عادت الفتنة الهوجاء لتلقي بظلالها على ولاية غرداية، حيث خرج الوضع مجدّدا عن السيطرة عشية الانتخابات الرئاسية بعد عودة المواجهات الدامية ليلة الجمعة إلى السبت، والتي أفضت إلى سقوط قتيلين يضافان إلى قائمة شهداء هذه المأساة الرهيبة التي ترمي ضمن ما ترمي إليه إلى تفتيت الجزائر والتخطيط لتفجيرها. أحداث غرداية حسب المتتبّعين أكّدت للقاصي قبل الداني أنه تمّ اتّخاذ المدينة مرحلة من مراحل تفتيت الجزائر والتمهيد لمخطّط تفجيرها وجرّها إلى موقع الصراعات الجهوية، بل وجرّها إلى النّزاعات التي تهدّد كيانها وبقاءها، فهي ليست حربا بين إباضي ومالكي، بل هي فتنة زرعتها أطراف أجنبية تهدف إلى ضرب أمن واستقرار الجزائر. ولم تفلح محاولات وجهود المجتمع المدني والحكومة في تهدئة الأوضاع التي لم تلبث بين حين وآخر أن تعود إلى المواجهات، حيث شهدت ليلة الجمعة إلى السبت حربا ضروسا بمدينة مليكة ناحية أغرم أوداي وتشرحين قبل أن يعود الهدوء إلى قصر مليكة (أتمليشت)، وقد انتقلت المواجهات إلى ما تبقّى من محلاّت تجارية للمزابيين، أين قام معتدون بتخريبها، وحتى مصلّى أهل الفرارة إلا أن وصول قوات الأمن أوقف الكارثة. واستمرّت طوال اللّيل المواجهات في منطقة أحباس نشور بغرداية، حيث سقط العشرات من الجرحى بمختلف الإصابات، وتمّ حرق ونهب العديد من المنازل التي لم يتسنّ إحصاؤها أو إنقاذ ما تبقّى منها، في حين تواصلت بغرداية وفي منطقة لعديرة الفلاحية المجاورة لبلدية الضاية المواجهات، إلاّ أن الهدوء الحذر يسود المنطقة بعد أن استبيحت الممتلكات الفلاحية طيلة يومي الخميس والجمعة الماضيين، حيث سجّلت خسائر مادية معتبرة. وقد خلّفت المواجهات الأخيرة سقوط شابّين آخرين، حيث لقي شابّ في حي كاف حمودة ببلدية بريان مصرعه إثر طلقات نارية يرجّح أن تكون من بندقية صيد، وذلك في اشتباكات الفتنة التي انتقلت عشية يوم الجمعة إلى مدينة بريان شمال عاصمة الولاية غرداية، الضحية يدعى (بن الناصر ناصر بن نور الدين)، 22 سنة، طالب جامعي بجامعة (عمار ثليجي) بالأغواط، كان سيتخرّج في جوان القادم. وحسب معلومات متداولة فقد تمّ إلقاء القبض على الشخص المتّهم بالقتل ويدعى (أولاد الحاج علي سماحي)، فيما لقي شخص ثان بمنطقة أحباس نشور بعاصمة الولاية غرداية مصرعه بطعنات بسلاح أبيض لمّا كان يحرس بيته الذي تعرّض لهجومات متوالية من عصابات التخريب. الضحية يدعى (بالحاج شعبان حسان)، فيما لم تتأكّد معلومات أخرى إلى حد الآن عن الضحية الثاني. وبذلك يسقط عاشر ضحية في أحداث غرداية التي تعصف بالولاية منذ نهاية نوفمبر الماضي، والضحية السابع للمزابيين، بينما لا تزال حوالي 8 حالات أخرى على الأقل في غرف العناية المركّزة بمستشفى الواحات بغرداية نقلت من مواقع المناوشات التي عرفتها أغلب أحياء غرداية وبريان ومليكة يومي الخميس والجمعة الماضيين، لتضاف أرقام جديدة إلى سجِّل شهداء الفتنة المعلّقة على باب القضاء من غير قصاص ولا عدالة، حيث تحصي غرداية قتلاها في انتظار أن تضبط قائمتهم الجزائر بعد 17 أفريل 2014 الاستحقاق الذي وضع كلّ أمور البلاد في نظام (الستاند باي). هذا، وقد نظّم عدد من ممثّلي المجتمع المدني الميزابي ظهر أمس وقفة احتجاجية أمام مدخل دار الصحافة (الطاهر جاووت) ضد ما أسموه (الظلم والإبادة والتصفية العرقية التي يتعرّضون لها بغرداية). ارتفاع حدّة أعمال العنف بغرداية ارتفعت حدّة أعمال العنف والمناوشات بغرداية بين مجموعات من الشباب بعد ظهر أمس الجمعة لتتواصل ليلة الجمعة إلى السبت عبر أحياء مختلفة من سهل ميزاب قبل أن تنتشر لتطال منطقة بريان، حسب ما لوحظ في عين المكان. كانت عديد أحياء بلديات كلّ من غرداية وبنورة وضاية بن دحوة الواقعة بسهل ميزاب وكذا بريان مسرحا لهذه الأحداث التي عرفت أعمال عنف وتخريب ونهب وحرق إثر اشتباكات متفرقة بين مجموعات من الشباب، وتمّ تسجيل قرابة المائة إصابة بجروح منذ عودة هذه الأحداث الاثنين الماضي، وفقا لما علم من مصدر طبّي بمستشفى (تريشين) بغرداية. وقد تعرّض نحو خمسون محلاّ ذا طابع تجاري وسكني وأربع حظائر للعتاد المتحرّك ومقرّ محطة المعهد الوطني لحماية النباتات ونحو عشرون سيّارة وثلاثون غابة نخيل للنّهب والتخريب قبل أن يتمّ إضرام النيران فيها من طرف شباب عبر أحياء غرداية وبنورة وضاية بن دحوة. وأثارت مشاهد المحلاّت التجارية المنهوبة والسيّارات المحطّمة والسكنات المتفحّمة بفعل النيران قلق وفزع زوّار وسكّان غرداية ككلّ. ولا يتوان مئات الشباب الملثّمين المدجّجين بالحجارة والزجاجات الحارقة على مستوى عديد الأحياء في تحطيم واجهات المحلاّت ونهب وتخريب وإحراق السيّارات، دافعين بذلك فرق مكافحة الشغب إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم. وقد كانت منطقة غرداية منذ نهاية السنة الماضية مسرحا للمناوشات المتكرّرة بين مجموعات من الشباب التي كانت تتراشق بالزجاجات الحارقة والحجارة وغيرها من المقذوفات. وتعرف حاليا هذه الأحداث التي تميّزت بفترات من الهدوء حدّة في أعمال العنف والتخريب والنّهب والتحطيم وحتى الحرق. وقد تمّ نهب وتخريب أكثر من 700 محلّ ذي طابع تجاري قبل أن يتمّ إضرام النيران فيها خلال المناوشات المتكرّرة التي عرفتها غرداية منذ جانفي الأخير، تفيد مصالح الولاية. كما ترتّب عن هذه الأحداث هلاك ثمانية أشخاص وإصابة أكثر من مائة آخرين، إلى جانب إحراق أكثر من خمسين سيّارة خاصّة. وقد تمّ اتّخاذ عديد المبادرات الرّامية إلى إحلال واستتباب الأمن والسكينة في المنطقة من خلال إرساء الحوار والتقريب بين المتخاصمين من طرف مختلف الشخصيات السياسية والدينية (جمعية العلماء) والرياضية. الأفافاس تدعو أبناء غرداية إلى "الفطنة والحذر" شدّدت جبهة القوى الاشتراكية أمس السبت على ضرورة أن يتوخّى مواطنو ولاية غرداية (الفطنة والحذر) بعد استئناف الأحداث بهذه المنطقة. ودعت جبهة القوى الاشتراكية في بيان لها سكّان هذه الولاية (إلى التحلّي بالفطنة والحذر أمام المواجهات المتواصلة التي لا نفهم حيثياتها)، مضيفة أن (هذا التطرّف لا يخدم سوى دعاة الفوضى). وأضاف البيان أنه (على إثر وفاة مواطنين اثنين وإصابة عشرات الآخرين بالجروح تتقدّم جبهة القوى الاشتراكية بتعازيها إلى عائلات الضحايا وتقاسمها حزنها). ومن جهة أخرى، دعت جبهة القوى الاشتراكية (السلطات إلى تجنيد كلّ الإمكانيات الضرورية لإعادة الوضع إلى طبيعته).