات كثيرة أصبحنا نجدها ترفع قضايا وتتشاجر داخل المحاكم وأصبحت المادة لها النصيب الأوفر في العلاقات بين العائلات، هي حكايات كثيرة رويت لنا من عائلات تفككت وأخرى تعرضت للأذى من أقرب الناس إليها، ف«سامية” البالغة من العمر أربعين سنة، هي إحدى ضحايا الخلافات العائلية عندما وقعت في فخ أكاذيب أقرب الناس إليها، وهو والدها الذي أخبرها عندما كانت صغيرة أن والدتها توفيت، ودفعته الأحقاد أن يقطع صلة الرحم بين أم وفلذة كبدها، فحرمت هذه الأخيرة من حنان أمها وعاشت مع زوجة أبيها سنوات طويلة، تحملت فيها المشاكل التي كانت تواجهها مع زوجة أبيها التي كانت تميز في المعاملة بينها وبين أولادها، وبالرغم من ذلك تحملت كل هذه الأعباء من أجل إرضاء والدها، ولكنها صدمت عندما علمت بالصدفة من أحد جيرانهم الذي كان على صلة بوالدتها المغربية الجنسية حقيقة الخلافات التي كانت بين والدها ووالدتها، ولكنها تفاجأت أكثر حين علمت أن سبب خلافاته معها هو رغبته في إعادة الزواج وطلاقه منها، ثم طردها من المنزل، وحرمانها من ابنتها، وحين رفعت قضية حضانة انتهت لصالحه، هذه التفاصيل التي عرفتها سامية صدمتها وجعلتها تتشاجر مع والدها وطلبت منه إعطاءها معلومات عن عنوان عائلة والدتها في المغرب، وما زاد من معاناة سامية، هو معرفتها أن أمها على قيد الحياة بعد فوات الأوان، فهي متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، إلا أن إرادتها القوية وحبها للبحث عن والدتها جعلاها تقطع مسافات طويلة إلى المغرب للبحث عن والدتها، فوجدتها في مدينة الرباط المغربية، واكتشفت أن لديها عائلة كبيرة في المغرب، وعرّفت أمها بأحفادها الذين حرمت من رؤيتهم سنين طويلة. سامية أرادت أن تتحدى أحقاد والدها وتلم شمل عائلة لم تكن تعرف عنها أي شيء، ولكن الأقدار شاءت أن تتعرف البنت على والدتها في سن الأربعين وأمها في سن السبعين، والتي كانت تخاف أن يأتي يوم تفقد فيه الحياة، ولا ترى فلذة كبدها التي حرمت منها لسنوات طويلة دون أي ذنب ارتكبته. طرده والداه لأنه أراد الزواج من فتاة فقيرة عائلات أخرى تضع في الحسبان أن تكون العائلة التي ستصاهرها من نفس مستواها المادي وتصل بها الأمور إلى التبرؤ من فلذات أكبادهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية في الإرث ،وهذا ما حدث لسامي عندما قرر الزواج من فتاة فقيرة تتمتع بأخلاق جيدة، ولكن عائلته رفضت هذا الزواج، وبالرغم من هذا، قرر الزواج منها وهو ما زرع الأحقاد داخل عائلته وامتنعوا عن حضور العرس وقطعوا علاقتهم به، وحتى عندما رزق بطفل لم يرغبوا في رؤيته، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد مع عائلة سامي، لأن والديه ورغم أنه وحيدهما تبرآ منه، وتفاجأ حين علم أنهما حرماه من حقه الشرعي في الإرث بعد وفاتهما وفضلا أن تكون حصة الميراث من حق ابن عمه، مع أن الإبن في أمس الحاجة إلى المال خصوصا أنه لم يتمكن من الحصول على منصب عمل، وهذا ما جعله يدخل في خلافات مع عمه ولم يعترف أحد بأن هذا الإرث من حقه وطردوه من بيت عائلته التي من المفروض أن يكون من حقه. نموذج آخر من ضحايا الخلافات العائلية هي السيدة “سلمى” البالغة من العمر خمسين سنة، والتي تعاني نتيجة امتناع ابنها عن زيارتها لسنوات طويلة بالرغم من أن علاقته بها كانت جيدة قبل زواجه، ولكن بداية خلافه معها بدأت عندما قامت الأم بتقديم نصائح لزوجته، ولكن هذا الأمر لم يعجب هذه الأخيرة ،وقامت بتحريض ابنها عليها، فأصبح لا يزور أمه لسنوات عديدة وهو ما زاد من استغرابها، ولأن قلب الأم واسع وحنون، قررت أن تزوره هي وترى حفيدها، ولكنها استغربت حين وجدته غير مسرور بزيارتها، ولكن حنينها إلى رؤية فلذة كبدها وحفيدها جعلاها تعاود الزيارة، إلا أنها صدمت عندما دقت الباب ووجدت عائلة أخرى تقطن في منزل ابنها، فسألت عن عنوانه من جيرانه، ولكنهم أخبروها أنه انتقل إلى ولاية أخرى، ولم يخبر أمه، وقطع زيارته واتصالاته بها لمدة ثلاث سنوات من أجل إرضاء زوجته. الطمع أكبر سبب لقطع العلاقات كثيرا ما تتسبب الخلافات بين الإخوة إلى قطع صلة الرحم، وهو ما حدث لعائلة دمرت بسبب نشوب خلافات بين الأخ الأكبر والصغير حول المال، حيث عبرت السيدة “فاطمة” عن حزنها الشديد من تصرفات ابنها الكبير الذي دمر حياة عائلته بسبب طمعه وكان دائم الشجار مع أخيه ويثير الفضائح أمام الجيران، وهو ما أدى إلى تقسيم والديهم لتركة الميراث وهم على قيد الحياة، وبالرغم من ذلك، فإن ابنهم البكر لم يقتنع بنصيبه بعد ما كان يريد الاستيلاء على جميع الأملاك بمفرده، فظل يحارب أخاه ويحاول إثارة المشاكل معه حتى وصل به الأمر إلى ضربه وإدخاله إلى غرفة الإنعاش فكاد يفقد حياته بسببه، فلم يتحمل والده ما تراه عيناه من كره بين الإخوة، وهو ما أدى إلى ارتفاع ضغطه فتوفي، وتضيف السيدة “فاطمة” أنها لم تكن تتوقع هذا التصرف من ابنها الذي نما داخل أحشائها تسعة أشهر، وهذا ما جعلها تغضب عليه وتبيع البيت الذي عاشت به ذكريات لتشتري لها ولابنها الصغير بيتا بمفردها وتعطي النصيب المتبقي لابنها الكبير خوفا من نشوب خلافات أخرى قد تعرض ابنها للخطر، وهي منذ أكثر من خمس سنوات لا تعرف أخبارا عن ابنها الكبير الذي قطع علاقته بعائلته. يتنكرون لأقرب الناس إليهم بعد ثرائهم من الغريب أن نجد أشخاصا ينكرون أصلهم ويخجلون من فقرهم عندما ينتقلون إلى عالم الرفاهية ويتعالون على من تربطهم معهم نفس صلة الدم ولا يتعاونون مع عائلاتهم، وهو ما جرى مع “سامي” الذي كان يظن أن أخاه الذي أصبح غنيا بعدما فتح شركة سيساعده في الحصول على عمل، ولكنه صدم حين وصل إلى الشركة بعدها طلب مقابلة أخيه ولكنه لم يستقبله، وأخبر الحارس أنه لا يعرف أي شخص بهذا الاسم، وربما يكون تشابه أسماء، وأوصاه أن لا يسمح له بالدخول إلى الشركة مرة أخرى، ويضيف “سامي” أنه بالرغم من أن والدته تحتاج إلى المال للعلاج، فهو لا يساعدها في تكاليفه ولا يزورها حتى عندما تمرض مع أنها تعبت في عملها من أجل إيصاله إلى ما هو عليه الآن حتى تحصل على شهادة ساعدته في العمل. أما “فاطمة”، فهي الأخرى تعرضت للنكران من ابنها الذي تعرف على فتاة غنية وامتنع عن زيارة والدته، وتبدأ حكايتها عندما قرر ابنها البحث عن عمل من أجل أن يكون نفسه ويصبح من نفس مستوى زوجته، ثم اقترض مبلغا من المال، وفتح شركة وأصبح غنيا، بعدها علمت والدته بالصدفة من صديقته أنه أخبرها أنه من عائلة غنية، وهو ما زاد من حزن والدته، لأنه يخجل من فقرهم، والغريب أنه لم يقدم أي مساعدات لعائلته حسب قول أمه، كما أنه غادر البيت دون أن يعلم والدته التي تعبت في تربيته، وكانت هي من تصرف على البيت من عملها بعد وفاة والده، ولكن مرضها جعلها تترك هذا العمل، وعندما أصبحت بأمس الحاجة لمن يعيلها لم تجد حتى ابنها الذي فضل أن يرفع من مستواه فقط للزواج من صديقته وقطع زيارته عن أمه لشهور عديدة، وقد علمت والدته من أحد أصدقائه أنه تزوج ورزق بطفل فدفعها حنينها إلى رؤية حفيدها ما جعلها تبحث عن عنوانه من صديقه في الشركة رغم ما فعله بها، ولكنها صدمت عندما طلب منها أن لا تعود مرة أخرى، وأخبرها أن تذهب بسرعة قبل أن تأتي عائلة زوجته الغنية، لأن مظهرها لا يليق بهم، ليضيف لها الخبر الذي وقع عليها كالصاعقة وهو أنه أخبر أهل زوجته أن والديه متوفيين. «جميلة” هي الأخرى إحدى الأمهات التي استغربت لتصرفات ابنتها التي قطعت عنها الزيارة لسنوات طويلة وغيرت مكان إقامتها إلى منطقة أخرى لتتخلص من ماضي عائلتها الفقيرة وتبدأ قصتها عندما تعرفت ابنتها على شاب غني وقررت الزواج منه دون علم والديها بعد أن أخبرتهم أنها تخجل من فقر عائلتها ومن عمل أمها كمنظفة، وهذا ما جعلها تمنعهم من حضور عرسها لإرضاء عائلة زوجها الغنية، وبالرغم مما فعلته بها ابنتها، إلا أنها بحثت عن عنوانها من مقر عملها، وبعد زيارتها لها، تفاجأت عندما أخبرتها أن لا تزورها مجددا، لأنها تخجل منها أمام عائلة زوجها، وبعد ذلك علمت أنها سافرت إلى الخارج دون علم والدتها لتقطع زيارتها عنها لسنوات طويلة، وهي لا تعرف أي أخبار عنها بعد أن كانت تعتقد أنها ستكون سندا لها في يوم من الأيام. من جهة أخرى، هناك من الأقارب من يسكن في بيت واحد ويمتنع عن زيارة أقرب الناس إليه بسبب خلافات تتعلق بالأملاك، وهو ما يجري خلف جدران بيت عائلة “سليمة” التي روت لنا أمرا يصعب تصديقه، حيث تبدأ حكايتها عندما قسمت البيت بين ابنها وأخته تجنبا لأي خلاف بينهما بعد موتها ولحماية ابنتها الوحيدة، ولكن هذا لم يعجب ابنها، لأنه كان يخطط للاستيلاء على البيت بمفرده بعد موتها، وبدأ في إثارة المشاكل داخل البيت وقام بضرب أخته، ولكن أمه قامت بحمايتها، وهذا ما لم يعجبه فقطع الزيارة عن والدته وأخته حتى في الأعياد ولا يسمح لزوجته وأبنائه بزيارة جدتهم أو عمتهم، وحتى إذا رآهم يتكلمون معهما يقوم بمعاقبتهم حسب قول فاطمة التي استغربت لحقد ابنها غير المبرر، خاصة وأنه حصل على حصته الكاملة. وللنميمة دور كبير في نشوب الخلافات وتعتبر النميمة أو “القيل والقال” من بين أسباب القطيعة ونشوب الخلافات بين الكثير من العائلات، وهو ما جرى لعائلة السيدة “منال” التي دمرت بسبب أقوال كاذبة نقلت من إحدى قريباتها، وتبدأ حكايتها عندما كانت جالسة مع ابنتها الكبيرة وابنة خالتهم التي كانت تغار من تماسك وتفاهم عائلتها، وهذا ما جعلها تغير كلامهم بالسوء عن ابنتها الكبيرة وتنقل أقاويل كاذبة لها، وما زاد الأمر سوءا أنها صدقتها، لأنها صديقتها المقربة، ولم تسمع كلام والدتها فقطعت الزيارة عن أمها لسنوات طويلة. «سلمى” هي الأخرى دمرت أسرتها بسبب وقيعة ابنة عمها التي كانت تحسدها على أي شيء تملكه، وتبدأ حكايتها عندما تزوجت من رجل غني وأصبحت ابنة عمتها تذهب إلى بيتها وتجلس مع زوجها، ولكنها كانت تعتبر الأمر عاديا، لأنها تعتبرها بمثابة أختها ولم تكن تعلم أنها كانت تخطط لتدمير علاقتها الجيدة مع زوجها خصوصا عندما رأته يلبي لها جميع طلباتها، وهو ما جعلها تخبر زوجها أن “سلمى” على علاقة بابن خالها مع أنها كانت تعتبره بمثابة أخ لها، وبدأت الشكوك تسيطر على علاقتهما ولم ترتح حتى طلقها زوجها، والغريب في الأمر أنها تزوجت به بعد انتهاء الطلاق مباشرة. ويعتبر التمييز بين الإخوة من بين أهم أسباب الخلافات العائلية ونشوب الكراهية بين الإخوة، حيث تقول السيد “ يلى” أن تمييز زوجها في معاملة أبنائه دمر العائلة، فتمييز زوجها لابنها الكبير عن الصغير بسبب حصوله على شهادات عليا، وهو ما جعله يعتمد عليه في إدارة جميع شركاته وأملاكه وحرم ابنه الصغير من أملاكه، وهو ما زرع الغيرة في قلب هذا الأخير، وأراد أن ينتقم من أخيه فتشاجر معه، ثم دفعه عن غير قصد على الطاولة الرخامية فدمرت أسرتها عندما توفي ابنها الكبير، وابنها الصغير يقضي سنوات شبابه في السجن. قضايا الخلافات العائلية تغزو المحاكم يقول المستشار القانوني سمير صايفي: “إن التقاضي بين الأقارب والإخوان مثل بقية القضايا المنظورة في المحاكم التي يسعى فيها القاضي دائما إلى تحقيق العدل بين المتقاضين وذلك بالتأني والتروي في سماع كل أطراف الخصومة سواء كانوا إخوانا أو أبناء عم، ويسعى إلى انهاء المحاكمة بالصلح بينهم، كونهم عائلة واحدة، وبعض القضايا تكون في جلسات سرية لكي لا تفضح العائلة، ومعظم القضايا تكون بسبب خلافات بسيطة، وهناك قضية لشاب قام بسرقة أموال والده، فرفع شكوى عليه أمام المحكمة بعدها انتهت بالصلح بين الطرفين، ولكن الغريب عندما تكون هناك قضايا عائلية يمتنع أحد الأطراف عن الصلح مع أقربائه بدافع الانتقام، ومنها وقائع لقضية قام فيها أخ برفع قضية نصب واحتيال في حق أخته بعد ما أقرضها مبلغا من المال مقابل منحه شيكا كضمان له، ولكن عجزها عن تسديدها للمبلغ جعله يرفع قضية عليها، وبالرغم من محاولة القاضي للصلح بينهما، إلا أن أخاها أصر على معاقبتها وحكم عليها بالسجن لثلاث سنوات، وهناك أيضا قضية أخرى لأخ رفع قضية نصب واحتيال على أخيه للانتقام منه وإبعاده عن الشركة بإدخاله السجن، واتضح فيما بعد أنه سرق الشيك منه وزور إمضاءه للانتقام منه فقط. وهناك قضية أخرى يستغرب لها العقل هي لأم رفعت عليها كنتها قضية سرقة مجوهرات. وتعود الوقائع عندما وضعت هذه الأخيرة المجوهرات وسط أغراض حماتها وبعدها أبلغت الشرطة عنها، والغريب في الأمر أن ابنها شهد مع زوجته ضدها، ولحسن حظها أن الخادمة أدلت بشهادتها أمام المحكمة عندما علمت بالصدفة من مكالمات الزوجة أنها لفقت التهمة لإبعاد كنتها عن المنزل وهذا ما جعل القاضي يبرئها.