بسم الله الرحمن الرحيم إنّ المسلم يعملُ العمل راجياً من الله القبول، وإذا قبل الله عمل الإنسان فهذا دليل أن العمل وقع صحيحاً على الوجه الذى يحب الله تبارك وتعالى، قال الفضيل بن عياض: (إن الله لا يقبل من العمل إلا أخلصه وأصوبه، فأخلصُه ما كان لله خالصاً، وأصوبُه ما كان على السنة) وذكر الله تبارك وتعالى أنه لا يقبل العمل إلا من المتقين: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27). فكيف يعرفُ الإنسان أن عمله قد قبل وأن الجُهد الذى قام به أتى ثمرته؟ ذكر علماؤنا أنّ للقبول أمارات، فإذا تحققت فعلى العبد أن يستبشر، والتى منها: عدم الرجوع إلى الذنب: إذا كرِه العبد الذنوب وكرِه أن يعود إليها فليعلم أنه مقبول، وإذا تذكر الذنب حزن وندم وانعصر قلبه من الحسرة فقد قُبلت توبته، يقول ابن القيم في مدارج السالكين: (أما إذا تذكر الذنبَ ففرح وتلذذ فلم يقبل ولو مكث على ذلك أربعين سنة) قال يحيى بن معاذ: (مَن استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول فى وجهه مسدود). زيادة الطاعة: ومن علامات القبول زيادة الطاعة: قال الحسن البصرى: (إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية)، وقد قال الحسن: (يا ابن آدم إن لم تكن فى زيادة فأنت فى نقصان). الثبات على الطاعة: وللثباتِ على الطاعة ثمرة عظيمة كما قال ابن كثير الدمشقى- حيث قال رحمهُ الله: (لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه يوم القيامة) فمن عاش على الطاعة يأبى كرم الله أن يموت على المعصية، وفي الحديث: (بينما رجلٌ يحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم وآله فوكزته الناقة فمات فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (كفنوه بثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبّياً). ويحذر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: (لا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل على رقبته جملاً له رغاء فيقول يا محمد يا محمد! فأقول قد بلغتك). وقال عن الرجل الذى سرق من الغنيمة إن الشملة التى سرقها لتشتعل عليها ناراً. طهارة القلب: ومن علامات القبول أن يتخلص القلب من أمراضه وأدرانه فيعود إلى حب الله تعالى وتقديم مرضاته على مرضاة غيره- وإيثار أوامره على أوامر من سواه، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يترك الحسد والبغضاء والكراهية، وأن يوقن أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيطمئن ويرضى، ويوقن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليُخطئه، وبالجملة يرضى بالله وبقضائه ويحسن الظن بربه. تذكر الآخرة: ومن علامات القبول نظر القلب إلى الآخرة، وتذكر موقفه بين يدي الله تعالى وسؤاله إياه عما قدم فيخاف من السؤال، فيُحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة، ولقد سأل الفضيل بن عياض رجلاً يوماً وقال له: كم مضى من عمرك؟ قال: ستون سنة، قال: سبحان الله منذ ستين سنة وأنت في طريقك إلى الله! قربت أن تصل، واعلم أنك مسئول فأعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: وماذا أصنع، قال: أحسِن فيما بقي يغفر لك ما مضى وإن أسأت فيما بقى أخذت بما بقى وبما مضى. إخلاص العمل لله: ومن علامات القبول أن يخلص العبدُ أعماله لله فلا يجعل للخلق فيها نصيباً، لأن الخلق في الحقيقة ما هم إلا تراب فوق تراب- قيل لأحد الصالحين- هيا نشهد جنازة فقال: اصبر حتى أرى نيتى، فلينظر الإنسان منا نيته وقصده وماذا يريدُ من العمل، وقد وعظ رجلٌ أمام الحسن البصرى فقال له الحسن يا هذا لم أستفد من موعظتك، فقد يكون مرض قلبي وقد يكون لعدم إخلاصك. نسأل الله تعالى القبول والإخلاص فهو وليّ ذلك والقادر عليه.