كل يوم تطل علينا صحف ووكالات الأنباء العالمية بخبر يتعلق بانتهاكات ضد الأقلية المسلمة التي تقدر بنحو مليون شخص محرومون في (بورما) أو ما تعرف ب(ميانمار) حاليا من أدنى حقوقهم. وتكشف التقارير الواردة من هناك عن جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي يمارس ضد المسلمين من عرقية (الروهينجيا) في ظل منعهم من المشاركة في الإحصاء السكاني لسكان ميانمار وحرمانهم من العلاج اللازم أو حتى المساعدة من قبل منظمات حقوق الإنسان العالمية. وتشير التقارير إلى زيادة معدلات الموت البطيء في صفوف المسلمين هناك المحاصرين داخل معسكرات تضم عشرات الآلاف منهم في غياب شبه كامل لخدمات الحكومة التي تكتفي بمشاهدة هجمات البوذيين المتشددين على ديارهم وممتلكاتهم. ويتعامل الغرب بحذر شديد مع الحكومة هناك التي جاءت بعد حكم دكتاتوري عسكري أملا في التقرب إليها وإبعادها عن النفوذ الصيني. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وجه خلال زيارته لآسيا مؤخرا رسالة إلى قادة ميانمار مفادها أن بلادهم لن تتقدم في ظل استمرار قمع المسلمين. وفي سياق ذلك سلطت صحيفة (النيويورك تايمز) الأمريكية الضوء على معاناة نحو مليون مسلم (روهينجي) في ميانمار وسط اتهامات للحكومة البوذية هناك بارتكاب جرائم ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية في حق الأقلية المسلمة هناك. وأشارت الصحيفة إلى تعرض المسلمين في معسكرات إيواء تضم عشرات الآلاف منهم إلى الموت البطيء خاصة في ولاية (أراكان) في ظل انتشار الأمراض وعدم وجود مستشفيات هناك سوى واحدة فقط تابعة للدولة تغلق أبوابها قبل الرابعة مساء. وتناولت الصحيفة قصة طفلة صغيرة ماتت على يد جدتها بسبب عدم وجود علاج في الصيدلية داخل معسكرهم وإغلاق المستشفى الحكومي أبوابها الساعة الرابعة عصرا. وتحدثت عن استمرار البوذيين هناك في التحريض ضد المسلمين ومنظمات حقوق الإنسان وأطباء بلا حدود ومنظمات الأممالمتحدة وهو ما دفع تلك الهيئات والمنظمات إلى إجلاء نحو 300 منهم قبل أسابيع هربا من هجمات وتهديدات البوذيين بعد أسابيع من طرد منظمة (أطباء بلا حدود) بزعم وقوفها بجانب المسلمين ضد الحكومة بعدما تحدثت عن مقتل العشرات من المسلمين على يد البوذيين بالمخالفة لبيانات الحكومة البوذية. وأضافت أن ما تشهده ميانمار دفع بعض قادة المنظمات الإنسانية والحقوقية لاتهام الحكومة هناك بارتكاب جرائم ترقى للوصف بأنها جرائم ضد الإنسانية في ظل استمرار معاناة الأقلية المسلمة هناك. المرضى والأزمة في ولاية أراكان بعد أن أجبر العنف الديني العديد من أفراد الأقلية الروهنجية المسلمة في ميانمار على الفرار من ديارهم أصبحت هذه الأقلية تتصارع الآن مع أزمة صحية تفاقمت بسبب القيود المفروضة على المساعدات الدولية. ففي فيفري الماضي، طردت حكومة ميانمار منظمة أطباء بلا حدود، وهي المجموعة الرئيسية التي تقدم الرعاية الصحية لأكثر من نصف مليون روهنجي في ولاية أراكان، كما أوقفت المنظمات غير الحكومية الأخرى عملها أيضا. وأدت هجمات العصابات الغوغائية من الراخين على مكاتب المنظمات غير الحكومية والأممالمتحدة في مارس إلى انسحاب الجماعات التي تقدم الرعاية الصحية وغيرها من مساعدة ضرورية لآلاف من الروهنجيا النازحين بسبب أعمال العنف بين البوذيين والمسلمين منذ عام 2012م، و يعيش الآن هؤلاء الروهنجيا في المخيمات. وكانت سلطات ميانمار قد منعت منظمة أطباء بلا حدود (MSF H) من مزاولة عملها بعد أن قالت إن هذه الجماعة تعاملت مع أشخاص يعتقد أنهم مسلمون وقعوا ضحايا للعنف في جنوب بلدة منغدو، قرب الحدود مع بنغلادش في جانفي. وتقول الأممالمتحدة إن 40 شخصا على الأقل من الروهنجيا قتلوا هناك من قبل القرويين الراخين البوذيين. لكن الحكومة تنفي وقوع أي عملية قتل متعهدة بالسماح لمعظم المنظمات غير الحكومية بالعودة إلى عملها بعد انتهاء الاحتفالات البوذية للسنة الجديدة هذا الشهر، ولكن حتى الآن لم يرجع الحال إلى وضعه الطبيعي سوى توزيع المواد الغذائية من قبل برنامج الأغذية العالمي. وكان قادة مجتمع الراخين في مركز حكومة الولاية للتنسيق في حالات الطوارئ فرضوا شروطاً على جماعات الإغاثة الأخرى الراغبة في العودة. وقال ثان تون، أحد كبار الراخين إنه سيسمح للمنظمات غير الحكومية أن تعمل فقط إذا أظهرت شفافية تامة في الكشف عن خططهم ومشاريع سفرهم ولم تظهر أي تفضيل للروهنجيا. ومع غياب المساعدات الخارجية إلى حد كبير، يكافح أعضاء الأقلية المسلم للبقاء على قيد الحياة. توفيت (أسوما) ابنة غوريما كاتو البالغة من العمر ثلاثة أشهر بالحمى والإسهال في مخيم مليء بالغبار للنازحين داخليا. وقالت غوريما إلى رويترز بينما طفلتها جثة ممددة: (أعتقد أن طفلتي كانت تنجو لو وجدت المساعدة). وتكشف الزيارات التي يقوم بها رويترز إلى عدة مخيمات عن وجود صراع واسع النطاق مع المرض وتقوم الفرق الطبية الحكومية بزيارات محدودة إلى مناطق الروهنجيا، ولكن منظمات المساعدات الخارجية تقول إن هذا غير كافٍ. في (كين ني بيين) هناك ما يقرب من 4،600 روهنجي يعيشون تحت حراسة الشرطة ويتم تقييد تحركاتهم، ويتم تصنيفهم من قبل الحكومة كمهاجرين غير قانونيين. (وين ميانغ) وهو المتحدث باسم حكومة ولاية أراكان، رفض الفكرة القائلة إن هناك أزمة صحية في مثل هذه الأماكن وقال: (الناس في هذه المخيمات يظهرون نفس الأطفال المرضى إلى أي شخص يزورهم، وحتى عندما تقوم الحكومة بمعالجتهم فإنهم يرفضون ذلك). وقد دعت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول أخرى الحكومة للسماح لجماعات الإغاثة بالعودة إلى ولاية أراكان، لكن حتى الآن لم يتحقق أي شيء يذكر.