لا أود أن أخاطبكِ كرجل دين حتى لا تدلفي لي بكلمات مصبوغة بتهم التشدد والتزمت، ولكن أخاطبك بإحساس ومشاعر قد تنفذ إلى قلبك وتهز كيانك، وتحدث في نفسك ثورة على نفسك، أخاطبك لما رأيت من صراع عميق يلفّك وأنت تستقبلين حياتك بعد تخرّجك من الجامعة أو الكلية أو من أي من المخرجات. صراع يبدأ من الصفر، ثم يتكوّم ويتحول تدريجيا ليبلغ أوجه بعد الزواج. كنت تحلمين بزوج يريحك عناء الحياة وينقلك إلى عالم آخر سمتُه التحليق في بحر السعادة تحت سقف بيت واحد دون نكد أو كدر، لقد عشت الحب الحقيقي معه في فترة الانفصال قبل الاتصال، وأغدق عليك بأجمل كلمات الود وكأنه في حالة استعجال، يريد أن ينقلك بسرعة إلى بيت لا تدرين محتواه، كانت البداية سعيدة بعد الزواج والاتصال، ما زالت كلماته العذبة تنساب من شفتيه وكأنه يطير في بحر الهوى، شعرتِ حينها أن الدنيا قد أقبلت وأنها حيزت لك، ما دمت معافية في جسدك، لك زوج يحبك ويسهر على راحتك، لكن بمرور الأيام ماذا حدث؟ أنت تعملين وهو يعمل، بدأ البعد يشق الأنفس، كنتما في سعادة قبل الزواج، تحول الأمر إلى عادة، فاللقاء لم يعد مبتغى، وكلمات الحب والوجد اختفت، والمرأة بدأت تذبل في نظره، لا تتزين، لا تطبخ، لا تنظف، لا تهتم بزوجها، لا تنظر لأطفالها، متعبة، مرهقة، متوترة، لا تستمع لأحد، تصرخ، تريد العزلة لترتاح من مشقة يوم عمل، تجلس وحيدة مع هاتفها النقال لعله يسلّيها، ينتظر زوجها أن تبادره بالكلام، يحاول أن ينطق لكن لسانه لُجم، يحاول أن يستدرجها فترفض، لا تهتم لغضبه وفورانه، ولا تدري أنه إذا غضب عليها وباتت على هذه الحالة كانت ملعونة طوال ليلها ونهارها، ولكنها لا تبالي بدعوى أن الزمن قد تغير، والحياة شراكة، والرجل صار كالأنثى رغم قول ربنا وليس الذكر كالأنثى، تعتقد أن زوجها لا ينتظر من الأنثى أن تأتيه متسربلة في ثياب عطرة، متزينة تغريه، وتنسيه متاعب الدنيا وتشغله عن أن ينظر إلى أخرى، المرأة صارت تتزين للخارج بعد أن صارت تعمل، عندما تدخل بيتها وكأنها دخلت جحرها لا يراها إلا زوجها، نبّه الشرع الحنيف إلى ذلك وعدّ تصرف هذه المرأة خطأ وحثها على أن تراجع نفسها وتبدّل نظرتها، وترنّ في أذنها آية النور التي نزلت في حقها، بأن لا تري زينتها إلا لزوجها ومن كان محرّما عليها، لكنها عاندت حظها ورأت بنت جنسها في الغرب كيف هي متألقة يشار إليها بالبنان، وعلى صفحات الجرائد والمجلات تعرض جسدها لمن أراد ويطمع الذي في قلبه مرض. أنسوها مهمتها العظيمة، وأبدلوا سعادتها في الخارج بتعاسة في الداخل، تجني كل يوم ويلاتها مع زوجها وأبنائها، طلاق وفكاك، وأبناء مشردون في الحياة وقد يتيهون ويعبثون، وقد يدمنون على جميع المسكرات فيجلبون الأسى والحسرة والندامة، وزوج قد يضيع وتضيع منه الحياة، وتذوب من شفتيه كلمات الحب التي كان يشبع بها أذنيها ويهتز لها كيانها قبل الزواج، فلا تسمع إلا آهات الذكرى وألم الغربة رغم أنها تعيش مع رجل تدعي محبته، جعلوها في مقام المرأة الحرة وكأنها كانت تكبلها السلاسل والأغلال، فتخلصت من كل التبعات، ترتع في بحر الدنيا كيفما تشاء، تلك هي الحرية المزعومة والمساواة التي أرادوها، سخروا من المرأة التي تستر نفسها ولا تمَكْيِج وجهها، وتعتني بطفلها وزوجها، جعلوها محل سخرية، ومن طيب كلامهم، لكن المرأة اليوم أدركت أنها خُدعت، والخدعة قد انطوت عليها وهي لا تدري لأن مشاعرها فياضة، وعاطفتها سيّارة، تسير بها على غير هدى. حكّمت عقلها، طلبت الأمن في بيتها، لو أرادت لحصلت على كل الحب والدفء والحنان من زوجها، ولو فعلت لوجدت كل السعادة في تربية أبنائها، لو أقدمت لكانت مدرسة فائقة الجمال والعطاء، ولكنها عاندت فطرتها وأغوتها دعوات الأخريات فخرجت تزاحم الرجل في كل مكان مدعية حقها في العمل، ولا نعارض ذلك إن كانت قادرة على الجمع بين الحسنيين، ولكن إذا فشلت هل ستخسر المبنيين، وتهدم كل ما سعت إلى بنائه طيلة سنوات من عمرها؟ * عن موقع المختار الإسلامي