عند حلول المناسبات الدينية عند المسلمين، وخصوصا مناسبتي عيد الفطر وعيد الأضحى، يشتد الحنين بالمهاجرين إلى أوطانهم وعائلاتهم، حنين ليس له مثيل في أي مناسبة أو وقت آخر، لأنه في هذه المناسبات فقط نجد الكثير من العائلات تجتمع مع بعضها البعض وذلك من صلة الرحم وقضاء العيد معا وفي بيت واحد مجتمعين، ولقد أجمع المهاجرون الجزائريون المقيمون بالخارج على أن للأعياد والمناسبات، الدينية، طعما خاصا في الجزائر، قياسا بالأجواء التي يمرون بها خارج الوطن، مما يدفع الكثيرين منهم إلى برمجة العطل مع هذه المناسبات، غير أن هنالك من يتعذر عليه ذلك. حسيبة موزاوي عيد الأضحى لا يستغني بدوره عن قاعدة الاحتفال بالمناسبة وسطَ الأهل وبالجزائر، حيثُ يمكن للمواطن الجزائري أن يتخلص من صرامة الأوربيين، ويتصرف على النحو الذي يحلو له، بذْبح أضحيته فوق سطح المنزل دون الاضطرار إلى التزام الرقابة البيطرية المفروضة، وإيقاد (النار) دون خشية مباغتة المطافئ للعمارة، ظنا منهم، أن حريقا قد شب في المكان، ليبقى الجو العام الذي يمر فيه عيد الأضحى في الجزائر، هو أكبر ما ينقص المغتربين في المهجر، حيث أنهم يحتفلون أيضا داخل بيوتهم بالعيد، بين أفراد عائلاتهم وأصدقائهم، لكن الجو العام للعيد في البلدان حيث يقيمون ليس هو نفسه داخل الجزائر، حسب آراء عدد منهم. محاولة لخلق الأجواء في الغربة محمد، الذي يقضي العيد هذه السنة في كندا، بحكم التزاماته المهنية، يردف أن عملية الذبح تخضع لنظام محكم، يقوم على تقسيم المهام بين العاملين من سلخ ونفخ وتجريد من (الهيدورة)، كما أن المسلم يذبح أضحيته بنفسه، بمساعدة عاملين من المذبحة، فيما تجتمع بعد الصلاة والذبح العائلة على وجبة غذاء قوامها (بوزلوف)، التي دأب الجزائريون على إعدادها، مضيفا (أما المساء فهو فرصة لتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء، والجلوس إلى كؤوس الشاي، فيما يحظى الأطفال بفرصة ذهبية للالتقاء بأبناء العمومة والأصدقاء من الجالية الجزائرية، لا شك في أن أجواء العيد في الجزائر لا تعوضها مثيلتها في كندا ولكننا نبذل قصارى الجهد لكي نقيم شعائر ديننا على أحسن وجه حتى ننقلها إلى أبنائنا). نفس الشيء يلفت إليه الانتباه كمال المقيم في هولندا قائلا (قبل العيد بأسبوع نذهب عند جزار مغربي ونحجز الخروف الذي لا نراه حيا، ومساء يوم العيد نذهب عند الجزار حيث العشرات من المسلمين في انتظار الأضحية، وبعد انتظار طويل تتم المناداة برقم الأضحية الذي سبق لك أخذها من الجزار، وحوالي العاشرة ليلا نأخذ الأضحية في كيس بلاستيكي، أضحية بدون رأس ولا رجلين ولا أمعاء، وهناك من يتسلم أضحيته في اليوم الموالي، وذلك لأن المجازر الهولندية لا تقدر على تجهيز هذا الكم الهائل من الأضاحي). أما صبرينة، فترى بأن المسلمين في المنطقة التي تقطن فيها ببلجيكا، يذهبون إلى البلدية من أجل الحصول على رخصة لذبح أضاحي العيد في مكان مخصص بأحد المساجد، قائلة (جميع المسلمين القاطنين بالمنطقة، وعددهم قليل، يذبحون أضاحيهم هناك، قبل أن تقوم لجنة مراقبة طبية بفحصها). القوانين الفرنسية تمنع اصطحاب الأضاحي إلى المنزل كما يسعى المهاجرون المسلمون في فرنسا والتي يعتبر الإسلام ثاني الديانات المنتشرة فيها بكثافة سكانية يفوق عددها 5 ملايين مسلم، أو ما يعادل 8 بالمائة من السكان المقيمين هناك، للحفاظ على التقاليد الإسلامية رغم الابتعاد عن الوطن الأم، خاصة فيما يتعلق بذبح أضاحي عيد الأضحى، لكن الأمر نفس الشيئ بالنسبة للبلدان الأخرى لا يخلو من بعض الصعوبات، لاسيما أن الأمر منظم جدا وخاضع لشروط النظافة والسلامة، فعملية النحر مسألة مقننة ولا تتم إلا في المذابح المعتمدة، وفي بعض الحالات يتم اللجوء إلى بعض المذابح المؤقتة، ويتم نقلها في شاحنات تتوفر فيها شروط الصحة والنظافة، غير أن البعض قرر أن يخلق لنفسه أجواء خاصة تقربه نوعا ما من (بنة) العيد في أرض الوطن. لحظات لا تمحى من ذاكرة الأطفال عن عيد الأضحى، هي تلك التي يقوم الطفل بمرافقة والده لاختيار الخروف بعناية ومن ثم التوجه به إلى البيت للتباهي وسط الرفاق بخروف يصير صديقا فيما بعد، ورغم أن المغتربين يحاولون كذلك الحفاظ على أكبر قدر من ملامح تلك اللحظات رغم الابتعاد عن الوطن الأم، لكن سرعان ما تمحى من الذاكرة فور انتهاء الأولياء من اختيار أضاحيهم، فهم يخرجون من المذابح دون أخذ أضاحيهم، فالقوانين الفرنسية تحول دون اصطحاب الأضاحي إلى المنزل حفاظا على سلامة المواطنين، فيبقى المذبح هو المكان الوحيد الذي يضمن لهم إمكانية تأدية فرض النحر، وذلك من خلال تأمين عماله على أضحيتهم ليتسلموها بعد العيد وهي جاهزة. وفي ذات السياق، يشير أغلب المهاجرين الجزائريين الذين حدثناهم إلى أنهم يفتقدون نكهة العيد بشكل كبير، لاسيما فيما يتعلق ببعض العادات والتقاليد التي اعتادوا عليها ووجدوا أنفسهم محرومين منها بداعي احترام قوانين دولة لا تبيح مثل هذه الشعائر، ليلى هي إحدى تلك النسوة اللواتي تفتقدن اجتماع العائلة خلال يوم العيد وتأدية بعض الطقوس التي أضحت مستحيلة في بلاد المهجر على غرار حنة الكبش، وتشويط البوزلوف، وتحضير العصبان كذلك، أما مريم فقد ذهبت لأكثر من ذلك قائلة (لا وجود لنكهة العيد مادام أغلبنا يعمل خلال ذلك اليوم، فنحن لا نحس بطعم العيد كما كنا نحس في الجزائر، إضافة إلى أن الأضحية في فرنسا تقتصر على بعض قطع اللحم التي نحصل عليها نتيجة اقتنائنا لخروف نسلمه للمذبح ولا نعود لأخذه إلا بعد انقضاء العيد بيومين أو ثلاثة). أما غنية فهي ترفض رفضا باتا أن يمر عيد الأضحى بدون أن تشتري الكبش وتؤدي فريضة النحر في المنزل فقد خصصت غرفة وأفرغتها وأتمت فريضة النحر فيها قائلة (في الليل أين كان جيراني كلهم نائمين استغليت الفرصة لإدخال كبش العيد إلى المنزل وكنت قد خصصت له غرفة ابني وفي الصباح بعد صلاة العيد قمنا بنحره في نفس الغرفة واستمتعت بتشويط البوزلوف وتنقية الدوارة). الأنترنت... الحل البديل لمقاسمة أجواء العيد مع الأهل وعن تساؤلنا حول وسيلة التواصل التي تتم بين المهاجرين وعائلاتهم في يوم العيد أكد جميعهم أن الأنترنت أصبحت وسيلة للمعايدة وتبادل التهاني وصلة الرحم بين بعض العائلات وأبنائها المهاجرين، الذين أجبرتهم ظروف العمل والمسافات على قضاء أيام العيد بعيدا عن الأهل والوطن، وإن كان عيد الأضحى يشكل مناسبة تساهم في لم شمل العائلات، والتقاء الكل على مائدة واحدة، فإن الإنترنيت تحوّل إلى فضاء لتجديد الوصل، بالصوت والصورة، مع ذويها في المهجر. ولاستكمال جو الفرحة بالعيد والابتهاج بملاقاة الأهل والأحباب، تحرص بعض العائلات طيلة أيام العيد، على صلة الرحم مع ذويها ولو عبر الأنترنت، و الذي يتيح إمكانية المخاطبة عبر استعمال الميكروفون والكاميرا في الحديث مع أي شخص وفي أي كان مكان تواجده، وذلك من أجل تخفيف حدة الغربة من خلال نقل أجواء العيد التي يفتقدونها في بلاد المهجر، فهم ممنوعون هناك من الكثير من الأشياء التي تميز العيد في البلد الأم كنحر الأضحية في البيت والشواء واجتماع العائلة الخ. والكثير من العائلات تسمح لهم فرصة الحديث عن طريق النت بأن يتكلموا مع ذويهم بالمهجر عن الكبش وعن كبش العائلة والجيران وملابس العيد والحلويات وإعداد أكلات العيد، كما أنهم يقومون بإرسال صور وذلك من أجل تقريب الصورة لذويهم عن أجواء العيد بالبلد الأم وفي جو عائلي يملأه الفرح والسعادة.