طابع خاص يمتاز به شهر رمضان الكريم عن باقى الشهور الأخرى، فيحرص فيه أفراد الأسرة على الالتفاف حول مائدة واحدة، إلا أن (سيد مسعد) الشاب الريفى ابن الخامسة والعشرين لا يجد غضاضة في الإفطار بعيدا عن أسرته، ينتظر شهر رمضان المبارك من كل عام لإفطار صائم على طريق القاهرة- الإسكندرية الزراعي، تلك هي مائدته التي أصر على أن يكون آخر من يتناول عليها طعام الإفطار بعد أن يلاحق جميع المارين على الطريق لإفطارهم وكسب ثوابهم ولو بشق تمرة. في منزل متواضع بقرية (كفر منصور)، التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، وقبل أسبوع كامل من قدوم شهر رمضان يستعد فيه (سيد مسعد) مع مجموعة من رفقائه بتحضير احتياجات إفطار الصائمين، يتطلب منهم توفير كميات كبيرة من البلح ومشروب التمر الهندي وقوالب من الثلج وأكياس لتعبئة مياه الشرب والعصير والبلح بداخلها. وحول تجهيزاته واستعداداته للشهر الكريم يقول مسعد: (قد يعتقد البعض أن إفطار الصائمين يتوقف على التكلفة المادية فقط وإنما في الحقيقة هو يحتاج إلى تنظيم، والذى ربما تكون مشقته أكثر بكثير من توفير المقابل المادي، نحن نقوم بتقسيم أنفسنا إلى فرق، أحدنا يقوم بشراء البلح وآخر يقوم بتعبئته داخل الأكياس وآخر يثلج المياه، ورابع يحضر الجرادل لوضع أكياس العصائر والمياه، وقبل الإفطار بدقائق نقوم بتوزيع أنفسنا على الطريق لضمان توصيل العصائر والبلح إلى أكبر عدد من الصائمين). في تمام الساعة السادسة والنصف مساء يخرج مسعد مع رفقائه من قريته، متجها إلى طريق طوخ- إسكندرية الزراعي، حاملا في يده جردلا ممتلئا بأكياس البلح والمياه ومشروب التمر الهندى، واليد الأخرى يلوح بها لإيقاف السيارات المارة التي تسير بأقصى سرعتها، ليتكدس الطريق بالسيارات المارة، لا يخشى من الوقوف في عرض الطريق السريع لإلقاء الأكياس على سيارات النقل والملاكي والميكروباص، يتصبب جبينه عرقا من ارتفاع درجة الحرارة رغم ذلك لا تفارق الابتسامة وجهه يصحبها بعبارة (كل سنة وأنتم طيبين). (إحساس لا يوصف).. بهذه الكلمات عبر عن مدى فرحته بإفطار الصائمين على الطريق، وقال: (أنتظر شهر رمضان من كل عام حتى أرى الابتسامة على وجوه الصائمين). ساعة أذان المغرب لا تفرق بين مسيحي ومسلم، فالكل يعرض على من حوله أن يشاركه الإفطار، رغم محاولات بعض الأقباط الإثناء عن مشاركة الطعام إلا أن أحمد مسعد، أحد المشاركين في إفطار الصائمين يبتسم في وجهه مرددا عبارة (رمضان كريم)، وقال: (نتسارع مع أصدقائي في إلقاء أكياس التمر على المارة حتى غير الصائمين من المسيحيين الذين يمرون على الطريق، ورغم تأكيدهم لنا بإفطارهم أكثر من مرة وأنهم ليسوا صائمين، وهناك من هم أولى بمشروباتهم إلا أننا نصّر على إطعامهم، فلابد أن يذوقوا حلاوة إفطار الصائم). نصف ساعة كاملة يتحول فيها الطريق الزراعي إلى خلية نحل بين الشباب المتطوعين لإفطار الصائمين، لا تقتصر أعمار المتطوعين على الشباب فقط، فهناك وقف عم (صلاح عليوة) في الخمسين من عمره يتنافس مع الشباب في إفطار أكبر عدد من الصائمين، خاصة سائقو سيارات النقل الذي يرى فيهم المشقة والتعب خاصة في شهر رمضان الكريم، وقال: (أسكن بالقرب من الطريق الزراعي، وأرى أن الله تعالى جعلنى وسيلة لإفطار الصائمين الذين لا يتمكنون من الوصول إلى بيوتهم قبل أذان المغرب، ولا أشعر بالإرهاق في أداء هذا العمل الأحب إلى قلبي، وأشعر بالفرحة عند انتهاء ما أحمله على كتفي من أكياس التمر والمشروبات).