يعدّ الشّهيد طالب عبد الرحمان من بين الطلبة الذين انضمّوا إلى الثورة التحريرية وهو في مقتبل العمر، فلم يمنعه حبّه للعلم والرّغبة في الدراسة أن يكون حبه للنضال من أجل تحرير الوطن أهم من كل شيء، إذ ما قيمة الشهادة العلمية للإنسان إذا كان مستعبدا وكرامته مهدورة. مثل هذه الأفكار والمعتقدات كانت تحرّك وطنية كثير من شبابنا، كما حرّكت الطلاب والتلاميذ عند مغادرتهم مقاعد الدراسة بعد إضراب 19 ماي 1956 تلبية لنداء أول نوفمبر للمشاركة في الثورة المسلّحة. عاش طالب عبد الرحمن المولود بتاريخ 03 مارس 1930 بالجزائر العاصمة، وتربّى في الحي الشعبي (سوسطارة)، حيث شاهد منذ ولادته معاناة الشعب الجزائري وظلم الإدارة الاستعمارية، ذاق مرارة الظلم الاستعماري وأدرك وهو طالب بجامعة الجزائر، أن هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه هو وغيره لا يزول إلا بزوال الظالمين، لذلك بدأ إحساسه يقوى ويتعاظم بضرورة مواجهة الطغاة، نداء جبهة التحرير الوطني الداعي إلى التوقف عن الدراسة والتفرغ للمشاركة في الثورة. لقد وجد في هذا النداء ما يلبّي وطنيّته ويقوّي رغبته في العمل الثوري، فنصب اهتمامه على هذا الجانب وبدأ ينشط ضمن الفرق التقنية المكلفة بصناعة المتفجرات التي كانت تغذي العمل الفدائي، إلى أن ألقي عليه القبض عام 1958، بعد عثور البوليس الفرنسي على المخبر الذي كان المناضلون يستعملونه في صنع المتفجّرات والقنابل. وقد تملّك عبد الرحمن الاضطراب والقلق، وتيقّن أنّ البوليس سيضاعف من عملية البحث والتحري من أجل معرفة من كانوا ينشطون في هذا المخبر، وسيركّز في بحثه على الجامعيين خاصة ذوو اختصاص الكيمياء، فاتّصل بالمسؤول العسكري لمعرفة رد فعله، وظلّ الارتباك يسيطر على الشهيد يومين كاملين، وفكّر في مغادرة العاصمة والالتحاق بالجبال وينضم إلى قوافل المجاهدين لدعم الثورة بعلمه وفكره. لقد صعب على البوليس السري في البداية الوصول إلى الأشخاص الذين كانوا يصنعون المتفجّرات، لأنّ العملية كانت تتم في سرية تامة، ولكنه لم يتوقّف عن مواصلة التحري حتى وصل إلى سجلات الجامعة واطلع على قوائم الطلبة الذين كانوا يزاولون الدراسات العلمية، وعمدوا إلى تصفّح سجلات المداومة والغياب، فتمكّنوا من معرفة انقطاع الطالب عبد الرحمن عن الدراسة منذ إضراب 19 ماي 1956، حينها بدأت الشكوك تحوم حوله فصار محل استدعاء من أجل استنطاقه، ولمّا علم المسؤولون في جبهة التحرير أنّ البوليس السري يبحث عن عبد الرحمن لإلقاء القبض عليه، أمروه بالاختفاء حتى يهدأ البحث عنه. ومن أجل ذلك، أرسل المسؤول العسكري بالعاصمة من يبحث عنه، فلمّا عثر عليه طلب منه أن لا يتردّد على المنزل، ولا على الحي الذي يسكن فيه لأن في هذا خطرا عليه وعلى النظام. مرّت الأيام على عبد الرحمن وهو يفكّر في كيفية الخلاص من تبعات الانفجار، وأصبح البحث عنه جاريا، وحينما خفّ البحث قليلا بسبب بروز أحداث جديدة، ربط المسؤول العسكري الاتصال بقائد الولاية الرابعة الذي يشرف على الأطلس البليدي لترتيب انتقال عبد الرحمن إلى هناك، ريثما تهيّئ له قيادة الثورة مخبرا جديدا لمواصلة صنع المتفجّرات. لكن قبل الوصول إلى هذا الهدف، تمكّن العدو من إلقاء القبض على طالب عبد الرحمن، أثناء تنقله عبر سهل متيجة القريب من الأطلس البليدي، كان ذلك بتاريخ 5 جوان 1957، وقبل الشروع في استنطاقه تعرّض إلى تعذيب جسدي ونفسي يفوق حد التصور لكي يبوح للعدو بأسرار الثورة، التي كان يعلم الكثير عنها لكنه صبر صبر الرجال الشّجعان، ولم تضعفه عزيمته وظل عدة شهور يتلقّى أصنافا من العذاب على أيدي جلاّديه. فلما عجز جلاّدوه عن انتزاع أي اعتراف منه يفيدهم في الحد من قدرات الثورة، أعدموه دون محاكمة بتاريخ 24 أفريل 1958، حيث اهتزّ العالم لهذا الإعدام وتحدّثت الصحافة الدولية عنه، فساهم إعدامه في تدويل القضية الجزائرية. ومنذ اعتقاله نشرت الصحف نبذة قصيرة عن حياته وعن العذاب الذي كان يتلقّاه وهو في قبضة العدو، والصّمود الذي أظهره مدة تقارب العام. ومنذ استشهاده صار رمزا للشبان الجزائريين، الذين ضحّوا بأعزّ ما يملكون من أجل استرجاع السّيادة الوطنية.