* سلاح فتاك لكسر "الطابوهات" الاجتماعية لاقت البرامج الفكاهية متابعة من طرف الجمهور عبر جل القنوات، وهب مدمنوها حتى إلى البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت هي الأخرى إلى وعاء حاوي للبرامج الفكاهية، ويعلل بعض الشبان المولعين بفن السخرية أن فرارهم إلى مواقع الأنترنت كان بسبب انعدام فرص ظهورهم عبر شاشات التلفزيون لإطلاق مواهبهم، وكانت مواقع الأنترنت سبيلا لهم لعرض مواهبهم في مجال الفكاهة والضحك. نسيمة خباجة البرامج أو الفيديوهات الفكاهية هي في العادة البرامج التي يختارها المشاهدون للتنفيس ونسيان المتاعب، بحيث لاقت شهرة واسعة وحظيت باهتمام كبير في الآونة الأخيرة لاسيما وأنها أضحت الوسيلة المستعملة لكسر الطابوهات والمشاكل الاجتماعية في ميادين شتى كالبطالة، المخدرات، العنوسة، الانتحار وغيرها. واختار العديد من الشبان من أصحاب المواهب التموقع عبر الأنترنت من أجل التواصل مع محبيهم بعد أن انعدمت فرصهم وتضاءلت عبر شاشات التلفزيون بسبب البيروقراطية، فاختاروا الولوج إلى عالم الأنترنت بغية الكشف عن مواهبهم وتوصيل رسائلهم الهادفة بطابع فكاهي يجلب اهتمام الكثيرين. ظاهرة تثير اهتمام الشباب بحيث تستقطب تلك المقاطع الفكاهية الآلاف من المشاهدين وتشهد إقبالا متزايدا على مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنت بحيث تحوّلت البرامج الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ظاهرة تثير اهتمام الشباب الجزائري في السنوات القليلة الأخيرة، ويرى خبراء أنها أضحت عبارة عن فضاء للتنفيس عن الأزمات الاجتماعية وساهم ظهور قنوات تلفزيونية خاصة في الجزائر في تحولها إلى برامج تلفزيونية هامة وثرية، وتحظى بإقبال واهتمام خصوصا في أوساط الشباب، وقد تطورت بعض البرامج الساخرة إلى قنوات خاصة بالفن الساخر على موقع يوتوب، كما أنها تحمل طابعا جزائريا محضا عادة ما تستعمل فيها العامية الجزائرية التي يفهمها الجميع ولا تحتاج إلى مستوى علمي كبير كما أنها تحمل أهدافا في معالجة بعض المشاكل الاجتماعية. جامعيون وبطالون يصنعون الشهرة في عالم السخرية أضحت تلك البرامج ملاذا للفرار من البطالة والفراغ القاتل بحيث مال إليها بعض الشبان من أجل الشهرة وابتداع حرف يصبون بها إلى تحقيق أحلامهم في عالم الفن الساخر، وشكلت تلك المقاطع اهتماما في نسبة المتابعة من طرف الجزائريين بمختلف فئاتهم، حتى أن بعض الشبان الموهوبين لمعت نجوميتهم من خلال تلك الفيديوهات البسيطة التي نشرت على موقع اليوتوب بشكل خاص، عندما أطلقها مجموعة من الشبان من خريجي الجامعات، وكانت الفيديوهات تحمل مواضيع ساخرة حول مختلف الأوضاع الاجتماعية التي شكلت طابوهات في الآونة الأخيرة على غرار البطالة المحسوبية وتدهور الخدمات الإدارية ومشاكل النقل والمخدرات والإدمان وغيرها من المشاكل التي طفت على السطح في مجتمعنا في الآونة الأخيرة. من بينهم (دي زاد جوكر) الساخر الجزائري، وهو اسم لشخصية شمس الدين لعميري، حيث كان أول موضوع بثه على موقع اليوتيوب يخص (ظاهرة الفايسبوك)، وكانت السخرية حول الجزائريين الذين يغازلون الفتيات بأسماء مستعارة، والسعي لربط صداقات، وتحول الموضوع إلى فيديو مصور بمقاييس (بودكاست). كما كان الفن الساخر فرصة للشباب بغرض الحصول على شهرة فنية واسعة وصناعة أسماء في فن الضحك والسخرية، وتحول شبان عاطلون عن العمل وجامعيون إلى مشهورين في ظرف قصير ما يعكس ميل الكثيرين إلى ذلك الفن في عصر مليء بالأزمات يبحث فيه الكل عن متنفس يفرون إليه من همومهم وكربهم. "أوباما وهتلر" عرضة لقمة السخرية تناولت مقاطع الفيديوهات شحخصيات سياسية دولية بطابع تهكمي على غرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو بطريقة نقدية لشخصيات تاريخية مثل الزعيم النازي أدولف هتلر، ولم تستثن بعض الفيديوهات شخصيات محلية وتحليل بعض السلوكات الاجتماعية بلغة فكاهية، منها ظاهرة التدخين وأزمة المواصلات في الجزائر، ومشاكل التربية والتدريس، وظواهر مثل السرقة، كما لم يتوان بعض المراهقين والشبان على حمل تلك المقاطع الفيديوهاتية بهواتفهم وإرسالها وتداولها لصناعة الحدث والضحك وخلق المزحة والتنكيت بين الأصدقاء. ومن أشهر البرامج التي بثت على القنوات التلفزيونية الخاصة نجد برنامج (أنس تينا)، وهو أول برنامج ينتقل من مواقع التواصل الاجتماعي إلى شاشة التلفزيون، ويعتبر الفنان أنس تينا وهو شاب جزائري اسمه الحقيقي أنس بوزغبوب اكتشفه الجمهور من خلال شبكة الأنترنت، حيث عرف شعبيّة كبيرة قوامها أكثر من أربعة ملايين مشاهد على اليوتيوب، ويصرح أنس في كل مناسبة أن تجربته كشاب جزائري وخريج جامعة، بدأت في مجال البرامج الساخرة بمزحة بين الأصدقاء، ثم تطورت عبر استعمال الأصدقاء للمواقع التواصل الاجتماعي وهي تجربة بحد ذاتها حوّلته من شاب عاطل عن العمل، إلى اسم له وزنه في مجال البرامج الساخرة. ويوضح أنيس تينا أن الفكرة انطلقت من خلال فيديو موضوعه الفرق بين أوروبا والجزائر، وقد نال الفيديو متابعة الآلاف على اليوتوب، وكان فاتحة خير لاستدعائه من طرف قنوات محلية وفضائية على غرار قناة نسمة التونسية لاستثمار مواهبه والكشف عنها. حرية أكبر تضع رجال الدين تحت المجهر كانت البرامج الفكاهية المادة الدسمة لإثراء أغلب برامج القنوات الجزائرية الخاصة بسبب ميل الكثير من المشاهدين إلى تلك الحصص التي تعالج أعقد المشاكل وتثيرها بطابع فكاهي، ويكون الغرض الرئيسي منها التنبيه وليس الضحك والتنكيت فقط، بحيث حركت مواقع الأنترنت في بادئ الأمر تلك المواهب وأظهرتها للعلن، كما ساهمت الأسماء المستعارة في زيادة جرعة الجرأة وتجاوز المواضيع التقليدية والتطرق للتابوهات التي تشغل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية. ولعل أن البيرقراطية وتضاؤل الفرص كما سلف ذكره حوّلت الكثيرين إلى العمل عبر الأنترنت الذي بات مجالا فسيحا يضمن أكثر حرية للتعبير عن الآراء واقتراح الأفكار، ومكن البعض من صناعة أسماء عبر مواقع الأنترنت حظيت باهتمام أغلبية الشباب الجزائري، ومنه كان هناك ميول للقنوات الخاصة التي استقطبت أفكارا ونسختها على شكل برامج فكاهية لصناعة الشهرة واستقطاب المشاهدين بمشاركة فنانين شباب لهم شهرة على مواقع الأنترنيت أيضا. ويرى البعض أن تلك المواقع منحنهم حرية أكثر وجرعة أكبر للإفصاح عن مواهبهم وتنميتها ولم تعد مقتصرة على مناهضة شخصيات سياسية واجتماعية محلية ودولية بل ناقشت زلات بعض رجال الدين بأسلوب ساخر بسبب تمادي البعض في التطرق إلى مواضيع حساسة تجاوزت خطوطها الحمراء وزادت جرأتها عن الحدود المعقولة. وعلى العموم تلك البرامج الفكاهية وجدت ضالتها عبر مواقع الأنترنت أو حتى ببعض القنوات الخاصة والعمومية، تلك الأخيرة التي وجدت بدورها منها مادة لتدعيم برامجها، التي تحظى بمتابعة واسعة من طرف المشاهدين لاسيما الفئة الشبابية التي تميزها حالة القنوط واليأس وتجد متنفسا من خلال تلك البرامج من دون أن ننسى الطبقات المثقفة التي تتابع تلك البرامج بالنظر إلى أهمية الموضوعات وتطرقها إلى قضايا مجتمعية معقدة تمس مختلف المجالات بأسلوب ساخر.