اِلتهاب أسعار الأدوات المدرسية وسلع صينية خطيرة تغزو الأسواق يعود اليوم أكثر من ثمانية ملايين تلميذ إلى مقاعد الدراسة بعد فترة راحة دامت ثلاثة أشهر وسط هدوء نسبي بعد تراجع نقابات التربية عن الإضراب الذي كان من المفترض أن ينطلق ابتداء من أوّل أيّام السنة الدراسية، فيما تمسّك عمال المصالح الاقتصادية بإضرابهم لمدّة ثلاثة أيّام، ما سيعطّل العديد من الإجراءات الإدارية الضرورية لانطلاق الموسم الدراسي، غير أنه ورغم أسلوب التهدئة الذي اتّبعته نقابات التربية إلاّ أن الموسم الدراسي لهذه السنة على غرار السنوات السابقة ينذر باضطرابات وهزّات عديدة مع استمرار تعنّت الوزارة الوصية وعدم استجابتها لانشغالات النقابات ومطالبها المرفوعة منذ سنوات، ووسط هذا وذاك يقف الأولياء حائرين في كيفية توفير المستلزمات الدراسية لأبنائهم، لا سيّما مع الارتفاع الملفت لأسعار الأدوات المدرسية هذه السنة وإغراق السوق بسلع صينية غير آمنة، والتي يضطرّ بعض الأولياء إلى شرائها نظرا لأسعارها المقبولة، خاصّة ذوو الدخل الضعيف والمتوسّط والعائلات التي تحتوي على عدد من الأطفال المتمدرسين. نقابات التربية تفضّل التهدئة والمقتصدون يضربون قرّر أكثر من 16 ألف موظّف في المصالح الاقتصادية على مستوى التراب الوطني شنّ إضراب وطني عن العمل سيؤدّي ومن دون شكّ إلى شلّ جميع النشاطات المحاسبية على مستوى المؤسسات التربوية ابتداء من تاريخ 08 سبتمبر الجاري لمدّة ثلاثة أيّام، وهو ما سيعرقل عمليات تسجيل التلاميذ وتوزيع المِنح الخاصّة والكتب المدرسية، الأمر الذي سيضع وزارة التربية الوطنية في حرج ومأزق حقيقي. وقد فصلت لجنة موظّفي المصالح الاقتصادية التابعة للاتحاد في موعد إضرابها الوطني، حيث قرّرت وقف جميع العمليات المحاسبية ابتداء من ثاني أيّام الموسم الدراسي ولمدّة ثلاثة أيّام بعد أن أجّلت الوزيرة بن غبريط البتّ في ملفها إلى غاية شهر أكتوبر المقبل، وهو ما سينتج عنه تأجيل جميع عمليات تسجيل التلاميذ وتوزيع المنحة الخاصّة والكتب المدرسية التي ستتوقّف إلى حين عودة عمال المصالح الاقتصادية إلى أماكن عملهم، ما سيضع الوزيرة أمام مشكل حقيقي يؤدّي إلى تأخّر انطلاق الموسم الدراسي. أمّا نقابات التربية التي كانت قد هدّدت بالدخول في إضراب مع أوّل أيّام الموسم الدراسي فلم تخف امتعاضها هي الأخرى من سياسة الهروب إلى الوراء التي تنتهجها الوزارة في التعامل مع انشغالات عمال التربية المرفوعة منذ سنوات، والتي كانت وراء هزّات عصفت باستقرار القطاع في الكثير من المرّات. غير أن نقابات التربية وبالرغم من التهديدات التي أطلقتها، والتي أكّدت فيها الدخول في إضراب انطلاقا من أوّل أيّام السنة الدراسية قد تراجعت عن هذا القرار لتضمن بذلك دخولا مدرسيا هادئا كما أرادته الوزارة التي لا تهتمّ على ما يبدو بسير الموسم الدراسي بقدر اهتمامها بهدوء يوم الدخول المدرسي، وهو الأمر الذي انتقدته نقابات التربية بشدّة، طارحة احتمال الدخول في إضراب خلال الأيّام المقبلة، وهو ما ستحدّده نتائج اللّقاء المقبل بين وزارة التربية الوطنية ونقابات التربية، علما بأن الوزيرة بن غبريط فشلت في وقت سابق في إقناع شركائها الاجتماعيين بضمان دخول هادئ، أين أجمعت النقابات على أن الوزيرة لم تفصل في أهمّ الملفات، متبنّية سياسة الهروب إلى الوراء التي عصفت بقطاع التربية لسنوات عديدة، وهو ما ترجمه حقيقة تمسّك عمال المصالح الاقتصادية بإضرابهم لمدّة ثلاثة أيّام، ما سيعطّل العديد من العمليات الإدارية، ضاربين بمناشدات الوزارة لضمان دخول مدرسي هادئ عرض الحائط. زيادة بنسبة 2,26 بالمائة في عدد المتمدرسين عرفت نسبة الأطفال المتمدرسين خلال الموسم الدراسي 2014 - 2015 زيادة قدّرت ب 2,26 بالمائة مقارنة بالموسم الدراسي الماضي، وقد شهد عدد تلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة الذين اِلتحقوا بمؤسساتهم التربوية اليوم الأحد زيادة في العدد وصلت إلى 188 ألف تلميذ جديد مقارنة بالموسم الدراسي الفارط، أي بنسبة زيادة قدّرت ب 2,26 بالمائة. وبذلك فإن العدد الإجمالي للمتمدرسين على مستوى كافّة ولايات الوطن، حسب ما نقلته صحيفة (الشروق اليومي) مؤخّرا عن مصدر بوزارة التربية الوطنية قد بلغ حوالي 8.618.155 تلميذ وتلميذة، في حين يتعدّى عدد التلاميذ المتمدرسين على المستوى الوطني 8.470.007 خلال الموسم الماضي. أمّا فيما يتعلّق بالهياكل التربوية التي من المفترض أن يكون قطاع التربية الوطنية قد استلمها مع بداية الموسم الدراسي الجديد فقد قدّرت بما يعادل 249 مدرسة ابتدائية جديدة و99 متوسّطة، من بينها 85 متوسّطة نصف داخلية و7 داخليات في التعليم المتوسّط، إلى جانب دخول حوالي 125 ثانوية جديدة حيّز الخدمة مع انطلاق السنة الدراسية، بالإضافة إلى وجود 10 ثانويات جديدة ستعوّض أخرى قديمة، إضافة إلى 47 نصف داخلية و11 داخلية. وتدخل الهياكل التربوية الجديدة المضافة خلال هذه السنة في إطار تخفيف الضغط والاكتظاظ في بعض المؤسسات التربوية، إلى جانب تعويض بعض المؤسسات القديمة التي لم تعد على ما يبدو صالحة لاستقبال التلاميذ ومزاولة الدروس لسنوات أخرى. قرارات جديدة في إطار إصلاح القطاع كشفت وزارة التربية الوطنية في وقت سابق عن جملة من القرارات الجديدة تحضيرا للموسم الدراسي الذي ينطلق اليوم، حيث اتّخذت الوزارة الوصية جملة من الإجراءات التنظيمية وتتمثّل في مواصلة العمل بالترتيبات الخاصّة بتخفيف المحفظة المدرسية في مرحلة التعليم الابتدائي تلبية للطلبات المُلحّة لأولياء التلاميذ الذين طالما اشتكوا من ثقل المحفظة المدرسية، بالإضافة إلى متابعة إدراج الأعمال الموجّهة في تدريس المواد الأساسية كاللّغة العربية والرياضيات واللّغات الأجنبية في مرحلة التعليم المتوسّط. كما قرّرت الوزارة اعتماد كتب مدرسية محيّنة للسنتين الأولى والثانية ابتدائي (طبعة 2014) التي تعوّض الكتب المدرسية التي طبعت قبل هذه السنة، وبهدف مواكبة التطوّرات التي يعرفها عالم التكنولوجيات الحديثة قرّرت الوزارة أيضا اعتماد مناهج مادة المعلوماتية (طبعة 2014) في مرحلة التعليم المتوسّط وتعميم تطبيقها على كلّ الأفواج التربوية، إلى جانب اعتماد البرنامج الجديد لمادة المعلوماتية في السنة الأولى ثانوي وتنصيب البرنامج الجديد للّغة الإيطالية لأقسام السنة الثالثة ثانوي شعبة اللّغات الأجنبية، فضلا عن إدراج تقنيات استعمال الوسائط السمعية في تدريس اللّغات الأجنبية، لا سيّما إدراج الوسائط السمعية الملحقة بمنهاج اللّغة الإيطالية للسنتين الثانية والثالثة ثانوي. ومن جهة أخرى اتّخذت الوزارة قرارا يقضي بمنع طرد التلاميذ الذين لا يتجاوز عمرهم 16 سنة في جميع مراحل التعليم. وكانت وزارة التربية الوطنية قد حدّدت تاريخ الدخول المدرسي بالنّسبة للتلاميذ في السابع من شهر سبتمبر الحالي، أي اليوم، في جميع مناطق الوطن، حيث سيكون الدرس الأوّل للموسم الدراسي 2014-2015 الجديد مخصّصا للتحسيس بالكوارث الطبيعية وتلقين التلاميذ طرق التعامل معها، وقد أمرت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط رمعون في هذا الإطار مديريات التربية على مستوى مختلف الولايات بإلزام مديري المؤسسات التربوية بالشروع في تقديم دروس المنهاج الدراسي بداية من اليوم الأوّل لانطلاق الموسم الدراسي، ما عدا الحصّة الأولى من اليوم الأوّل التي ستخصّص للوحدة الوطنية على مستوى كافّة الأطوار التعليمية بهدف إتمام البرنامج الدراسي المقرّر دون أيّ تسجيل أيّ تأخير لتجنّب ما حصل من تأخير خلال السنوات الماضية. أمّا فيما يخص الجانب التأطيري فقد قامت الوزارة في وقت سابق بتنظيم دورات تكوينية لما لا يقلّ عن 25104 أستاذ ناجح في مسابقة التوظيف، وقد أجريت هذه الدورات التكوينية في الفترة الممتدّة ما بين 16 و28 أوت وتتعلّق بمواضيع تخصّ تسيير القسم والتعلّم والتأديب وعلم نفس الطفل وعلم النّفس التربوي والتشريع المدرسي وإدخال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتّصال في مجال التعليم. اِلتهاب أسعار مستلزمات الدراسة يؤرّق الأولياء ككلّ سنة تعرف أسعار المستلزمات الدراسية ارتفاعا ملفتا قبل أيّام من الدخول المدرسي، ما يجعل الأولياء يقفون حائرين في كيفية تسديد هذه الفاتورة السنوية التي تعرف ارتفاعا من سنة إلى أخرى، لا سيّما تلك العائلات التي تحتوي على أكثر من طفلين متمدرسين وذلك لغلاء المستلزمات الدراسية ككل، حيث شهدت أسعار الأدوات المدرسية ارتفاعا محسوسا هذه السنة، خاصّة ذات النّوعية الجيّدة. يقدّر البعض ميزانية الطفل الواحد بخمسة آلاف دينار، أي أنه لتوفير كلّ المستلزمات الدراسية لابد من تخصيص ميزانية لا تقلّ عن 5 آلاف دج لكلّ تلميذ لشراء المحفظة والمئزر والكراريس وبقية المستلزمات، هذا دون احتساب الكتب المدرسية التي لا تعرف هي الأخرى استقرارا بين سنة وأخرى لا في الأسعار ولا في المحتوى بسبب عملية التنقيح التي تشهدها الكتب سنويا تقريبا. وفي الطرف الآخر يعمد بعض التجّار إلى الترويج لسلع غير آمنة مع انخفاض أسعارها مقارنة بأسعار المستلزمات الدراسية ذات النّوعية الجيّدة، حيث يتمّ إغراق السوق الجزائرية بسلع مستوردة غير آمنة ويتمّ بذلك الترويج لسلع جدّ رديئة من قِبل كثير من التجّار بعد أن عمد مجموعة من المستوردين إلى استيراد مستلزمات دراسية خطيرة وذات أشكال غريبة من شأنها أن تؤشّر على صحّة التلميذ وتحصيله الدراسي. وتشهد المحلاّت التجارية والأسواق الشعبية اجتياحا كبيرا للأدوات المدرسية، من حقائب ومآزر بمختلف أنواعها وأشكالها يتمّ استيرادها من الدول الآسيوية والصين على وجه الخصوص، حيث يعمد المستوردون إلى إغراق السوق بكمّيات كبيرة من هذه السلع والبضائع مجهولة التركيبة لتُعرض بأسعار مقبولة نسبيا وفي شكل جذّاب وتكون قِبلة للأطفال وأوليائهم. ولأن الجودة تكاد تكون منعدمة والخيارات غير متوفّرة في ظلّ اِلتهاب الأسعار يجد الأولياء أنفسهم مضطرّين إلى تلبية رغبات أبنائهم من جهة وتوفير بعض المال من جهة أخرى، متجاهلين المضاعفات الصحّية التي قد تسبّبها هذه الأدوات للأطفال. الكتب المدرسية هي الأخرى لا تستقرّ تكلفتها على رقم معيّن، حيث تعرف أسعارها تغيّرا مع حلول كلّ موسم دراسي. فبعد الارتفاع الكبير لأسعار الكتب المدرسية في السنوات الأخيرة، والتي أضحت تشكّل هاجسا للعائلات الجزائرية مع اقتراب موعد كلّ دخول مدرسي، يحاول الأولياء البحث عنها وتوفيرها بشتى الطرق قبل اِلتحاق أبنائهم بمقاعد الدراسة تحسبا لنفادها أو أيّ نقص أو خلل في التوزيع وفي عملية البيع والشراء داخل المدارس. ولأن ميزانية العديد من العائلات، والتي أنهكتها مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر، وكذا الأعراس وتزداد معاناتها مع الدخول المدرسي لا تكفي لتغطية احتياجات أبنائها المتمدرسين كاملة، فإن الكثير من العائلات كانت تلجأ في السابق إلى اقتناء الكتب القديمة المعروضة في الأسواق، لكن هذه الطريقة انتهت صلاحيتها على ما يبدو، إذ لم يعد بإمكانها التخفيف من الميزانية العائلية في ظلّ التغيّرات المستمرّة في البرامج التعليمية، وبالرغم من ذلك تنتشر مع بداية كلّ موسم دراسي جديد تجارة الكتب المدرسية القديمة، وقد انتهز تجّار المناسبات فرصة بداية السنة الدراسية الجديدة 2014 2015 لعرض كتب مدرسية لمختلف السنوات التعليمية بأسعار مقبولة في الأسواق الشعبية، وذلك وسط توقّع أولياء التلاميذ حصول تغييرات في البرامج الدراسية لهذه السنة أيضا. في حال عدم الاستجابة لمطالبها نقابات التربية تهدّد بضرب استقرار الموسم الدراسي لم يخل حديث ممثّلي نقابات التربية التي تراجع بعضها عن الإضراب الذي كان سينظّم ابتداء من أوّل أيّام الموسم الدراسي 2014-2015 من نبرة التهديد التي كانت موجّهة على ما يبدو إلى الوزارة الوصية التي ينتظر الشركاء الاجتماعيين عقد لقاء معها نهاية شهر سبتمبر الجاري لمناقشة القضايا العالقة والانشغالات المرفوعة منذ سنوات، لا سيّما وأن وزارة التربية تراجعت عن بعض بنود الاتّفاق الذي تمّ توقيعه مع الوزير السابق، والتي لاحظت النقابات إسقاطها من إجابات الوزارة التي سلّمت لهم مكتوبة في محاولة لإعادتهم إلى نقطة الصفر بعد نجاحهم في افتكاك بعض الطلبات ولو على سبيل الالتزامات والتعهّدات، وهو ما رفضته النقابات رفضا قاطعا مهدّدة بالدخول في إضراب في حال عدم الاستجابة لمطالبها. وتستعدّ نقابات التربية حسب ما صرّح به ممثّلوها ل (أخبار اليوم) لضرب استقرار الموسم الدراسي في حال استمرار الوزارة في تجاهل مطالبها المرفوعة منذ سنوات.