في بيت من بيوت الرحمة بالعاصمة تقيم عجوز، حفر الزمن على ملامح وجهها سطور معاناة رهيبة كابدتها طوال عمرها، وهي المعاناة التي رمت بها إلى دار العجزة، بعد أن كتب لها الله أن تبقى وحيدة العائلة التي انتقل كل أفرادها الآخرين إلى العالم الآخر، رحمهم الله، ولما كانت كذلك·· باتت دار العجزة أو الرحمة مقر إقامتها الوحيد! هي واحدة من الآلاف الذين غدر بهم الزمان ورماهم إلى مخالب الحياة القاسية، إلى دور العجزة والرحمة، خالتي فاطمة التي تأكدنا أنها تخفي وراء ضحكاتها الكثير من الألم بالرغم من أنها لا تسمع إلا بصعوبة، المهم أنها استقبلتنا بفرحة شديدة وهي تردد أنا ميمتكم، أنا ميمتكم عدة مرات، وهي ما يشير إلى شوقها الشديد لسماع كلمة يما أو أمي، وقد كانت تشير بإصبعها إلى السماء أي الله الواحد الذي بقي لها· سألناها بصوت مرتفع: كم عمرك؟ فأشارت بيدها بأنها لا تعرف ثم طلبت منا الجلوس إلى جانبها لتشكرنا على زيارتنا لها فقلنا لها: هل لديك عائلة؟ وما الذي أتى بك إلى دار الرحمة؟ فأجابت بعد أخدها لنفس عميق وطويل بقولها: مات الكل ولم يتبق لي أحد·· الكل رحمة الله عليهم وبقيت أنا وحيدة في هذه الدنيا أنتظر أن يأخذ الله أمانته، وما فهمناه منها بصعوبة شديدة أنها من أولاد شلالة بالقرب من سيدي عيسى، بولاية المسيلة· وبالرغم مما تعانيه خالتي فاطمة من نقص في البصر والتحرك بصعوبة كبيرة إلا أن البسمة لا تنفك تغيب عن وجهها الذي تركت مشاكل الحياة آثارها عليه في كل طيه من طيات جلدها، وندعو كل أصحاب القلوب الرحيمة بزيارة هذه الفئة التي هي بحق بحاجة إلى الدفء العائلي الذي افتقدوه وإلى يد حنونة تمسح عنهم قسوة الحياة·