مطاعم بمعايير عالية... وأخرى تجمع مستلزمات الوجبات بشق الأنفس يعتبر شهر رمضان شهر الفضائل والقيم، شهرا للرحمة، الخيرات، اليمن والبركات، فصور التكافل الاجتماعي في المجتمع الجزائري تتجلى فيه بوضوح، فكم تكثر وتتعدد، فكم هم كثيرون الذين يقومون كل سنة بفتح مطاعم إفطار جماعية لعابري السبيل والفقراء جزائريين كانوا أم أجانب، ممن لا معيل لهم ولا سقف يؤويهم خلال أيام الشهر الفضيل الذي تجتمع فيه كل الأسر على مائدة واحدة وسط أجواء حميمية لا تعوض بكنوز الدنيا كلها. روبورتاج: عتيقة مغوفل بما أن مظاهر التكافل الاجتماعي كثيرة في مجتمعنا والحمد الله، حاولت (أخبار اليوم) رصد إحداها وذلك من خلال زيارة بعض مطاعم الرحمة المتواجدة على مستوى الجزائر العاصمة، محاولين بذلك نقل بعض صورها والأجواء السائدة بداخلها. مطعم الهلال الأحمر الجزائري... أول وجهة كانت الساعة تشير إلى حدود الثالثة و 10 دقائق حين كنا نبحث عن واحد من مطاعم الرحمة التي ما أكثرها في بلادنا خلال هذا الشهر، إلى أن صادفنا إحداها بقلب العاصمة وبالضبط بساحة (أودان)، وهو مطعم للرحمة تابع للهلال الأحمر الجزائري، يفتح أبوابه كل سنة أمام عابري السبيل والمساكين من المجتمع الجزائري، فمنذ الاستقلال أو قبله وهذا المطعم موجود، فهو عبارة عن مقر قديم للهلال الأحمر الجزائري، فتحنا الباب ودخلناه وإذا برائحة جميلة تدغدغ أنوفنا، كانت تشبه رائحة الحلويات أو شيئا من هذا القبيل، وكنا كلما نقترب شيئا فشيئا تشتد الرائحة حتى أدركنا أنها رائحة طاجين (اللحم الحلو)، الشهير في المطبخ الجزائري، كما أننا لمحنا ونحن ندخل مجموعة كبيرة من الطاولات والكراسي البلاستيكية التي تستعمل في إطعام الناس، فما رأيناه حمسنا للتقدم أكثر إلى الداخل حتى وجدنا أنفسنا بساحة كبيرة فيها طاولتين خشبيتين كبيرتين موضوع عليها كمية من الخضر، أمامها شابتان ورجل كانوا يقومون بغسل تلك الخضر وتقشريها حتى تستعمل فيما بعد في طبخ وجبة الإفطار، وفي الجهة المقابلة مطبخ كبير أين كان الطباخ يجول ويصول كان منهمكا في الطبخ حتى أنه لم يلمح وجودنا خلفه، استأذنا بالدخول فسمح لنا بذلك. يضمن وجبات الإفطار ل 120 شخص فور دخولنا شعرنا بلهيب كبير يحرق أجسامنا من شدة حر المطبخ، فالعديد من الأفران كانت موقودة وعليها مجموعة من القدور لطبخ وجبة الإفطار للمعوزين والمتشردين من الصائمين، فقد كانت تنبعث من تلك القدور روائح شهية، جلسنا هناك برهة من الزمن ثم بدأنا نتبادل أطراف الحديث مع الطباخ المسمى (جمال)، شاب في مقتبل العمر يشع وجهه نورا وبشاشة يعمل بهذا المكان كل سنة، فأخبرنا أنه يستقبل في المطعم يوميا 120 شخص من مختلف الأعمار يقصدون مطعم الهلال الأحمر الجزائري للإفطار فيه، ومن بين هؤلاء أربع عائلات معوزة تقصد المطعم رفقة أبنائها حتى تسد جوعها، بالإضافة إلى هذا فهناك بعض الجاليات الأجنبية التي تأتي للأكل فيه على غرار الجالية السورية والمالية التي غادرت أوطانها بسبب تردي الوضع السياسي فيها، بالإضافة إلى هذا فهناك بعض المتشردين الذين تعودوا على المطعم كل سنة لا يفوتوا الموعد ويأتون للإفطار فيه وذلك لتعودهم على المكان، عدنا وسألنا الشاف (جمال) عن أنواع المأكولات التي يطبخها، فرد علينا أنه كل يوم يغير قائمة الطعام وذلك حسب الخضر واللحوم المتوفرة لديه، فهي من تحدد نوعية الأطعمة التي ستقدم، إلا أنه والمؤكد أن الشاف يسعى جاهدا لطبخ كل الأطباق التي يشتهيها الصائمون من المتشردين والمعوزين الذين يقصدون المكان للإفطار فيه ، فمثلا يوم زيارتنا للمطعم طبخ الشاف (جمال) الشربة، اللحم الحلو، (الموساك الباذنجان وهي عبارة عن باذنجان مقلي شرائح تحشى باللحم المفروم والجبن ثم تسكب عليها صلصة البيشاميل) وتطهى في الفرن وهو عبارة عن طبق خفيف يتلاءم مع فصل الصيف وحر الجو، أما عن البراك فلا يوفره المطعم يوميا فهناك بعض المتطوعين أحيانا هم من يتبرعون به، و ذلك لأن الإمكانية المتوفرة لدى المطعم لا تسمح بتحضيره يوميا، وبالمقابل من ذلك فإنه يقدم التحلية يوميا إما فاكهة أو ياغورت حسب الحاضر. مشاركات الهلال الأحمر غائبة عن المطعم عدنا وسألنا الطباخ (جمال) عن من يقوم بتوفير حاجيات المطعم من الخضر واللحوم وكل ما يحتاج له المطبخ من مواد أولية، أجابنا أنه كل سبت تقوم مجموعة من المتطوعين الذين ينقسمون إلى جماعات كل جماعة يترأسها فرد معين، بالذهاب إلى الأسواق الأسبوعية والطلب من البائعين المساعدة حتى يتمكنوا من إطعام المتشردين، حيث وفي آخر اليوم يعودون بكميات وفيرة من كل ما يحتاج إليه مطبخ مطعم الهلال الأحمر الجزائري، هاته الهيئة التي لا توفر أي شيء للمتطوعين العاملين به، فهم من يقومون دوما بضمان وجبات الإفطار لكل من يقصدهم من المعوزين، فحسب ما روى لنا الشاف (الجمال)، فإن إدارة الهلال الأحمر لا توفر ولا حتى 1 كلغ من السكر لهم فالمطعم تابع للهيئة اسميا فقط، وبما أن (الشيء قليل) على حد تعبير الشاف (جمال) فقد تم التخلي هذه السنة عن توزيع الفطور للمحتاجين في منازلهم مثلما كانوا يعملون في السنوات الماضية، تركنا الشاف (جمال) يواصل تحضير وجبة الإفطار للمحتاجين والفقراء الذين يقوم كل سنة بالطبخ لهم بحب وفرح متنازلا عن وجبة الإفطار العائلي التي تجمعه رفقة زوجته وأولاده في بيته المتواجد ببلدية الشراربة، فهذا الأخير يجد سعادة أكبر في تقاسم ملعقة الشربة الواحدة رفقة المحتاجين من المجتمع الجزائري. مطعم الرحمة بشارع العربي بن مهيدي الوجهة الثانية تركنا الشاف (الجمال) يواصل تحريك قدر الشربة ، وخرجنا من مطعم الرحمة التابع للهلال الأحمر الجزائري، ومشينا باتجاه شارع العربي بن مهيدي واحدا من أكبر الشوارع المتواجدة بقلب العاصمة، كان مكتظا بالناس رغم حرارة الجو، كانوا مهتمين بشراء ملابس العيد لأبنائهم يدخلون لمحل ويخرجون من آخر، بين تلك الزحمة من الناس مشينا لنبحث عن واحد من مطاعم الرحمة التي كنا متأكدين أننا سنجد إحداها بسبب كثرتها خلال هذا الشهر الفضيل، إلى أن رأينا من بعيد لافتة كتب عليها (مطعم الرحمة بلدية الجزائر الوسطى). نظافة ونظام منقطعي النظير تابعنا الخطوات حتى شاهدنا شباكا من حديد وراءه مجموعة من الطاولات المصطفة الواحدة بجانب الأخرى وحولها مجموعة من الكراسي البلاستيكية كل واحد منهم له لون معين، وما شد انتباهنا أن الطاولات كانت كلها مفروشة بغطاء زاهي الألوان، وتلفاز معلق حتى يتمكن المفطرون من مشاهدة مختلف البرامج، هذا المنظر شجعنا وبعت فينا فضولا كبيرا للدخول إلى مطبخ هذا المطعم، تقربنا الخطوة تلو الأخرى، فوجدنا بابا من حديد فتحناه وإذا بنا نسمع أصواتا رجالية تنبعث من الداخل، تبعنا مصدر الصوت في رواق ضيق حتى وجدنا على الجهة اليسرى مطبخا فيه مجموعة من الطباخين يرتدون مآزر حمراء يعملون في جد وكد، دون كلل ولا ملل، رأينا واحدا من الشباب يطوي البوراك، مشينا قليلا حتى وجدنا قاعة كبيرة فيها أكثر من عشر طاولات مصفوفة وحولها ما لا يقل عن 100 كرسي منظم بشكل جيد وتلفاز من الحجم الكبير، لنرى بعدها أحد عمال المطعم جالسا على أحد الكراسي واضعا أمامه مجموعة كبيرة من الملاعق التي كان يجففها وبشكل جيد كأنه في منزله، حتى سمعنا صوتا من ورائنا يسأل عن هويتنا، وإذا به واحد من المسؤولين على المطعم استغرب تواجدنا في المكان والساعة كانت تقارب الرابعة مساء ظنا منه أننا حضرنا من أجل الحصول على وجبة الإفطار مبكرا، ولكن سرعان ما عرفناه بشخصنا وأخبرنا أنه يوميا يستقبل ما لا يقل عن 350 شخص يقصدون المطعم من أجل الحصول على وجبة إفطار لائقة، إلا أن المترددين على مطعم الرحمة هذا من مختلف شرائح المجتمع الجزائري فمنهم المتسول والمعوز، بالإضافة إلى الأجانب الذين يتواجدون بالجزائر، بالإضافة إلى عابري السبيل والمسافرين من ولايات أخرى والذين يحلون ضيوفا على العاصمة على غرار إحدى العائلات التيارتية، كما يفطر فيه بعض العمال الذين لهم مهام عمل بالعاصمة فمنهم المسؤول ومنهم الإطار السامي وكذا العامل البسيط، بالإضافة إلى بعض الطلبة. وجبات إفطار فاخرة يقدمها للصائمين أما عن الوجبات التي تحضر بالمطعم فأجابنا المسؤول أنه يوميا تحضر مأكولات كثيرة على سبيل المثال اليوم أعد طبق الشربة، الديك الرومي في الفرن مع البطاطس، السلطة، البوراك، وطبق اللحم الحلو مع تخصيص لكل شخص قارورة من المشروبات الغازية، حبة موز وعلبة ياغورت، كما يقدم للمفطرين بالمطعم يوميا كأس حليب 4 حبات من التمر، فالعاملون والمسؤولون يجعلون الفرد يحس وكأنه في منزله، خصوصا عندما تكون شاشة التلفاز تنور قعدة هؤلاء، عدنا وسألنا مسؤول المطعم عن الهيئة المنظمة فرد أنها مبادرة خيرة من طرف بلدية الجزائر الوسطى وأحد الخواص، فالبلدية تشارك بالحيز المكاني أما المتطوع الخاص فهو من يمول المطعم بكل ما يحتاج إليه من مواد أولية، ليس هذا فحسب فقد قام والي العاصمة عبد القادر زوخ رفقة وزيرة التضامن الوطني، مونية مسلم، بزيارة عمل وتفقد للمكان وقد أبديا إعجابهما من الخدمات المقدمة، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط فقد قام رئيس البلدية عبد الحكيم بطاش هو الآخر بزيارة مباغتة للمطعم وقام بمقاسمة عابري السبيل وجبة الإفطار وقد أبدى إعجابه بالعمل المقدم من طرف الطاقم المشرف على المطعم والذي لا يتجاوز10 أفراد.