تميزت الثورة الجزائرية -1954/1962- عن باقي ثورات العالم باعتمادها على مبدأ القيادة الجماعية ، حيث اعتمدت بيان 01 نوفمبر كمرجع أساسي لها وفي مؤتمر الصومام تقرر إنشاء المجلس الوطني للثورة كهيئة عليا تقود الثورة في إطار المبدأ المذكور آنفا. غير أن هذا المبدأ أدخل بعض قادة الثورة في صراع بينهم ، فحاول المجلس الوطني للثورة في دورته الأولى نبذ الخلافات والمحافظة على التوافق الجماعي بين القادة والعمل على إعطاء الثورة بعدا تنظيميا يمكنها من مجاراة التغيرات الحاصلة داخليا وخارجيا. 1/ تعريف المجلس الوطني للثورة: عند انعقاد مؤتمر الصومام – 20 أوت 1956م – تقرر إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية والذي يعتبر الهيئة العليا التي تقود الثورة وترسم معالمها وتحدد إستراتيجيتها ، وقد عرفته مواثيق الثورة بأنه رمز السيادة الوطنية، وهو الذي يتكفل بتشريع القوانين إلى غاية تحرير البلاد.1 ويتكون المجلس الوطني للثورة من 34 عضو منهم 17 دائمون و 17 إضافيون.2 ومما يلاحظ في قائمة الأعضاء الذين شكلوا المجلس الوطني هو وجود اسم مصطفى بن بولعيد رغم أنه أستشهد في 23 مارس 1956م، أي بقرابة 5 أشهر قبل انعقاد مؤتمر الصومام. وكذلك تم وضع اسم الشهيد شيحاني بشير في قائمة الأعضاء الإضافيين رغم أنه كان قد أستشهد في 30 أكتوبر 1955م. وإن كان الغموض يلف سبب وضع اسمي الشهيدين ضمن قائمة الأعضاء فإن هذا قد يكون من باب التخليد والتكريم لهما. ويعقد المجلس الوطني للثورة دورة عادية كل سنة . وفي الحالات الاستثنائية يمكن للمجلس أن يعقد دورته إذا حضر نصف أعضائه زائد عضو واحد، أي أنه يجب توفر 18 عضو كي يعقد المجلس دورته. ويملك المجلس حق مواصلة القتال ضد العدو أو إيقافه.3 2/ تاريخ انعقاد الدورة: نظرا لعدم الاهتمام الكبير من قبل الكتاب والصحفيين بهذه الدورة فإن اختلافات وردت بخصوص التاريخ الدقيق لانعقادها، ففي حين يرى البعض أنها انعقدت بتاريخ 23 أوت 1957م، نجد من يورد فقط تاريخ اختتامها ب 27 أوت من نفس العام ، وهناك من يذكر فقط سنة 1957م دون ذكر اليوم والشهر الذي تم فيه عقد الدورة.4 وكذلك نجد فتحي الديب يذكر في كتابه "عبد الناصر وثورة الجزائر" بأن تاريخ الدورة كان النصف الأول من شهر سبتمبر 1957م.5 أما السيد فرحات عباس فيشير إلى تاريخ الدورة بشهر أوت دون ذكر اليوم،6 وهو نفس الأمر الذي نفسه الذي نجده في كتاب "جذور نوفمبر" 1954م للسيد مصطفى هشماوي.7 وفي المقابل يذكر السيد توفيق المدني في كتابه "حياة كفاح" أن تاريخ انعقاد الدورة هو 20 أوت 1957م،8 وهو ما تؤكده كتب أخرى تورد شهادات لأعضاء آخرين حضروا الدورة،9 ما يجعلنا نميل بشكل كبير إلى هذا التاريخ. 3/ الظروف العامة للثورة قبيل انعقاد الدورة: بعد انتهاء مؤتمر الصومام تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال زيغود يوسف قائد الولاية الثانية في 23 سبتمبر 1956م، وعين مكانه بن طوبال وقد اشتدت المعارك في هذه الولاية خلال هاته الفترة.10 وفي الولاية الرابعة تغيرت القيادة بتعويض دهيليس للسيد أوعمران على رأس الولاية وذلك بعد توجه الأخير إلى تونس في مهمة خاصة.11 وفي جانفي 1957م، كانت معركة الجزائر ورد فعل الفرنسيين بعدها وهو ما أدى إلى ظهور أزمة داخلية كبيرة تمثلت في الصراع بين كريم بلقاسم وعبان رمضان .12 كما أن لجنة التنسيق والتنفيذ بعد فشل معركة الجزائر اضطرت للخروج من الجزائر، حيث غادر كل من سعد دحلب وعبان رمضان إلى المغرب ومنه إلى تونس، وسار كريم بلقاسم وبن يوسف بن خدة مباشرة إلى تونس،13 وهذا الخروج أسقط عمليا سلطة لجنة التنسيق والتنفيذ المستمدة من مبدأ أولوية الداخل على الخارج وهذا يعد أن أصبح أعضاء اللجنة سواسية مع الوفد الخارجي.14 ومن جهة أخرى أعقب فشل معركة الجزائر تمكن القوات الفرنسية من إلقاء القبض على العربي بن مهيدي – فيفري 1957م- وإعدامه. وعلى العموم كانت الثورة قد عرفت تحولات كبيرة في الفترة التي سبقت انعقاد الدورة فقد كان الشعب الجزائري منظما داخل الثورة ، كما أن دعمت مكانتها دوليا وأصبحت تشهد تضامنا متزايدا معها، إضافة إلى أن المعسكر الاشتراكي أخذ يهتم بجدية بهذه القضية خلال هاته الفترة.15 وبهذا كان على المجلس الوطني للثورة في دورته الأولى الخروج بقرارات تكون في مستوى الأحداث التي كانت الثورة تشهدها. 4/مقررات الدورة: حضر الدورة 23 عضو منهم 10 مصنفون كعسكريين والبقية مدنيون16 وقد ظهرت في هذا الاجتماع كتلتان متباينتان الأولى هي كتلة عبان رمضان وتضم معه كلا من بن خدة ودحلب وكذا العقيد دهيليس، أما الكتلة الثانية فهي تضم كريم بلقاسم ومحمود الشريف وبن طوبال وبوالصوف17 وقد ساد جلسات المؤتمر جو من الحذر والترقب ذلك أن الكتلة الثانية دعت أعضاء المجلس إلى التزام الصمت تحضيرا لإجراء تغييرات هامة.18 واقتصرت الجلسات الأولى على كبار القادة من العسكريين والسياسيين ثم كانت الجلسة لتي حضرها كل أعضاء المجلس الموجودين بالقاهرة والتي لم تدم سوى ثلاث ساعات.19 وقد اتخذ المجلس عدة قرارات تمثلت في: -توسيع أعضاء المجلس الوطني للثورة من 34 عضو إلى 54 عضو كلهم دائمين. -إلغاء أولوية السياسي على العسكري والداخلي على الخارجي. -القيام بهجوم عسكري شامل في مختلف نواحي الجزائر. -توسيع النشاط الدبلوماسي في الخارج من أجل كسب المزيد من التضامن العالمي مع القضية الجزائرية. -التفويض للجنة التنسيق والتنفيذ بإنشاء حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية حال توفر الظروف المناسبة لذلك.20 5/التعليق على المقررات: بالتدقيق في المقررات السالفة الذكر يمكن أن نخرج بمجموعة ملاحظات هي كالأتي: بخصوص توسيع المجلس الوطني للثورة فقد تقرر أن يصبح أعضاء كل مجلس كل ولاية من الولايات التاريخية أعضاء في المجلس الوطني بصورة تلقائية وهذا ما مكن من تقوية مركز الباءات الثلاثة،21 حيث أصبح لكل واحد منهم أربع أصوات إضافية تمثل وكالات الولايات التي يقودونها وبالتالي أصبح لكل منهم خمس أصوات إضافية.22 أما عن توسيع لجنة التنسيق والتنفيذ فإنها في مؤتمر الصومام كانت تضم 5 أعضاء منهم عسكريان وثلاثة سياسيين،23 أما في دورة المجلس الوطني للثورة فإنها أصبحت تضم 14 عضوا بحيث تم إضافة القادة الخمسة المختطفين في عملية القرصنة الجوية إلى اللجنة ، أما ال9 الباقون فكان 5 منهم عسكريون و4 سياسيون،24 كما يلاحظ إبعاد عضوين من لجنة التنسيق والتنفيذ السابقة من عضوية اللجنة الجديدة،25 ونعني بالأمر السيدين بن يوسف بن خدة وسعد دحلب وذلك لكونهما محسوبين على عبان رمضان في صراعه مع كريم بلقاسم.26 وبخصوص إلغاء أولوية السياسي على العسكري والداخلي على الخارجي فقد قدم هذا المقترح السيد كريم بلقاسم وتمت الموافقة عليه بعد التصويت، وهو ما يعد هزيمة أخرى للسيد عبان رمضان.27 ومن جهة أخرى فإن تغيير هذين البندين بعد عام فقط من تقريرهما فإنه يدل على أحد اثنين، فإما أن ظروف الثورة تغيرت ومنه استوجب الأمر تغييرا في إستراتيجيتها، أو أن هذا القرار لم يكن صالحا منذ البداية وبالتالي فإنه أدخل زعماء الثورة في صراع بينهم خاصة إذا ما علمنا أن قيادات الثورة الخارجية لم تحضر مؤتمر الصومام. وبالنسبة للقيام بهجوم عسكري شامل فإنه لم يتحقق، إلا ان المرحلة التي تلت الدورة قد شهدت توسيع العمليات العسكرية من الطرفين. وبخصوص التفويض للجنة التنسيق والتنفيذ بتشكيل حكومة مؤقتة فإنه يعود بالأساس إلى الحاجة لكيان دبلوماسي يمثل الشعب الجزائري، ويبين للعالم أن الطرف الجزائري المفاوض موجود وأنه مستعد للتفاوض بمقتضى الشروط المعلنة في بيان أول نوفمبر 1954م، وميثاق الصومام 1956م، وبالتالي فإن إعلان الحكومة المؤقتة كان أمرا لا بد منه لمواجهة الألاعيب الفرنسية ودحر ذريعتها الواهية التي طالما تحججت بها وهي عدم وجود طرف جزائري رسمي يمكن التفاوض معه.28 6/أثر المقررات على مسيرة الثورة: كان لهذه الدورة أثر كبير على العديد من جوانب الثورة الجزائرية، ذلك أن الثورة انتقلت بعد هاته الدورة إلى أيدي العسكريين، كما سجل المؤتمر خيبة أمل للسياسيين.29 ومن جهة أخرى لم يقض المؤتمر على الأزمة بين كريم بلقاسم وعبان رمضان نهائيا، ومع تطور الصراع بين الطرفين قرر القادة العسكريون للثورة سجن عبان رمضان بالمغرب إلا انه تم إعدامه هناك نهاية عام 1957م، وسط تضارب الروايات عن المتسبب في ذلك. ومن ناحية أخرى تم تقرير يوم 30 مارس 1958م، كيوم للتضامن مع الجزائر في إفريقيا وآسيا، حيث أصدرت لجنة التنسيق والتنفيذ بلاغا مفاده أن يوم 30 مارس 1958م، هو يوم فعال بالنسبة للقضية الجزائرية ونقطة فاعلة في تحولها من مواجهة الاستعمار وحدها إلى مواجهته بدعم الدول الصديقة.30 وكذلك تم تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958م، تنفيذا لمقررات المجلس الوطني للثورة، إذ جاء في مرسوم تأسيسها: بسم الله الرحمان الرحيم باسم الشعب الجزائري. نظرا للسلطات التي خولها المجلس الوطني للثورة الجزائرية إلى لجنة التنسيق والتنفيذ (لائحة 28 أوت 1957م) فإن لجنة التنسيق والتنفيذ قد قررت تكوين حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية31 بودانة وليد الهوامش: 1 محمد العربي الزبيري وآخرون: كتاب مرجعي عن الثورة التحريرية،1954-1962م، ط1، المركز الوطني للدراسات والبحوث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، الجزائر، 2007، ص54. 2 أنظر قائمة الأعضاء عند علي ملاح: محطات حاسمة في ثورة أول نوفمبر 1954م، د ط، دار الهدى، الجزائر، 2004م، ص ص127، 128. 3 نفسه: ص131. 4 أنظر حول هذا الاختلاف محمد العربي الزبيري: تاريخ الجزائر المعاصر1945-1962، ج2، د ط، إتحاد الكتاب العرب، د م ن، ص99، الحاشية 1. 5 فتحي الديب: عبد الناصر وثورة الجزائر، ط2، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1992م، ص352. 6 فرحات عباس: تشريح حرب، ترجمة أحمد منور، وزارة المجاهدين، د ط، الجزائر، د ت ن، ص 187. 7 مصطفى هشماوي: جذور نوفمبر 1954م، د ط، دار هومة، الجزائر، د ت ن، ص 103. 8 أحمد توفيق المدني: حياة كفاح، ج3، د ط، دار المعرفة، الجزائر، 2010م، ص 490. 9 العربي الزبيري: نفسه، ص99، الحاشية 1. وأنظر أيضا عمر بوضربة: النشاط الدبلوماسي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سبتمبر 1958- جانفي 1960م، د ط، دار الحكمة، الجزائر، 2010م، ص23. 10 فرحات عباس: ص 276. 11 نفسه: ص 276. 12عمر بوضربة: ص ص 22،23. 13 حميد عبد القادر: عبان رمضان مرافعة من أجل الحقيقة، د ط، منشورات الشهاب، الجزائر، 2003م، ص 130. 14 محمد عباس: نصر بلا ثمن، د ط، دار القصبة، الجزائر، 2007م، ص233. 15 أزغيدي محمد لحسن: مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجزائرية 1956-1962م، ط1، دار هومة، الجزائر، ص181. 16 أنظر قائمة الحاضرين عند مصطفى هشماوي: ص490. 17 محمد عباس: ص234. 18 توفيق المدني: ص103. 19 محمد عباس: ص235. 20 أزغيدي محمد لحسن: ص 181. 21 اسم أطلق على الثلاثي كريم بلقاسم، لخضر بن طوبال، عبد الحفيظ بوالصوف. 22 جريدة الخبر الجزائرية: حوار مع الرائد عز لدين نائب بومدين في قيادة أركان الثورة، الثلاثاء 03 جويلية 2010م. 23 أنظر قائمة الأعضاء عند علي ملاح: ص ص 128، 129. 24 جريدة الخبر: الحوار السابق. 25 أنظر أعضاء اللجنة الجديدة عند محمد عباس: ص236. 26 العربي الزبيري وآخرون: ص 86. 27مصطفى هشماوي : ص ص 103، 104. 28أزغيدي محمد لحسن: ص 191. 29 عبد الحميد زوزو: محطات في تاريخ الجزائر، د ط، دار هومة، الجزائر، 2004م، ص505. 30 محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، ج14، ط2، المكتب الإسلامي، د م ن، 1996م، ص 105. 31 أزغيدي محمد لحسن: ص 191.