دوار القواسم - لرجام كانت يومها الحرارة تلامس 44 درجة عندما قررت " البوابة " زيارة دوار القواسم التابع إقليميا لبلدية لرجام بتيسمسيلت ولان السفر الى هذا الموقع الجغرافي يبقى قطعة من العذاب لما فيه من مشقة وعناء بفعل نقص او انعدام خدمة المواصلات لم يكن لنا خيارا إلا الاستنجاد بصاحب سيارة " كلوندستان " وجدناه بالقرب من محطة سيارات الأجرة بلرجام ينتظر مكتوبه كما قال وبعد أخذ ورد وطلوع وهبوط استقر ثمن الرحلة على مبلغ لا يقل بدينار واحد عن ثلث شهرية عامل ضمن الشبكة الاجتماعية لتنطلق السفرية عبر الطريق الولائي رقم 02 الرابط بين لرجام ومنطقة الرمكة الواقعة بالمدخل الحدودي لولاية غليزان وقبل نحو 08 كيلومترات عن ولوج تراب الولاية رقم 48 تدلك لافتة حجرية " مصنوعة من الحجر " منقوش عليها اسم منطقة القواسم ترحب بك وعلى بعد 10 كلم تستقبلك هذه المنطقة بطيبة سكانها الذين يجسدون البساطة بكل معانيها وتفترش لك سجادا من المروج الخضراء المترامية وسط وديان لا تعترف او لا تؤمن بل تكفر على مدار فصول السنة بشيئ اسمه الجفاف ما جعل المنطقة كلها ترتدي لحافا اخضرا أطرافه تمثل شريطا غابيا يمتد الى حدود ولايتي تيارتوغليزان ووسطه أشكال هندسية رسمتها حقول وبساتين التين والعنب هذا المتواجد بكميات هائلة وبأنواع مختلفة منها " حمر بوعمر " ذو الجودة العالية والمقتصر وجوده في الجزائر على كل من منطقة القبائل الكبرى وولاية المدية وبالنظر الى غزارة إنتاج هذه الفاكهة الموسمية التي يتم تسويقها بكل من ولايات تيسمسيلت و تيارت والشلف وعين الدفلى وغليزان فقد اصطلح على القواسم اسم " إمارة العنب " التي احتضنتنا حتى استأذنت الشمس الوديان والشعاب بالرحيل ومعها عدنا ومرافقنا أدراج طريقنا وبحوزتنا هذا الروبورتاج .... على الرغم ما تزخر به منطقة القواسم او إمارة العنب كما يحلو للبعض تسميتها من تنوع بيئي وامكانيات طبيعية جعلتها تصنف ضمن المناطق الرطبة وفق ما تقتضيه نظم ومعايير منظمة " رمصار " الإيرانية المختصة في تصنيف المناطق ورغم ما قدمه أهاليها من تضحيات في سبيل استرداد عافيتها الأمنية التي خطفتها او سلبتها منها همجية كتائب ومليشيات الإرهاب التي أخذت من المنطقة معقلا لها بعد أن نجحت في تهجير كل السكان الا أن ذلك لم يمنح لها شفاعة السلطات للاهتمام بها او حتى الالتفات اليها بعين الرحمة من الناحية التنموية فالزائر للقواسم يلمس البؤس والغبن الاجتماعي المجسد في مشاهد تحيلك الى العهود البيدائية رسمت صورها العديد من البنايات الطوبية المزينة بكل أنواع القش والديس تشبه الى حد بعيد أكواخ " الماساي " تلك المتواجدة بأدغال افريقيا يقطنها سكان ليسوا أحياءا ولا هم في تعداد الموتى رسموا أكثر من علامة استفهام حول ما إن كانت سلطات تيسمسيلت ومسؤولي بلدية لرجام على علم بوجود دوار اسمه القواسم ضمن الخريطة الجغرافية لهذه الولاية وليس بمقدور السكان هناك نسيان او تجاهل تاريخي السابع عشر ماي من عام 1997 والرابع اكتوبر من سنة 2000 فالأول الذي ما يزال يحفر في ذاكرتهم اطلقوا عليه اسم " يوم الهجرة " يوم أجبرتهم ألوية الموت على ترك أراضيهم والنزوح باتجاه المدن بحثا عن الأمن وهروبا من تقديم أعناقهم للإرهابيين بعد ان استولى هؤلاء على أرزاقهم لتصبح بعدها المنطقة برمتها تحت سيطرة الارهاب وقاعدة خلفية لبعث نشاطاته أما المحطة الثانية فتمثل العودة الى الديار عندما عقد عدد من الأهالي العزم على الرجوع الى أراضيهم ومنازلهم عقب إمدادهم بالأسلحة اين شاركوا أفراد الجيش ومختلف القوات الأمنية المشتركة في تطهير القواسم من فلول الإرهاب الذي خسر في رهان انقراض الريف وبعد ثلاث سنوات استعادت المنطقة صحتها الأمنية وأصوات هاجريها وسارعت آنذاك مختلف السلطات في مواجهة مخلفات ما بعد الهزات الارتدادية للزلزال الأمني فحرصت السلطة الأمنية على خلق ثكنة عسكرية تتوسط الدوار وكذا إنشاء عدد من مفرزات الحرس البلدي لتامين القواسم وسكانه العائدين من محاشر ومحاجر البناء الفوضوي أما نظيرتها المدنية ممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية بالولاية عكفت على تطبيق وتفعيل برنامج اعمار الريف المندرج ضمن مسعى القاضي الأول في البلاد عبر تأهيل القواسم ببعض المشاريع التنموية لم تتعد عدد من البنايات الريفية وانجاز دار للشباب ومركز لترقية الفتاة وانجازات أخرى لا يعلمها الا الوالي السابق عثماني مختار ومن كان يسبح في فلك سياساته وقراراته قيل أنها استنزفت ما يقارب 17 مليار سنتيم وبما أن المنطقة تحولت الى قلعة للثراء و "تعمار الشكارة" وصناعة المجد على حساب البسطاء من مواطني الدرجة صفر فكانت بمثابة " مومو عين " الوالي المخلوع وعدد من المسؤولين الذين لم يتأخروا يوما في زيارتها والاستماع لانشغالات سكانها الذين بقدر ما تحسروا لنوعية المشاريع غير المجدية التي استفادوا منها كمركز ترقية الفتاة مثلا هذا الهيكل الذي مايزال منصوبا وسط الغابة في مواجهة الفراغ منذ سبع سنوات لأنه من المستحيل أن تلمح عينيك في القواسم حتى عجوزا فما بالك بفتاة أراد المسؤول المذكور أن يكون لها مركزا تخرج اليه و تتعلم فيه فنون الخياطة والطرز ناسيا او متناسيا طبيعة المنطقة المحافظة ؟؟ الا أنهم هتفوا بحياة "عثماني " لأنه المسؤول الوحيد في نظرهم الذين كانوا يتبركون بزيارته ويستأنسون بوعوده ويستمتعون أيضا بصرامته وشدة لهجته في مخاطبة بقية المسؤولين من " شاف دايرة " الى هذا المدير وذاك المير " ويقول السكان انه منذ رحيل هذا المسؤول لم يعرف دوارهم زيارة أي مسؤول آخر ما عدا بعض الوجوه المحسوبة على عالم " البوليتيك" التي زارت المنطقة لاصطياد أصوات الغلابى لأنها " أي المنطقة " من المعادلات المهمة في صنع فارق الفوز مقابل إمطارهم بجملة من الوعود والعهود الطبية والتربوية والصحية و السكنية لم يلمس منها السكان ولو مثقال ذرة من التفعيل والتجسيد في ارض الواقع وهو ما تترجمه عرائضهم واحتجاجاتهم الموجهة للسلطات الولائية التي تحمل بين أحشائها لوائح مطالب تصب كلها في المطالبة بتحسين الوضع المعيشي الذي غطاه غبار الإهمال والإقصاء الذي كان سببا في إدامة محنة السكان مع انعدام ابسط متطلبات الحياة بداية من الاهتراء الفظيع الذي يشهده الطريق الرئيسي وتحديدا من مفترق الطرق المؤدي الى الرمكة بغليزان الى غاية الدوار على مسافة لا تزيد عن 10 كلم فضلا عن التسيب الحاصل على مستوى الطرق الفرعية المؤدية الى المجمعات السكنية التي تضمها القواسم على غرار دواوير " الغروبات والڤرعة وأولاد بن يوسف هذا الأخير ممثلا في كل من مداشر وادي العناصر وسيدي قاسم الملقب بوادي مهابة ووادي الصفصاف وهي مجموع المسالك التي لا تحتاج حسب تصريحات الأهالي اكثر من إعادة فتحها وتأهيلها بتقنية " التيف " وفق ما يقتضيه برنامج شق الطرقات الريفية الذي تتولى انجاز عملياته كل من مديريتي الفلاحة والغابات " صح النوم " وامتدت عناوين الإقصاء الى إسقاط الدوار من الاستفادة من مختلف برامج الدعم الفلاحي الموجهة ل " عرب الريف " كغرس الأشجار المثمرة وتربية النحل والماشية ينضاف اليها " كوطة " البناء الريفي الذي لم يعرف طريقه الى الكثير من المواطنين بعد أن سنت السلطات بنودا تعجيزية في حقهم تتعلق معظمها بالعقار أجبرتهم على الانسحاب والعدول عن فكرة المطالبة بالسكن الريفي في خرجة تتناقض وخطابات الرئيس بوتفليقة الرامية الى تمكين النازحين من العودة الى معاقلهم الأصلية وتشجيعهم على خدمة أراضيهم والمكوث بها وعلى ذكر البناء الريفي اشتكى عدد من المستفيدين طريقة تعامل بعض المقاولين مع انجاز سكانتهم التي مر على وضع حجرها الأساسي أكثرمن 05 سنوات دون إتمام أشغالها لأسباب غير مفهومة كما هو حاصل مع عائلة " غربي " وغيرها من الأسر التي ما تزال تتجرع مرارة تماطل وتقاعس المقاولات في إنهاء انجاز سكناتهم وعاود السكان رفع مطلب توفير النقل المدرسي اذ يشكون صعوبة وقساوة ظروف تمدرس فلذات أكبادهم الذين قالوا انهم يدفعون يوميا ما بين 150 و 200 دج للمتمدرس الواحد ذهابا وإياب من اجل الظفر بمكان ضمن وسيلة النقل التي لا تتعد في أحسن الأحوال سيارة " باشي " للظفر بمقعد الدراسة الأمر الذي ساهم حسبهم في اتساع بؤرة اللاتمدرس خصوصا في الوسط النسوي ... كما امتدت صور البؤس الاجتماعي باتجاه الوضع الصحي الذي لا يبشر بالخير ولا نذيع سرا اذا قلنا أن ثمن اخذ حقنة مثلا او جرعة تطعيم ضد البوحمرون والكزاز يتطلب من المريض او معيله دفع ثمن " كورسة " الى بلدية لرجام لا يقل عن 400 دج لأنه ببساطة لا توجد قاعة علاج ولا تطبيب ولا هم يداوون وفي هذا السياق يروي السكان عشرات الحوادث والأمراض الفجائية التي عجزوا عن وضعها أمام الأطباء خصوصا في المرحلة الشتوية التي تعزل المنطقة كلها عن العالم الخارجي وعلى هذا النحو من الإقصاء وإدارة الظهر لمشاكل المواطن الريفي فلا عجب يردد احدهم في أن تؤول حملات ودروس إجبار النازحين بالعدول عن فكرة التشبث بالمجمعات الحضرية الى الفشل والى ذلك فان الأموال المضخوخة من خزينة الدولة التي تعجز عن بناء قاعة علاج للفقراء في زمن "الحكومة البيومترية " تحتاج فعلا الى إعادة صياغة وتوجيه ومراقبة ومعاقبة أيضا يقول السكان الذين هتفوا بلسان واحد أنهم لا يريدون إعادة كتابة الجزائر بحروف دموية غير قابلة للمحو القواسم ...... ترفض تسديد فواتير الظلام - من بين أهم المعوقات والمطبات التي أرخت بظلالها على الحياة اليومية لأهل القواسم وحولت حياتهم الى جحيم افتقار الدوار لشبكة الإنارة التي طالها التخريب من قبل ألوية الدمار التي أهلكت الحرث والنسل بما فيه خيوط وكوابل الكهرباء التي عبثت بها أيادي النهب والسرقة بحثا عن النحاس والمتاجرة به وفي هذا السياق استهجن السكان للطريقة " البائسة " التي تم بها قطع الكهرباء عنهم وتركهم في مواجهة الظلام اذ يعود بك العائدين الى ديارهم الى عام 2007 عندما قررت سونلغاز بتر الكوابل الكهربائية التي تربط سكناتهم الى حين قبض مستحقاتها المتعلقة بالسنوات الفارطة منذ سنة 2000 والمقدرة بنحو 250 مليون سنتيم وهو القرار الذي لم يتقبله السكان الذين رفضوا تسديد مبالغ فواتير كهرباء لم يستنفعوا من خدمتها قائلين بان عودتهم صاحبتها وعودا من قبل السلطات تهدف الى إعفائهم من دفع مستحقات الكهرباء قبل طرحهم لتساؤلات عن كيفية الفوترة وحساب ثمن وحدات الاستهلاك ومنازلهم بدون عدادات كهربائية تم تخريبها بالكامل وبغية إنارة دروبهم ومنازلهم خوفا من وقوع هجمات لصوصية مفاجئة لجأت الكثير من العائلات الى ربط سكناتها بالكوابل التي تربط مقر الثكنة العسكرية ومفرزات الحرس البلدي وهي المعضلة التي جاءت معاكسة ومنافية للسياسة التي عاد من اجلها السكان لاعمار الدوار المرتبط فك وثاقها بتدخل فوقي يراعي الوضع القائم في المنطقة التي لم تشفع لها قساوة حياة قاطنيها عند حسابات وتقديرات سونلغاز تيسمسيلت التي ترى بقطعها للكوابل أنها سارية في تطبيق القانون الى غاية قبض اموالها ما يسمح لها بربطهم بشبكة جديدة