ما تزال محلات بيع الأعشاب الطبيعية للتداوي تشكل ديكورا في شوارع العاصمة، بل أصبحت ملجأ المواطن البسيط الذي يبحث عن أمل للشفاء في مستخلص طبيعي نافع، وقد يكون في بعض الأحيان ضارا إذا استعمل بإفراط ودون أخذ رأي الطبيب المختص. بيع وشراء في علل المرضى فهي لا تخلو من المخاطر والأضرار والجوانب السلبية، فالاستخدام غير السليم، أو أخذ أدوية الأعشاب بناء على تشخيص خاطئ قد يقود إلى كارثة صحية، كما أن جانبا كبيرا من المخاطر المترتبة على التداوي بالأعشاب ليس متعلقا بنوع الدواء أو العشبة، بل لعدم دراية الاختصاصيين الذين يعملون في هذا المجال، والذين تزايدت أعدادهم في الآونة الأخيرة بشكل يدعو للقلق. إن أخطر ما يشوب طب الأعشاب رغم أنه يمثل الحل البديل للأدوية الكيميائية، أنه تأثر إلى حد كبير بالعامل التجاري بمعنى أن غالبية العاملين في سوق الأعشاب والطب النباتي ليسوا من الأطباء العارفين بالأمراض وبطبيعة جسم الإنسان بل هم من الباحثين عن الربح والاستثمار والبيع والترويج، لأن البعض منهم قد تكون له خبرة في مجال الأعشاب، ولكن تغيب عنه جوانب تتعلق بالأمراض وأسبابها واستطباباتها مع بعضها وغير ذلك من الاحتمالات التي تحتاج إلى ذوي الخبرة والاختصاص. عشابون يؤكدون نجاعة الطب البديل جولة قصيرة قمنا بها لمعرفة مدى الإقبال على هذه المحلات التي يشرف عليها بائعون يجلبون سلعهم من الأسواق الموازية، والتي تنتشر في ضواحي العاصمة، ومنهم من يلجأ إلى اقتنائها من سوق العلمة بسطيف أو من المستوردين الذين يأتون بها من الشرق الأوسط والهند وباكستان، حسبما صرح لنا به صاحب محل بيع الأعشاب الطبيعية الكائن بحي برج الكيفان، حيث قال إن هناك بعض المستحضرات سريعة المفعول، خاصة فيما يخص داء السكري وارتفاع الضغط الدموي، وهي عقاقير مكونة أساسا من نباتات طبيعية ومركبة في مخابر خاصة يشرف عليها مختصون في الطب البديل، رغم تخوف بعض الأشخاص منها.. إلا أن مفعولها كان له صدى في إقبال وتوافد الأشخاص، خاصة الذين أنهكتهم الأدوية دون ظهور نتائج إيجابية. وقال تاجر بإحدى المحلات لبيع الأعشاب الطبيعية بالعاصمة، إن بعض الأعشاب قد تكون ضارة وغالبا ما تؤدي إلى أعراض خطيرة ثانوية، مؤكدا أن انتشار العلاج بالأعشاب بين الجزائريين ناتج عن فشل الطب الحديث في علاج بعض الحالات، كما أن أثمانها في متناول الجميع، ما يدفع الكثيرين لاعتمادها بدل الأدوية غالية الثمن. دخلاء أعابوا مجال التداوي بالأعشاب ويؤمن بعض الناس أن الأعشاب لا تترك أي مفعول في الجسم عكس الأدوية التي لها مضاعفات، وفي هذا الشأن يضيف المتحدث (إن مهنة العطارة في الجزائر هي تراث وخبرة تراكمت منذ آلاف السنين، ولا يجوز لأحد أن يتطاول على هذه المهنة التي أنقذت حياة ملايين الجزائريين قبل ظهور الطب الحديث وبعده. لكن هذه المهنة تم التطفل عليها من قبل بعض الدخلاء، وهي تعاني من بعض الفوضى تماما مثل باقي المهن، فكما يوجد أطباء سيئون يوجد عطارون سيئون، وهذا ما أدى إلى نتائج وخيمة قد تصل إلى الموت أحيانا، وهو حال تلك فتاة كانت تعاني من داء التهاب الفيروس الكبدي ولكن جهل عائلتها جعلهم يلجؤون إلى العطارين والاستعانة بالعقاقير التي لا تنفع في هذا الداء، ما أدى إلى وفاتها في الأسبوع الأول من إصابتها. غير أن هذا الواقع أدى إلى وجود فوضى في مجال التداوي بالأعشاب، ولعل الخطورة تكمن في وجود أكثر من مادة فعالة في كل عشب، الأمر الذي يترك أثره السلبي على المريض من حيث الآثار الجانبية، وهذا يفند الاعتقاد السائد لدى العامة بأن النباتات الطبية لا تحتوي على آثار جانبية، وكدليل على ذلك نبات (البيلا دونا) الذي تستخلص منه مادة فعالة كمضاد للمغص، لكن زيادة الجرعة من هذه المادة تؤدي إلى تسارع نبضات القلب، ويكون الأمر أشد خطورة إذا وصفت هذه المادة لمريض قلب يشكو من المغص وقام بوصفها أحد العشابين غير المختصين. أطباء يحذرون من الإقبال العشوائي في السياق، أكدت الدكتورة (ساحلي جويدة)، على ضرورة التكامل بين الطب الحديث والطب البديل، لأن العلاج الفعال - حسبها - يتطلب التكامل بين الشق الروحي والبدني، وبيّنت الدكتورة في تصريح خصت به (أخبار اليوم) أنه توجد أمراض عضوية يستحيل على العشاب أن يجد لها دواء، ولهذا حذرت من الثقة المطلقة في بعض العشابين الذين تسببوا في كوارث طبية بجهلهم واحتيالهم. ونصحت المتحدثة بضرورة التعريف الجيد بالمنتوجات العلاجية الطبيعية في الجزائر، التي يفرض قانونها إجراءات رقابية مشددة، خاصة بالنسبة للأعشاب التي يجهل مصدرها والتي يعاقب عليها القانون، وشجعت على الاستعانة بالأغذية الطبيعية في التداوي، والتي تسببت في نتائج جد مرضية وصلت حد 50 بالمائة في أمراض السرطان.