ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    العدوان الصهيوني على غزة : استمرار الإبادة الوحشية خصوصا في الشمال "إهانة للإنسانية وللقوانين الدولية"    مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غض البصر.. يوميات مسلم في زمن الفتن
نشر في أخبار اليوم يوم 06 - 12 - 2014


مساهمة: أَبُو عَبْدِ العَزِيز مُنِير الجَزَائِرِي
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
الحمد لله المحمود على كل حال، الموصوف بصفات الكمال والجلال، له الحمد في الأولى والآخرة، وإليه الرُجْعى والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تنزَّهَ عن الشريك والنَّديدِ والمثال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قدوة العباد في النَّيات والأقوال والأفعال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الصحب والآل.
وبعد: فإنَّه لا تخفى أهمية موضوع غضِّ البصر خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة التي انتشر فيها التبرج والسفور وقنوات الفجور والعياذ بالله، ولقد وردت النصوص الكثيرة الآمرة بغض البصر الناهية عن إطلاقه، فمنها قوله تعالى:
_قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ_ [النور:30]
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: يَا عَلِيُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ رواه أبو داود (2149)، والترمذي (2777)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7953).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الزواج من أهم أسباب غض البصر فقال: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ رواه البخاري(1905) ومسلم (3398) واللفظ له.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر من حق الطريق كما ورد في الحديث الصحيح.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ، فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا .
قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ رواه البخاري (2465) ومسلم (5563).
فائدة: نظم الحافظ ابن حجر رحمه الله آداب بالطريق كما في فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/11) فقال:
جمعت آداب من رام الجلوس على ال
طريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وش
مت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث
لهفان أهد سبيلا وأهد حيرانا
بالعرف مر، وانه عن نكر وكف أذى
وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
قال الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله [الجامع لأحكام القرآن (12/223)].
ولغض البصر فوائد كثيرة ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله، فقال:
وفي غض البصر عدة فوائد أحدها تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه ولا وصول له إليه وذلك غاية ألمه وعذابه..
الفائدة الثانية: أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه، ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى:_ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ _[النور:35] عقيب قوله: _ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ _[النور:30] .
الفائدة الثالثة: أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته، وإذا استنار القلب صحت الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة المَجْلُوّة تظهر فيها المعلومات كما هي، والنظر بمنزلة التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء في مرآة قلبه فطمست نورها..
الفائدة الرابعة: أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشفت له بسرعة ونفذ من بعضها إلى بعض، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه ..
الفائدة الخامسة: أنه يورث قوة القلب وثباته، وشجاعته فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة..
الفائدة السادسة: أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه، وأيضا فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء أعاضه الله سبحانه مسرة ولذة أكمل منها..
الفائدة السابعة: أنه يخلص القلب من أسر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل: طليق برأي العين وهو أسير
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب..
الفائدة الثامنة: أنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول، فمتى هتك الحجاب ضَرِيَ على المحظور، ولم تقف نفسه منه عند غاية فإن النفس في هذا الباب لا تقنع بغاية تقف عندها، وذلك أن لذتها في الشيء الجديد، فصاحب الطارف لا يقنعه التليد، وإن كان أحسن منه منظرا وأطيب مخبرا، فغض البصر يسد عنه هذا الباب الذي عجزت الملوك عن استيفاء أغراضهم فيه.
الفائدة التاسعة: أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب، فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه لما أطلق بصره..
الفائدة العاشرة: أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق..
وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإنما نبهنا عليه تنبيها.. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص 104) باختصار
وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب دخول الجنة فقال: اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ رواه الإمام أحمد (22757) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1470).
الوسائل المعينة على غض البصر:
الأولى: مراقبة الله
فهذه من أعظم الوسائل التي تجعل المسلم يتورع عن هذه الخطيئة ، فإذا حدَّثتك نفسُك بمعصية وخطيئة ذكِّرها برؤية الله لك، واطلاعه سبحانه وتعالى عليك، قال الله تعالى: _ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى _[العلق:14]
قال بعض السلف: اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك ، وقال آخر: لو تفكر الناس في عظمة الله، ما عصوه
فمن أسماء الله تعالى (البصير)، ومعناه كما قال شيخنا عبد الرزاق العباد البدر حفظه الله: الذي يرى جميع المبصرات، ويبصر كل شيء وإن دق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويرى مجاري القوت في أعضائها، ويرى جريان الدم في عروقها، ويبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السموات السبع، ويرى تبارك وتعالى تقلبان الأجفان، وخيانات العيون...ثم إن لهذا الاسم العظيم فكلما ذكَّر الإنسان نفسه بذلك ردعه وزجره، من كان بالله أعرف كان له أخوف كما قال ذلك أهل العلم رحمهم الله.
مقتضياته من الذل والخضوع ودوام المراقبة والإحسان في العبادة والبعد عن المعاصي والذنوب..
قال ابن رجب: رحمه الله راود رجل امرأة في فلاة ليلا، فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت: فأين مُكوكبُها؟! .
أي: ألا يرانا، قال تعالى: _ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى _[العلق:14].
وكفى بهذا زاجرا ورادعا فقه أسماء الله الحسنى (ص 156160) باختصار
يا منتهكًا للحرمات في الظلمات، في الخلوات، في الفلوات، بعيدًا عن أعين المخلوقات، تذكر نظر رب البريات قيوم الأرض والسموات سبحانه وتعالى القائل:_ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ _ [غافر:19].
قال ابن عباس في قوله: _يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ _ وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غَضّ، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض بصره عنها [تفسير القرآن العظيم(7/137)].
وغض عن المحارم منك طرفا* طموحا يفتن الرجل اللبيبا
فخائنة العيون كأسد غاب* إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ومن يغضض فضول الطرف عنها* يجد في قلبه روحا وطيبا
الثاني: الدعاء
الدعاءُ شأنُه في الإسلام عظيمٌ، ومكانتُه فيه ساميةٌ، ومنزلتُه منه عالية؛ إذ هو أجلُّ العبادات وأعظمُ الطاعات وأنفعُ القربات، ولهذا جاءت النصوصُ الكثيرةُ في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبيِّنةُ لفضله والمُنَوِّهةُ بمكانته وعظم شأنه، والمرغِّبةُ فيه والحاثَّةُ عليه، وقد تنوَّعت دلالاتُ هذه النصوص المبيِّنة لفضل الدعاء، فجاء في بعضها الأمرُ به والحثُّ عليه، وفي بعضها التحذير من تركه والاستكبار عنه، وفي بعضها ذكرُ عِظم ثوابه وكبر أجره عند الله، وفي بعضها مدحُ المؤمنين لقيامهم به، والثناءُ عليهم بتكميله، وغيرُ ذلك من أنواع الدلالات في القرآن الكريم على عظم فضل الدعاء فقه الأدعية والأذكار (1/273)
أن تكثر من الدعاء، ولا سيما التَّعوذ بالله من الشرور، ومن الدعوات المأثورة الثابتة في هذا المقام:
قوله صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سمعي، وَمِنْ شَرِّ بصري، وَمِنْ شَرِّ لساني، وَمِنْ شَرِّ قلبي، وَمِنْ شَرِّ منيي رواه أبو داود (1551) والترمذي (3492) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4399).
ومعنى الحديث كما قال أهل العلم رحمهم الله: ( من شر سمعي ) حتى لا أسمع به ما تكرهه، ( ومن شر بصري ): حتى لا أرى شيئا لا ترضاه، ( ومن شر لساني ): حتى لا أتكلم بما لا يعنيني، ( ومن شر قلبي ): حتى لا أعتقد اعتقادا فاسدا ولا يكون فيه نحو حقد وحسد، وتصميم فعل مذموم أبدا، ( ومن شر منيي ): وهو أن يغلب المني عليه حتى يقع في الزنى أو مقدماته، يعني من شر فرجه وغلبة المني علي حتى لا أقع في الزنى والنظر إلى المحارم.
وقيل: هو جمع المنية بفتح الميم أي من شر الموت أي قبض روحه على عمل قبيح عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/286).
فالتجئ إلى ربك تائبا منيبا خاشعا خاضعا، ادعوه وأنت موقن بالإجابة أن يوفقك لغض بصرك وحفظ فرجك، وستجد لذة المناجاة، وأثر العصمة من عند الله سبحانه وتعالى، فالعبد يطلب من ربه ومولاه الإعانة على الطاعة، والإعانة على ترك المعصية، فيعيش مفتقرا إلى ربه في كل وقت وحين، وهذا من لب العبودية، وسبب لتحصيل السعادة الأبدية.
الأمر الثالث: اجتناب مواطن الفتنة
أخي الحبيب اغلق الأبواب التي تعلم أنها توصلك إلى الشرِّ والفتنة، وتلق بنفسك موارد الفتن، ثم تطلب السلامة، بل تجنّب أماكنها، وفر منها فرارك من الأسد
فاحذر أخي من الأماكن التي تعرف أنها أماكن يكثر فيها النساء وبخاصة المتبرجات، كالأماكن المختلطة والأسواق وغيرها، وهذا من أخذ الأسباب في اجتناب مواضع الفتن.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
ولما اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفا والقصة مشهورة في كتب التفاسير.
فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ص408).
وقد يلبّس الشيطان على بعضهم فيزور مثل هذه الأماكن بحجة قوة إيمانه زعم ثم ما يلبث إلا قليلا فتجده قد أثرت فيه فتنة النساء أيما تأثير والعياذ بالله، وكان الأسلم له أن لا يلج هذه الأماكن أصلا.
قال الله تعالى: _وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً_.
قال سفيان الثوري رحمه الله في قوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا} المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها، ولا ينتفع بها فأي شيء أضعف من هذا ذم الهوى (ص89) للإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى.
وقال طاووس رحمه الله عن هذه الآية {وخلق الإنسان ضعيفا}: قال إذا نظر إلى النساء لم يصبر ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص 203) .
الأمر الرابع: الاهتمام بالعبادة
اهتم بالعبادة،اشغل نفسك بالطاعة، لأن النفس إذا لم تشغلها بطاعة شغلتك بمعصية: بكَّر للمسجد ولا تسرع في الخروج منه، وأكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:_وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ _ [البقرة:45]
قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
ولا شك أن لطالب العلم هنا سؤالا وهو أن يقول : أما الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة فهي أمر واضح لا إشكال فيه، لأن من حبس النفس على مكروهها في طاعة الله، كان ذلك أكبر معين على الطاعة، ولكن ما وجه الاستعانة بالصلاة على أمور الدنيا والآخرة.
الجواب: أن الصلاة أكبر معين على ذلك، لأن العبد إذ وقف بين يدي ربه، يناجي ربه ويتلو كتابه، تذكر ما عند الله من الثواب، وما لديه من العقاب فهان في عينيه كل شيء، وهانت عليه مصائب الدنيا، واستحقر لذاتها، رغبة فيما عند الله، ورهبة مما عند الله [العذب النمير من مجالس التفسير(1/48)].
فيا أهل الصلاح حي على الصلاة فهي مجلبةٌ للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأَدواء، مقوِّية للقلب، مبيِّضة للوجه، مُفْرِحةٌ للنفس، مُذهبة للكسل، منشِّطةٌ للجوارح، ممدَّة للقُوَى، شارحِة للصَّدر، مغذِّية للروح، مُنوِّرة للقلب، حافِظةٌ للنعمة، دافعة للنقمة، جالِبة للبركة، مُبعِدة من الشيطان، مُقرِّبة من الرحمن.
وبالجملة.. فلها تأثير عجيب فى حفظ صحة البدن والقلب، وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتُلى رجلان بعاهةٍ أو داءٍ أو مِحنةٍ أو بَليةٍ إلا كان حظُّ المُصَلِّى منهما أقلَّ، وعاقبتُه أسلم.
وللصلاة تأثيرٌ عجيب فى دفع شُرور الدنيا، ولا سِيَّما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدْفِعَتْ شرورُ الدُّنيا والآخرة، ولا استُجْلِبَت مصالِحُهُمَا بمثل الصلاة، وسِرُّ ذلك أنَّ الصلاة صِلةٌ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعلى قدر صِلَةِ العبد بربه عَزَّ وجَلَّ تُفتح عليه من الخيرات أبوابَها، وتُقطعُ عنه من الشرور أسبابَها، وتُفِيضُ عليه موادَ التوفيق مِن ربه عَزَّ وجَلَّ، والعافية والصحة، والغنيمة والغِنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرَّات، كلها محضرةٌ لديه، ومسارِعةٌ إليه زاد المعاد في هدي خير العباد (4/332) .
الأمر الخامس: الرفقة الصالحة
أن تحرص على الرفقة الصالحة، وأن تحذر من رفقاء السوء، فإن الصاحب ساحب، وفي رفيقه مؤثر، فاحذر من الرفقة، فكم من رفقة أعقبت رفيقها وأهلكته، وأوردته الموارد، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ رواه الإمام أحمد (8417) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3545).
وعَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً رواه البخاري (5534) ومسلم (6692)
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
من أعظم نعم الله على العبد المؤمن : أن يوفقه لصحبة الأخيار، ومن عقوبته لعبده : أن يبتليه بصحبة الأشرار .
صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين .
صحبة الأخيار توجب له العلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، وصحبة الأشرار تَحْرِمُه ذلك أجمع :_ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً _ [ الفرقان : 27 - 29 ] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (ص 189)
قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله:
كم جلبت خُلْطَةُ الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس [مدارج السالكين (1/455)]
وفيه كلام جميل ذكره الإمام القرطبي في فضل الصحبة الصالحة عند تفسيره لقول الله تعالى: _وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً_
فقال : إذ كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين، المخالطين المحبين للأولياء والصالحين، بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال، المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم وآله خير آل الجامع لأحكام القرآن (10/372)
وإذا قيل: احذر رفقة السوء، فإنه في زماننا هذا قد استجد نوع جديد من الرفقة والأصحاب لم يكن له وجود من قبل، وهو مصاحبة الإنسان للقنوات الفضائية ومواقع الانترنت، فهذه أصبحت رفيقا لكثير من الناس،قد لا تفارقه إلا أوقات النوم، يجلس في خشوع وخضوع، قد يضيع الكثير من الأوقات فيما لا يرضي الله سبحانه بل ما يستجلب بها سخط الله والعياذ بالله.
ف إنَّ من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يبثّه هؤلاء، يجدها كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى، أضرار عقائدية، وأضرار اجتماعية، وأضرار أخلاقية، وأضرار فكرية ونفسية، فمن الأضرار العقائدية خلخلة عقائد المسلمين والتشكيك فيها ليعيش المسلم في حيرة واضطراب، وشك وارتياب، وإضعاف عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض ليعيش المسلم منصرفا عن حب الله وحب دينه وحب المسلمين إلى حب زعماء الباطل ورموز الفساد ودعاة المجون، إضافة إلى ما فيها من دعوات صريحة إلى تقليد النصارى وغيرهم من الكفار في عقادهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وغير ذلك.
ومن الأضرار الاجتماعية والأخلاقية ما تبثه تلك القنوات الآثمة من الدعوة إلى الجريمة بعرض مشاهد العنف والقتل والخطف والاغتصاب، والدعوة إلى تكوين العصابات للاعتداء والإجرام، وتعليم السرقة والاحتيال والاختلاس والتزوير، والدعوة إلى الاختلاط والسفور والتعري وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والدعوة إلى إقامة العلاقات الجنسية الفاسدة لتشيع الفاحشة وتنتشر الرذيلة..
ناهيك عما تسببه تلك المشاهدات من إضاعة الفرائض والواجبات وإهمال للطاعات والعبادات، ولا سيما الصلوات الخمس التي هي ركن من أركان الإسلام، إلى غير ذلك من الأضرار والأخطار التي يصعب حصرها ويطول عدها _إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً *وَأَكِيدُ كَيْداً_ [الطارق] الفوائد المنثورة (ص114115)
بشرى:
عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله صحيح الترغيب والترهيب (1231)
هذا آخر ما تيسر إيراده، وتقرر إعداده، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.
وفي الختام نسأل الله أن يحفظ علينا شبابنا وفتياتنا وأن يجعلهم ذخرا للإسلام والمسلمين وأن يجعلهم سببا لرقي بلادهم وتطورها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.