من الليالي العظيمة في هذا الشهر (ليلة القدر) التي أنزل الله فيها كتابه العظيم، فقال تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) [القدر:1]، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنها الليلة التي حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على قيامها فقال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). متفق عليه هل ليلة القدر كانت للأمم قبلنا ؟ قال ابن كثير رحمه الله تعالى: اختلف العلماء: هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة، أو هي من خصائص هذه الأمة؟ على قولين: القول الأول: يرى مالك تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب (العدة) أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء، والله أعلم. وحكى الخطابي عليه الإجماع، ونقله الرافعي جازماً به عن المذهب. والقول الثاني: أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا. عن مرثد قال: (سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها، قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: بل هي في رمضان. قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رفعت؟ أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة. قلت: في أي رمضان هي؟ قال: التمسوها في العشر الأول، والعشر الأواخر. ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟ قال: ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها. ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال: التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها) رواه أحمد ورواه النسائي عن الفلاس، عن يحيى بن سعيد القطان به. ففيه دلالة على ما ذكرناه، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية. وقت ليلة القدر: ليلة القدر تكون في العشر الأواخر و في الوتر منها: ويدل عليه حديث عائشة، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) ولفظه للبخاري. وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري. وفي الحديث الآخر: (اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان). من علاماتها: 1- كثرة عدد الملائكة فيها، وقد ورد في الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: (إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى). 2- صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع. 3- ليلة القدر ليلة بلجة لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها. 4- ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء. _ [صحيح الجامع: 5475]. 5- الطمأنينة: أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي. 6- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي. - هناك علامات أخرى لكنها لا تثبت: 1- أنه لا تنبح فيها الكلاب. 2- لا ينزل فيها مطر. 3- مياه البحرالمالحة تصبح حلوة. 4- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار. 5- أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً. 6- الأشجار تسجد على الأرض ثم تعود إلى مكانها. مسألة: هل يمكن رؤية ليلة القدر في المنام ؟ قال ابن تيمية: (وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة، فيرى أنوارها، أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر). وقال النووي: (فإنها تُرى وقد حققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث، وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر، وأما قول القاضي عياض عن المهلب بن أبي صفرة: (لا يمكن رؤيتها حقيقة، فغلط فاحش، نبّهتُ عليه، لئلا يُغتر به). ونقل الحافظ ابن حجر، أن من رأى ليلة القدر، استُحبّ له كتمان ذلك، وألا يخبر بذلك أحداً، والحكمة في ذلك أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف. مسألة: الدعاء في ليلة القدر: روى الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني) وهذا لفظ الترمذي، ثم قال: (هذا حديث حسن صحيح). تنبيه: بعض الناس يزيد كلمة (كريم ) في الدعاء فيقول: (اللهم إنك عفو كريم) والدليل الثابت ليس فيه هذه الجملة وقد نبه عليها د بكر أبو زيد رحمه الله تعالى في كتابه الماتع (تصحيح الدعاء).