دخل علي رجل يشتكي من غضب زوجته عليه وهجرانها له ولا يعرف كيف يتصرف معها، فقلت له: إن كثيرا من المشاكل التي نراها كبيرة ومعقدة يكون علاجها بخلق صغير وتصرف بسيط، فقال لي: ماذا تقصد؟ قلت له: جرب أن تدخل اليوم بيتك وتسلم على زوجتك وتبتسم بوجهها، ثم تحدث معها فإنها ستستجيب لك، فالابتسامة خلق صغير ولكن مفعولها كبير فنظر إلي باستغراب، فقلت له: لا تستغرب ولكن جرب، فانطلق ثم عاد وقال لي: صدقت، وما كنت أتوقع أن هذا الخلق الصغير له معنى كبير.. استوقفتني هذه الحادثة وبدأت أتذكر أخلاقا وأعمالا صغيرة ولكن معانيها كبيرة، ولهذا قيل (رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية) والأصل أن لا نحقر من الأعمال شيئا كما قال رسولنا الكريم (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). أعرف رجلا غير مسلم كان سبب دخوله الإسلام ما فعله زميله بالجامعة من دفع حساب وجبته للهمبورغر وقت الغداء، فاستغرب من تصرفه ومبادرته فأجابه المستضيف: إن هذا من إكرام الضيف عندنا بالإسلام فكان هذا العمل الصغير سببا في دخوله الإسلام. وأب اشتكى لي مرة من عصيان ابنه المراهق على الرغم من كثرة العقوبات التي فرضها عليه، فقلت له: جرب أن تعالج مشكلته بالحوار والكلمة الطيبة فلما جربها كان مفعولها معه مثل السحر. وأعرف فتاة تعيش في أسرة مفككة تقدم لها خاطب فعبرت لي عن مخاوفها وتشاؤمها من نجاح زواجها، فقلت لها: كوني متفائلة ولا تستسلمي لوساوس الشيطان فقاومت التشاؤم وسعدت بزواجها. ورجل أعمال شهير سألته مرة من أين لك هذه الثروة العظيمة؟ فقال: بسبب أمي فظننت أنه ورث هذا المال منها، ولكنه شرح لي قصده بأن أمه أصيبت بغيبوبة لمدة سبع سنوات وكانت بالعناية المركزة بالمستشفى فكان كل يوم يزورها ويمسك قدمها ويدعو لها قبل الذهاب لعمله في الصباح واستمر على ذلك إلى أن توفيت، فبارك الله له في رزقه بسبب بره بأمه. فهذه مجموعة قصص من الواقع عشتها أنا شخصيا (بأخلاق صغيرة ولكن ذات معان كبيرة) واستوقفتني خمسة أحاديث نبوية تفيد نفس المعنى وتشجعنا على أعمال صغيرة تقودنا لرضا الله تعالى ودخول الجنة. فالأول في الغرس والثاني في الهدية والثالث رفع الأذى والرابع سقي الحيوان والخامس مسامحة المعسر.. فأما الأول فقد فقال رسولنا الكريم: (ما من مسلمٍ يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة) والثاني: (يا نساء المسلمين لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسَنِ شاة) يعني عظما قليل اللحم. والثالث: (لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس). والرابع: (أن امرأة بغياً (أي: فاجرة) رأت كلباً في يومٍ حارّ يطيف ببئرٍ قد أدلع لسانه من العطش (أي أخرج لسانه)، فنزعتْ له بمُوقِها (أي: استقت من البئر بخفِّها) فغُفر لها). والخامس: (كان رجلٌ يُداين الناسَ، فكان يقول لفتاه: إذا أتيتَ معسراً فتجاوز عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا قال: فلقي اللهَ، فتجاوزَ عنه). فهذه خمسة معان لأخلاق بسيطة ولكن مفعولها كبير وهذه الأحاديث تشجعنا للعمل وبذل السبب ولو كان قليلا فلا نستهين بالقليل وفي الأمثال (ارجع بهدية من السفر ولو حجر) وأذكر مرة أني كنت مسافرا مع الدكتور عبدالرحمن السميط لبلدة في إفريقيا وزيارة القرى الفقيرة هناك، فلما دخلنا القرية قدم لي أهل القرية هدية عبارة عن غصن شجرة فيها بعض الأوراق، وقالوا لي: هذا كل ما نستطيع أن نقدمه لك.. ولا زلت أذكر هذه الهدية حتى اليوم ولا أستطيع أن أنساها على الرغم من بساطتها، فالعطاء ولو كان قليلا فهو عطاء وجميل، فلنحرص على القليل المستمر حتى يصبح كثيرا، فمن يقرأ أربع صفحات من القرآن بعد كل صلاة يختم القرآن في شهر واحد، ومن يقرأ كل يوم 20 دقيقة يقرأ مليون كلمة بالشهر، فلا نستهين بالعمل القليل فقليل دائم خير من كثير منقطع.