بقلم: غبولي زين العابدين يشاهد العالم العربي بحزن وأسى ما يحدث في بلاد الرافدين وأرض الشام هذه الأيام. لا يمكن التغاضي عن الجرائم المروعة التي تحدث هناك صباح مساء ولا يمكن لعاقل أن يتقبل ما يقوم به التنظيم الإرهابي المسمى (داعش) في أهل العراق، كما لا يمكن لأحد يحب العراق أن يرتاح ضميره وهو يشاهد القصف المستمر الذي تقوم به قوات التحالف لأن المسألة داخلية وكان من اللازم أن تبقى كذلك. لكن البكاء لا ينفع اليوم فالإرهاب الداعشي موجود كما كان إرهاب القاعدة موجودا منذ سنوات، والمتطرفون يعطون ذريعة وحجة زائدة لأولئك العنصريين الذين يحاولون إلصاق تهمة العنف بدين الإسلام الرحيم. الحل لن يكون إلا بالرجوع لأصل المشكلة وإيجاد جذورها لاقتلاعها نهائيا لأن الترقيع المستمر والرفض اللحظي لهذه الأفعال والذي لا يكون إلا في المناسبات لن يفيدنا بعد اليوم، من المستحسن بل من الواجب طرح الأسئلة: كيف ولد الإرهاب؟ كيف نمى الإرهاب؟ ومن ساند الإرهاب؟ أسئلة قد تبدو لأول وهلة صعبة وحساسة لكن الإجابة غالبا ما تتمحور حول أصل واحد وجملة واحدة: الخطاب الديني المتطرف! نعم، شئنا أم أبينا، الإرهاب لم يولد هكذا بل هو نتيجة أعوام وأعوام من تكريه المسملين في هذه البشرية وإعطائهم نظرة سطحية للمشاكل بل والتعدي إلى إعطاء حلول ساذجة توهم المسلم أنه لو أحسن صلاته فكل شيء سيصبح أفضل. لقد عمل الخطاب الديني منذ زمن على تقديس صورة خاطئة للإسلام فحولوه من دين رحمة إلى دين عنف والمشكلة أنهم يعتمدون دائما على مصدر أصولي وفقهي وللأسف يتم خداع الناس انطلاقا من هذا المصدر الفقهي. لا بد من الصراحة إن أردنا إيجاد الحلول، لا بد من القول بملء الفم أن الإسلام الرحيم، الإسلام الذين يتأقلم مع كل عصر، الإسلام الذي سبق كل القوانين الدولية في مسألة تقرير حقوق الإنسان، الإسلام الذي ضمن حقوق الأقليات ولم يسلب الإنسان حريته، الإسلام الذي شجع على الإبداع والاكتشاف والعلم واستخدام المنطق والعقل.. هذا الإسلام تم تغييبه، تم اختطافه، تمت المتاجرة به مرارا وتكرارا، لقد أصبح هذا الإسلام الجميل الذي لا يمكن أن يسمع به عاقل ولا يدخل فيه مفقوداً، مشتتا ومنسيا بل ومهمشا من طرف الناس، القيادات الدينية وحتى أولئك المتشددين الذين يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح جنة الرحمن وناره! * فقه الكفر والزندقة عندما وقف البعض في وجه المتشددين منذ أعوام، اعتبر العديد من الشيوخ أن هؤلاء الذين وقفوا وقفة حق هم مبعوثون من عند الدول (الكافرة) وأنهم مؤامرة على الإسلام. عندما حاول بعض العقلاء والدكاترة أن يدافعوا عن أفكارهم وعن فهمهم الخاص للدين، تم اتهامهم بالزندقة من طرف أشخاص مستواهم لا يتعدى حدود المدرسة الابتدائية. وعندما وقف البعض اليوم ضد هذا الإرهاب الذي تجرأ المتطرفون وسموه بالخلافة الراشدة، اتهمهم أشخاص لم يعرفوا المسجد إلا منذ أشهر قليلة بأنهم يوالون الكفار وأن هذا كفر بواح وردة واضحة عن دين الإسلام.. وهكذا انتقلنا من فقه (الكفر والزندقة) إلى فكر(موالاة الكفار وأعداء الله) (مع حبنا واحترامنا وغيرتنا الشديدة على الفقه الحقيقي الذي يكرس صورة إسلام رحيم متسامح).. وهنا يطرح السؤال: لماذا مع كل اختلاف وكل نقاش عادي، يبرز أشخاص لا نعرف شيئا عن توجهاتهم ولا يملكون أي شهادة لا في الفقه ولا في السياسة ويبدؤون بالصراخ واخراج المسلمين من دينهم أفواجا أفواجا؟ فهل هؤلاء ممثلون شخصيون للإله؟ وهل كل فهم يخالف فهمهم هو كفر ولو كان اجتهادا؟ بأي حق يدعي هؤلاء الاطلاع على نفوس البشر؟ وأي قانون في هذا الدنيا وبل وأي شرع يبرر لهم التكلم عن نوايا الناس؟ إن أصبحنا نعتبر كل مسلم يقف وقفة حق مواليا للكفار، فمن الأفضل أن نعتبر مئات الملايين من المسلمين كفاراً، وبهذا الفقه الجديد لا حرج أيضا في قتل هؤلاء المسلمين مادام أننا نملك _و الحمد لله- من يستطيع النظر في قلوب الناس. لقد قالها عيسى عليه السلام مرة: لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب! أتعجب وأحزن للطريقة التي نتعامل بها مع الأزمة العراقية، من الواضح أن الأزمة ذات جذور دينية وإن أنكر البعض ذلك، ومن الواضح أيضا أننا وفي سبيل حلها لا يمكن أن نغفل عن هذه الجزئية الدينية. لا زلنا لليوم نجد صعوبة في الاعتراف بخطأ داعش وكأننا نقدس خلافة باطلة (لاعلاقة لها بتلك الخلافة التي كانت في عهد الخلفاء الراشدين) تقدس هي بدورها سفك الدماء. فبالله على هؤلاء الدواعش وعلى من يساندهم ويعطيهم المبررات من الشيوخ: منذ متى أصبح ديننا دين قتل؟ ومنذ متى أصبح الاسلام ينشر بالسيف؟ ومنذ متى أصبح هؤلاء الدواعش المالكين الرسميين للدين الإسلامي؟ ومنذ متى أصبحنا لا نعرف غير القتل والذبح والدماء كوسيلة لتحبيب الناس في ديننا؟ ومنذ متى أصبحت الحدود الشرعية تقام وقت الحروب؟ ومنذ متى أصبح الفقه وسيلة لتبرير الأزمات السياسية؟ ومنذ متى أصبح حل المشكلة السياسية رفع علم التوحيد؟ يا إلهي، لقد اقتتلوا وما تركوا الدين بعيدا، لقد داسوا على الأخلاق الإنسانية وما تركوا الإسلام بريئا، لقد سرقوا واختطفوا واحتكروا فهم الدين الصحيح وما تركونا لنفكر ونتعقل ونستنتج ونفهم. * باسم الجهل ليست المشكلة في ذاك الإنسان الذي يحمل سلاحا ويذهب به إلى سورياوالعراق، ليست المشكلة الحقيقية حتى في ذلك الذي ذبح وقتل واغتصب وشرد ودمر.. بل لب المشكلة في الفقيه الذي يعطي فتوى بالقتل، في الشيخ الذي يشجع على الجهاد في بلاد الرافدين بينما ينسى وبكل براءة أرض فلسطين التي يقسم العاقل والمجنون أنها القضية الأنزه والأشرف والأكثر وضوحا. القاتل يبقى قاتلا لكن المشكلة في الذي يقتل يعطي أمر القتل والمبرر، المشكلة في ذاك الذي لم يبق له الكثير ويلتحق بجوار ربه ولم يدرك بعد أنه أفسد دولا وأحرق أراضي وأشعل فتنا وقسم شعوبا وخلق مشاكلا.. كل ذلك باسم الدين وبواسطة الدين وعبر الدين، أ فلم يفهم بعد أن الأفضل له أن يلزم منزله ويسبح إلهه في انتظار قدوم أجله؟ هل نسي أنه سيحاسب على كل الأرواح التي أزهقت؟ قالوا فتوى وقلنا مبرر قتل، قالوا جهادا وقلنا إرهابا، قالوا تطبيق للشريعة وقلنا جهل بمقاصد الشريعة، قالوا خلافة وقلنا ما هكذا تكون الخلافة، قالوا هي واجب شرعي وقلنا هي أمر كان ولن يعود لأسباب سياسية، قالوا كفار فقلنا لا بل عقلاء، قالوا زنادقة فقلنا لا بل مؤمنون.. قالوا وقالوا ولم ينتبهوا إلى أن العصر تغير وأن قوانين الماضي لا يعقل أن تطبق اليوم. يدعون إلى الخلافة وهم غير واعين أن الخلافة انتهت وأن هذا العصر هو عصر الدول ذات السيادة، احتجوا بأحاديث أفضلها حسن الإسناد ولا يؤخذ به في أمور كهذه. سعوا وراء حلم لن يصلوا إليه وأضاعوا العراق التي شهدت نهضة الحضارة لمرتين، أضاعوا سوريا وهم على وشك إضاعة بلدان العرب والمسلمين.. كل هذا لم يتم باسم الإسلام كما يحسبون بل باسم الجهل، لا مبرر شرعي له كما يزعمون بل هي سياسة ومصالح، لا حجة لهم يوم القيامة بل كلها حجج عليهم ونتمنى أن نكون مكانهم. حفظ الله العراق وشعبه الكريم، حفظ الله شعب سوريا وسائر بلاد المسلمين أعاننا الله على استرداد الفهم السليم والرحيم للدين والقضاء على فقه الجريمة والزندقة وموالاة الكفار.