انتشار القلاعية يتواصل.. و مقاطعة واسعة للحم وحليب البقر أحدث انتشار (الحمّى القلاعية) في الآونة الأخيرة حالة من القلق والهواجس لدى المواطنين، حيث يسود تخوّف كبير من أكل اللّحوم الحمراء بصفة عامّة ولحم البقر بصفة خاصّة، إلى جانب نفورهم من استهلاك حليب البقر، إضافة إلى حالات التأهّب التي يعيشها فلاّحون ومربّو المواشي في هذه الأيّام وهاجس إصابة مواشيهم بالحمّى جعلهم يسارعون إلى ذبح وبيع أبقارهم حتى قبل إصابتها. شكّلت حالات الإصابة بالحمّى القلاعية عزوف المواطنين والمستهلكين عن شراء لحم البقر، ممّا أثار مخاوف الجزّارين والموّالين وحتى مربّو المواشي من تكبّد خسائر فادحة جرّاء هذا المرض، كما جعلت وزارة الفلاحة تتجنّد على قدم وساق لإيجاد حلّ سريع وفوري لتجنّب انتشار المرض أكثر، علما بأنه يتواجد الآن على مستوى 20 ولاية. المربّون المتضرّرون سيستفيدون من التعويض في هذا السياق أكّد وزير الفلاحة عبد الوهّاب نوري أن كلّ المربّين -حتى غير المؤمّنين منهم- الذين تعرّضوا لخسائر بسبب الحمّى القلاعية سيستفيدون من تعويضات. ويستفيد المربّون المتضرّرون من تعويض ب 100 في المائة عن كلّ بقرة مصابة بالحمّى القلاعية، حيث يتمّ صرف 80 في المائة من سعرها الحقيقي في السوق للمربّي ثمّ ال 20 في المائة المتبقّية بعد ذبح البقرة وبيع لحومها. من جهة أخرى، أوضح المتحدّث أن إنتاج حليب الأكياس لن يتأثّر بانتشار مرض الحمّى القلاعية التي تصيب الأبقار بسبب وجود مخزونات هامّة من غبرة الحليب، في حين يسجّل تراجع طفيف في حليب البقر، مع تسجيل كمّيات معتبرة من الإنتاج قدّرت بأكثر من 800 مليون لتر في 2013. وتمّ ذبح 964 رأس من البقر وعجول التسمين، حسب آخر الإحصائيات المقدّمة من طرف مدير المصالح البيطرية بوزارة الفلاحة كريم بوغالم، وتمّ تسجيل كذلك الإصابة عبر 192 بؤرة لتربية المواشي من بين 200 ألف بؤرة عبر الوطن. وتوصّلت التحقيقات التي أجرتها المصالح البيطرية إلى أن المرض انتشر في منطقة بئر العرش في سطيف عن طريق تجّار المواشي وتمّ بيع بعض الرؤوس في سوق الماشية في ولاية البويرة، ممّا أدّى إلى انتقال العدوى سريعا إلى ولايات تيزي وزو، بجاية، العاصمة وبرج بوعريريج، ثمّ إلى ولايات أخرى، وكان سكان منطقة القبائل الأكثر تضرّرا كونهم الأكثر إقبالا على لحوم البقر. مواطنون يقاطعون لحم وحليب البقر يتواصل مسلسل الرعب في قلوب عدد من المواطنين بعدما أعلنت وزارة الفلاحة عن العدد الكبير من الأبقار التي أصيبت بمرض الحمّى القلاعية، حيث أكّد لنا عدد من المواطنين ممّن صادفتهم (أخبار اليوم) امتناعهم عن اقتناء اللّحوم الحمراء مهما كانت نوعها غنم أو بقر خوفا من العدوى وحتى حليب البقر أمام عدم معرفة الحقيقة كاملة حول إذا ما كان هذا المرض ينتقل إلى الإنسان أم لا، حيث قال منير شابّ في الثلاثينات من عمره: (شراء اللّحم أصبح كرهان حقيقي، فالحقيقة لم تكشف بعد إن كانت حمّى الأبقار تنتقل إلى الإنسان، ومن الأجدر أن لا يخاطر المرء بحياته أحسن). من جهتهاّ أشارت (نصيرة) امرأة في العقد الخمسين من عمرها، قائلة: (نحن لا نشتري اللّحم فقط، بل كلّ ما له علاقة به، فأنا مثلا مريضة بفقر الدم والطبيب أمرني باستهلاك كبد البقر، لكنّي لا أستطيع أن أجازف بحياتي وأنا أشتري فقط كبد الدجاج حتى يفرّج اللّه وتعود الحياة كما كانت إلى حيواناتنا)، أمّا (عماد) صاحب محلّ تجاري لبيع المواد الغذائية فقد اعتبر أكل اللّحم وشرب حليب الأبقار والأغنام أشبه بمحاولة للانتحار، حيث قال: (كنت أبيع حليب البقر لكن اليوم لا أقدر على الإقدام على هذه الخطوة، فرغم ما تدّعيه وزارة الفلاحية من عدم انتقال المرض إلاّ أنه ليس هناك أيّ دليل يثبت صحّة ذلك، لتبقى الحيطة والحذر مهمّة لسلامة حياتنا). أصحاب القصّابات قلقون ينتاب القلق بعض أصحاب القصّابات بولاية الجزائر من تزايد الحديث عن الحمّى القلاعية وتسبّبه في عزوف المواطنين عن شراء اللّحوم الحمراء، مؤكّدين أن تزويد السوق بهذه المادة وأسعارها لم يتغيّر طيلة الأيّام الماضية، إلاّ أن هناك انخفاضا نسبيا في إقبال المواطنين حاليا على اقتنائها. وأرجع بسوق (علي ملاّح) بساحة أوّل ماي أصحاب القصّابات هذا العزوف الذي يبقى منخفضا -على حدّ تعبيرهم- إلى تخوّف المواطنين من وجود في الأسواق لحوم ماشية مصابة بداء الحمّى القلاعية. وفي هذا الصدد قال (لخضر) إنه لم يكلّف نفسه منذ يومين عناء تزويد محلّه انطلاقا من مذبح العناصر بمختلف أنواع اللّحوم الحمراء بعد أن تراجعت مبيعاته خلال الأسبوع الماضي، مرجعا ذلك إلى كثرة الحديث عن داء الحمّى القلاعية في وسائل الإعلام وتأثير ذلك على الزبائن، وأضاف: (أنا أعمل هنا منذ سنوات ولم يسبق وأن شهدت مثل هذا الوضع، هناك تخوّف حقيقي لدى زبائني من انتقال المرض إليهم عن طريق اللّحوم وجلّهم بات يشتري اللّحوم البيضاء بدلا من لحوم الأبقار والأغنام). وأبرز المتحدّث مثالا عن ذلك باثنين من زبائنه من أصحاب محلاّت الأكل السريع اللذين كان يزوّدهما باللّحم المفروم، واللذين لم يشتريا من عنده منذ نحو أسبوع أيّ كمّية، مبرّرين ذلك بتراجع طلبات زبائنهم أيضا للمأكولات التي تحتوي على اللّحوم الحمراء). تاجر آخر في نفس السوق أكّد أن الإقبال على شراء اللّحوم الحمراء خلال فصل الصيف يعرف تراجعا محسوسا كلّ سنة لطبيعة الفصل، أين يبتعد المواطن عن الأكلات الدسمة عادة، إلاّ أن تخوّف المواطنين من لحوم الماشية المصابة بداء الحمّى القلاعية -على حدّ قوله- زاد هذه السنة (نوعا ما من هذا التراجع). وأضاف تاجر آخر أن أسعار اللّحوم الحمراء لم تتغيّر خلال 15 يوما الأخيرة، أي تلك المسجّلة مباشرة بعد نهاية شهر رمضان، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الأغنام 1500 دينار جزائري مقابل 1000 دينار جزائري بالنّسبة للحوم الأبقار. وأوضح هذا البائع أن تراجع أسعار اللّحوم بأشكال مفاجئة وقياسية في عدد من المحلاّت يشير -حسبه- يعود إلى أن نوعية تلك اللّحوم مشكوك فيها، إذ أن أسعار اللّحوم التي تسوّق بطريقة قانونية وتحمل تأشيرة البيطري معروفة لدى الكلّ ولا يزيد الفرق أو يقلّ بينها حسب المحلاّت والأسواق عن 300 إلى 400 دينار جزائري. ونفس التخوّف يشعر به أصحاب القصّابات في سوق باب الوادي بالرغم من أن حركة البيع -حسب العديد منهم- عادية جدّا ولم تعرف أيّ تراجع بالنّسبة للّحوم الحمراء أو البيضاء، إلاّ أنهم قلقون من انتشار المرض في أوساط الماشية وبالتالي انعكاس ذلك على مصدر تجارتهم. وقال (عبد اللّه) في هذا الشأن: (زبائني يعرفونني وهم يتعاملون معي على أساس الثقة، قصّابات باب الوادي تقدّم أسعارا تنافسية مقارنة بأسواق أخرى، إلاّ أننا نضمن الجودة أيضا، فالأمر يتعلّق بمصدر رزقنا). وأضاف المتحدّث أن عددا قليلا فقط من زبائنه تحدّثوا معه عن انتشار داء الحمّى القلاعية، أمّا البقّية فهم يشترون ما يريدونه دون أيّ تساؤلات أخرى. للتذكير، فإن الحمّى القلاعية تعدّ مرضا فيروسيا يصيب الحيوانات ويشكّل خطرا كبيرا على الحيوانات المجترّة ويمكن أن تؤدّي إلى خسائر كبيرة في رؤوس الماشية، ومن أعراض الإصابة بالحمّى القلاعية الارتفاع في درجة الحرارة وظهور تقرّحات على مستوى الفم والأنف والثدي، وكذا على مستوى الحوافر، ممّا يؤدّي إلى العرج.